250- التَفْسِيرُ المُيَّسَرُ للقُرْآنِ العَظِيم- الْصَفْحَة (250) مِنَ المُصْحَف

250- التَفْسِيرُ المُيَّسَرُ للقُرْآنِ العَظِيم

تفسير الصفحة رقم (250) من مصحف المدينة

        

يقول تعالى في الآية رقم (6) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ) ومن ضلال هؤلاء المشركون أنهم يطلبون منك -يا رسول الله- أن تعجل لهم العقوبة التي توعدتهم بها (قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ) بدلًا من أن يطلبوا السلامة والثواب الذي وُعِدُوا به ان آمنوا

(وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ)

بالرغم من أنه قد مضت قبلهم عقوبات الأقوام المكذبة لرسلهم، مثل عاد وثمود وقري لوط، فكان المفروض ان يعتبروا بهم

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ)

وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وصفح وستر لِّلنَّاسِ -إذا تابوا- مهما كثرت وعظمت ذنوبهم قبل التوبة، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ لمن أصر على الكفر والتكذيب. 

         

يقول تعالى في الآية رقم (7) (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ من قومك لو أُنزِلَ عَلَيْ محمدٍ معجزة مادية مِّن رَّبِّهِ -غير هذا القرآن- مثل معجزة موسي وعيسى لصدقناه وآمنا به.

(إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ) لا يصيبك الهم -يا رسول الله- بسبب عدم تحقق هذه المعجزات التي طلبوها، فليس مطلوبًا منك هدايتهم، ولكن المطلوب منك -فقط- أن تنذرهم عقاب الله إذا أصروا على الكفر والتكذيب. وقد قمت بذلك على اكمل وجه (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)

وَكُلِّ قَوْمٍ لهم المعجزة المناسبة لهم، والتي من المفروض إذا رأوها أن يهتدوا، ولذلك كانت المعجزة التي تناسب قومك هي القرآن العظيم، لأنهم أهل فصاحة وبلاغة ولغة، فان لم يؤمنوا بمعجزة القرآن فمن باب أولى لن يؤمنوا بأي معجزة أخري.

         

يقول تعالى في الآية رقم (8) (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ)

الله -وحده- هو الذي يعلم مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ من اناث الخلق، سواء أكان ذكرًا أو أنثي، وهل سينزل حيًا أم ميتًا، وما الذي سيمر به في حياته،

(وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) وهو تعالى -وحده- الذي يعلم الأجنة التي تموت في مراحلها الأولى فتشربها ٱلأَرْحَامُ، ويعلم – تعالى- الجنين الذي يعيش ويكبر في بطن الأنثى الحامل.

(وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ)

وَكُلُّ شَيْءٍ في هذا الكون محسوب بدقة، وله مقدار محدد لا يزيد عنه ولا ينقص.

         

ثم يقول تعالى في الآية رقم (9) (عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ)

وذلك يشهد بأن الله يستوي في علمه كل ما غاب عن الحواس، وكل ما تدركه الحواس، وأنه تعالى (ٱلْكَبِيرُ) الجليل العظيم الذي هو أعظم من كل شيء. (ٱلْمُتَعَالِ) الذي لا رتبة فوقه وجميع الرتب أسفل منه.

         

ثم يقول تعالى في الآية رقم (10) (سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ)

ويستوي في علمه تعالى ما يُحَدِث به المرء نفسه، وما يُحَدِث به غيره، كما يستوي في علمه مَن استخفي بعمله في ظلمة الليل، ومن جَهَرَ به في وضح النهار.

         

ثم يقول تعالى في الآية رقم (11) (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ) وكل واحد من الناس له ملائكة يتعاقبون عليه لحراسته وحفظه من أمامه ومن خلفه، بأمر الله تعالى، وتحصي عليه أعماله من حسنات وسيئات.

(إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ومن سننه -تعالى- أنه لا يُغَيِّرُ نعمة أنعمها على قومٍ الا اذا عملوا بمعاصيه، ولا يرفع البلاء عن قومٍ حتى يتركوا المعاصي.

(وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)

وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ عذاب او هلاك فَلاَ مفر من أمره تعالى وارادته، وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِ الله من يدفع عنهم عذابه -تعالى- إذا نزل بهم.

         

ثم يقول تعالى في الآية رقم (12) (هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفا وَطَمَعا وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ)

يلفت الله –تعالى- الى بعض الظواهر الكونية التي تدل على قدرته، فيقول: هُوَ –تعالى- ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ فيخاف البعض أن تقتله هذه الصواعق، ويطمع البعض فيما يصاحب ٱلۡبَرۡقَ من المطر والخير، وبقدرته -تعالى- يُوجِدُ السُحُب الضخمة المُحَملة بالماء الكثير.

         

ثم يقول تعالى في الآية رقم (13) (وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِهِۦ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مِنۡ خِيفَتِهِۦ وَيُرۡسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمۡ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ)

وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعۡدُ بِحَمۡدِ الله، وتُسَبِحُ ٱلۡمَلَٰٓائِكَةُ بحمده خوفًا واجلالًا ورهبة منه، وَيُرۡسِلُ -سبحانه- ٱلصَّوَٰاعِقَ المهلكة فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ من خلقه، وَمع كل هذه الدلائل على قدرته -تعالى- فان هؤلاء الكفار يُجَٰادِلُونَ في قدرته على البعث، وَهُوَ -تعالى- شَدِيدُ القوة والبطش بأعدائه.