251- التَفْسِيرُ المُيَّسَرُ للقُرْآنِ العَظِيم- الْصَفْحَة (251) مِنَ المُصْحَف

251- التَفْسِيرُ المُيَّسَرُ للقُرْآنِ العَظِيم

تفسير الصفحة رقم (251) من مصحف المدينة

        

يقول تعالى في الآية رقم (14) (لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّۚ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل)

(لَهُۥ دَعۡوَةُ ٱلۡحَقِّ) يعنى لله –تعالى- وحده الدعاء ٱلۡحَقِّ، يعنى الدعاء الذي تُرْجَي اجابته، لأنه دعاء لمن يملك الإجابة.

(وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسۡتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيۡءٍ) وأما الأصنام التي يتوجهون لها بالدعاء فلا يمكن أن تستجيب لهم بأي شيء.

(إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيۡهِ إِلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِ) إِلَّا كمن يرفع الماء بيده ليشرب منه وهو باسط كفيه، فلا يصل الى فمه من الماء أي شيء.  

(وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰل) وَمَا دُعَآءُ ٱلۡكَاٰفِرِينَ لهذه الأصنام إِلَّا كلمات ضائعة لا قيمة لها.

        

ثم يقول تعالى في الآية رقم (15) (وَلِلَّهِ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعا وَكَرۡها وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ۩)

وَلِلَّهِ وحده يخضع كل مَن فِي ٱلسَّمَٰاوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ، فلا يستطيع أي مخلوق أن يخرج عن حكمه تعالى وارادته، سواء كان مؤمنًا طائعًا راضيًا بأمر الله وقضاءه، أو كان كافرًا يَنْفُذُ فيه أمر الله رغمًا عنه.

(وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ ۩)  ولو أبي الكفار ان يسجدوا لله تعالى، فان ظِلَاٰلُهُم تسجد لله أول النهار مع شروق الشمس، وآخره مع غروبها، رغمًا عنهم.

        

ثم يقول تعالى في الآية رقم (16) (قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ قُلِ ٱللَّهُ) قُلۡ -يا رسول الله- للمشركين من قومك: من خلق هذا الكون ومن يدبر أمره؟ فاذا سكتوا لأنهم يعلمون أن الإجابة تدينهم، قُلِ لهم: ٱللَّهُۚ -وحده- هو الذي خلق هذا الكون وهو الذي يدبر أمره.

(قُلۡ أَفَٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ لَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ نَفۡعا وَلَا ضَرّا) قلۡ لهم أتتخذون غير الله -تعالى- آلهة ونصراء، وهم لا يستطيعون أن ينفعوا أنفسهم أو يدفعوا الضًرَ عنها، فضلًا عن أن ينفعوا غيرهم، أو يدفعوا الضرر عن غيرهم؟

(قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ) قُلۡ لهم هَلۡ يَسۡتَوِي من يبصر ومن لا يبصر؟ أَمۡ هَلۡ تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَاٰتُ وَٱلنُّورُ؟

فكما لا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ، ولا تَسۡتَوِي ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ، فكذلك لا يستوي المؤمن مع الكافر، فالكافر كالأعمى الذي لا يري شيئا، والمؤمن كالمبصر الذي يري حوله، والكافر كمن يتخبط في ٱلظُّلُمَاٰتُ، والمؤمن كم يمشي في ٱلنُّورُ.

(أَمۡ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلۡقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلۡخَلۡقُ عَلَيۡهِمۡۚ) أَمۡ أن اصنامهم خلقت خلقًا كخلق الله تعالى ولذلك أشركوها مع الله في العبادة.

(قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء) قُلۡ لهم أن ٱللَّهُ وحده- هو الخالقُ لكلّ ما في الوجود، ولذلك فهو -تعالى- المستحق للعبادة وحده.

(وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ) وَهُوَ ٱلۡوَاٰحِدُ الذي لا شريك له ولا ند ولا مِثل، وهو (ٱلۡقَهَّٰرُ) الغالب لكل شيء، وجميعُ الأشياء تحت قهره وسلطانه وقدرته.

        

ثم يقول تعالى في الآية رقم (17) (أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدا رَّابِياۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ)

ثم ضرب الله مثلا للحق والباطل، فقال –تعالى- أن الحق كمَآءٗ أنزله الله مِنَ ٱلسَّمَآءِ، فجَرَت به الأودية حتى امتلأ كل وادٍ على قدر طاقته، (فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدا رَّابِيا) فحمل ٱلسَّيۡلُ على سطحه رَغْوَة لا نفع فيها، (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُ) و مثلا آخر من المعادن التي يُوقِدُونَ عَلَيۡهِا فِي ٱلنَّارِ لصهرها طلبًا للزينة كما في الذهب والفضة، أو طلبًا لمنافع ينتفعون بها كما في الحديد والنحاس، فيخرج منها خبثها الذي لا قيمة له كالذي كان مع الماء (كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَ) وهكذا قدر الله -تعالى- أن يكون الصراع بين ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰاطِلَ (فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗ) فأَمَّا ٱلۡبَٰاطِلَ فهو كهذا الزبد الذي يعلو الماء ثم لا يلبث أن يتلاشي، أو كالخبث الذي يخرج من المعادن ثم يُرْمَي به (وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ) وَأَمَّا الحق فهو كالماء  الصافي، والمعادن النقية التي تبقى في الأرض لينتفع بها الناس.

 (كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ) وهكذا يَضۡرِبُ ٱللَّهُ لكم ٱلۡأَمۡثَالَ حتى يتضح لكم الحق من الباطل والهدى من الضلال.

        

ثم يقول تعالى في الآية رقم (18) (لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰ) للمؤمنين الَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ فآمنوا به –تعالى- وأطاعوه: الجنة وما فيها من نعيم.

(وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِه) وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لربهم فلم يؤمنوا به وعَصَوه، لو أَنَّهم يملكون كل مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيملكون ضعفه -وهذا أمر يستحيل أن يكون- وقُبِّل منهم هذا، لقدموه فداءًا لأنفسهم من العذاب يوم القيامة.

(أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ) أُوْلَٰٓئِكَ سيحاسبون حسابًا عسيرًا ليس فيه مغفرة ولا رحمة، وبعد ٱلۡحِسَابِ سيكون مصيرهم ومقامهم هو جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ ما أعدوا ومهدوا لأنفسهم.