Untitled Document

عدد المشاهدات : 1804

خطبة: ما بعد رمضان

ما بعد رمضان

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 28 رمضان 1430- 18 سبتمبر 2009

المكان: مسجد "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 30 دقيقة

 

 

أما بعد،،،

أما بعد

فهذه هي الجمعة الأولى بعد شهر رمضان، وقد كان من شأن هذه الجمعة أن تحث دائمًا على العبادة بعد رمضان كما كانت في رمضان

ونقول في هذا المقام دائمًا أن رب رمضان هو رب شوال وذو القعدة وكل شهور العام

وقبل أن نبدأ في هذا الحديث نقول أنه من الطبيعي جدًا أن تكون العبادة في رمضان أكثر منها في غيره من شهور العام

هذا أمر طبيعي جدًا لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن من أدي نافلة في رمضان كان كمن أدي فريضة فيمن سواه، ومن أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة فيمن سواه

لذلك فانه من الطبيعى أن تكون العبادة فى رمضان أكثر منها فى غيره من الشهور، الرسول –صلى الله عليه وسلم-  نفسه كانت عبادته في رمضان أكثر من غيرها من شهور العام، روي مسلم عن عائشة -رضى الله عنها -  قالت "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يجتهد فى رمضان مالايجتهد فى غيره، وفى العشر الأواخر منه مالا يجتهد غيره"

وروي البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضى الله عنهما-  قال "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان"

الشاهد انه من الطبيعى أن تكون العبادة فى رمضان أكثر منها فى غيره من شهور العام، وقد كانت عبادة الرسول –صلى الله عليه وسلم- في رمضان أكثر من غيرها من شهور العام

*         *       *

ومع ذلك نقول أنه لابد أن يكون حال المسلم بعد رمضان ليس كحاله قبل رمضان، يقول الله تعالى فى سورة البقرة:

((يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))

هذه الآية الكريمة تقول لك أن الهدف من صيامك هو أن تصل الى هذه الدرجة، أن تصل الى درجة التقوي

لذلك يقول العلماء اذا اردت ان تعرف ان كان صيامك قد قبل ام لا فأنظر الى نفسك اذا كنت قد بلغت درجة التقوى فقد قبل صيامك، واذا لم تكن قد بلغت درجة التقوى فليس لك من صيامك الا الجوع والعطش

اذا خرجت من شهر رمضان أفضل حالاَ مما كنت عليه قبل رمضان فهذه علامة لقبول صيامك، واذا كانت حالتك بعد رمضان مثل حالتك قبل رمضان و اذا لم يضف اليك رمضان شيئاً فهذه علامة على عدم القبول

ولذلك نقول لابد أن تأخذ من رمضان أشياء وتحتفظ بها ولا تتركها ابدا

*         *       *

الصلاة في المسجد

من ذلك مثلا الصلاة فى المسجد، فالمساجد فى رمضان ممتلئة  فى جميع الصلوات فى الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاذا مضى رمضان قل العدد الى النصف فصلاة الجماعة فى المسجد من الامور التى يجب أن نحتفظ بها من رمضان، فاذا لم تستطع أن تصلى الصوات الخمس فى المسجد فصل بعضا منها، وضِعْ لنفسك قاعدة التزم بها طوال حياتك، وهو أن تدخل المسجد مرة واحدة على الاقل في اليوم، فأنت بذلك تزور الحق سبحانه وتعالي فى بيته كل يوم وحقا على المزور أن يكرم زائره كما جاء فى الحديث القدسى

1.  ومن فضل صلاة الجماعة ما روى عن ابن عمر رضى الله عنه ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاة الجماعة افضل من صلاة الفرد -يعنى الواحد- بسبع وعشرين درجة" حديث متفق عليه

2.  ومن فضل المشى الى المسجد انك لا تخطو خطوة الى المسجد الا رفع لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة كما جاء فى حديث ابى هريرة المتفق عليه

3.  وقد روى ايضا أن ابن ام مكتوم وكان كفيفا قال يارسول الله ان المدينة كثيرة الهوام والسباع وسأله ان يرخص له الصلاة فى بيته فقال -صلى الله عليه وسلم- تسمع حى على الصلاة حى على الفلاح قال نعم  قال فأجب

4.  ايضا يقول ابن مسعود "من سره ان يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى لهن فان الله شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى وانهن من سنن الهدى ولو انكم صليتم فى بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف فى بيته لتركتم سنه نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام فى الصف"  رواه مسلم

5.  وعن عثمان ابن عفان قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صل الصبح فى جماعة فكأنما صلى الليل كله" رواه مسلم

6.   وعنه –صلى الله عليه وسلم- قال "من صلى الصبح فى جماعة فهو فى ذمه الله فى ذلك اليوم" ذمة الله يعني رعايته وحمايته وحفظه سائر يومه، تشعر بثقة عجيبة سائر يومك اذا أديت صلاة الصبح في جماعة

 

وقد كانت لنا خطبة خاصة عن صلاة الصبح، واحد يقول انا بعد ما أصلى الصبح ما بعرفش أنام، وهذا أقول له: يا اخى ما انت بصلاتك الصبح تغيظ الشيطان، فلن يتركك فى حالك ثم الحق سبحانه وتعالى جعل صلاة الصبح في هذا الوقت المحدد الضيق حتى يبتليك ويختبرك

كان من الممكن ان يكون وقت الصلاة حتى الظهر

*        *        *

 صلاة السُنَة

من الأمور التي نحاول الاحتفاظ في بعد رمضان هو المحافظة على سنن الصلاة: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "ما من عبد مسلم يصلى لله تعالى فى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا، الا بنى الله له بيتا فى الجنة"

*        *        *

قراءة القرآن

من ذلك ايضا قراءة القرآن، فنحن نحرص على قراءة القرأن فى رمضان ونحرص على ختمه مرة أو مرتين أو ثلاث أو أكثر، وتجد المصاحف –في مشهد طيب- فى أيدى الشباب فى المساجد والطرقات والمواصلات، فاذا مضى رمضان علت الأتربة المصاحف فى البيوت، واتخذ المسلمون هذا القرآن مهجوراً

ان المواظبة على قراءة القرآن من الأمور التى يجب ان نحتفظ بها بعد رمضان، يجب على كل منا ان يكون له ورد ثابت من قراءة القرآن الكريم، لا يتركه ابدا فيقرأ فى كل يوم جزءً او نصف جزء او حتى صفحة واحدة صفحة من القرآن الكريم

دعونا نتفق ان تقرأ فى كل يوم من القرأن مقدار ما تقرأ فى الصحيفة، يعنى نفس الوقت اللى تقرأ فيه الجريدة اقرأ مقداره من القرآن، دعونا نتفق الا يمر يوم دون ان تنظر فى كتاب الله

1.    يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "أقرأؤا القرأن فانه يأتى شفيعا لأصحابه يوم القيامة" رواه مسلم

تخيل نفسك يوم القيامة وانت على الصراط، أو أنت توزن أعمالك، أو حين تتطاير الصحف فيأتى اليك القرأن وانت فى تلك المواقف الصعبة فيشفع لك ويدخلك الجنة

2.  وعنه –صلى الله عليه وسلم- قال "مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذى لايقرأ القرأن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي لايقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها حلو وطعمها مر، ومثل المنافق الذى لا يقرأ القرأن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر" متفق عليه

فاحرص يا اخى على قراءة القرآن حتى تكون كالأُتْرُجَة ريحها حلو وطعمها طيب

3.  عنه ايضا –صلى الله عليه وسلم- انه قال "من قرأ حرفا من كتاب الله فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها"

وقد قلنا من قبل "بسم الله الرحمن الرحيم" تسعة عشر حرف، فاذا قلت فقط "بسم الله الرحمن الرحيم" حتأخذ 190 حسنة، لو قرأت جزء من القرآن حتأخذ ثلاث اربع مليون حسنه، لو قرأت صفحة واحدة حتأخذ  5400 حسنة لأن الصفحة فيها حوالى 540 حرف

طيب انت تفتكر حترتكب 5400 معصية فى اليوم مش ممكن ده انت حتى لو ارتكبت معصية كل دقيقة، والحسنات يذهبن السيئات، يعنى انت لو حرصت على قراءة صفحة واحدة فقط كل يوم حتيجى يوم القيامة صحيفتك بيضاء تماما وتكون كفة حسناتك اثقل من سيئاتك ويشفع لك القرأن وتدخل الجنة ان شاء الله

*        *        *

صلاة الليل

من الأمور التي يجب أن نحتفظ بها من رمضان هي صلاة الليل ففى رمضان كانت هناك صلاة التراويح فلماذا لا نواظب على صلاة الليل طوال العام يقول تعالى ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع))

ويقول ((كانوا قليلا من الليل ما يهجعون))

ويقول ((ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا))

وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "افضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"

وكان –صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتورم قدماه

ومر –صلى الله عليه وسلم- على على بن ابى طالب وفاطمة ليلا وقال لهما "الا تصليان"

فيجب ان نحرص على صلاة الليل فهي تنير القلب والوجه فتقوم قبل صلاة الفجر بنصف ساعة مثلا تصلى ركعتين او تصلى قبل نومك ماتشاء

*        *        *

الصيام

من ذلك ايضا الصيام روى عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله الا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" سبعين خريفا يعنى سبعين عاما  متفق عليه 

من ذلك مثلا صيام يومى الاثنين والخميس

فعن ابى هريرة وقال "تعرض الاعمال يوم الاثنين والخميس فأحب ان يعرض عملى وانا صائم"

فاذا لم تستطع صيام الاثنين والخميس فصم ثلاثة ايام من كل شهر وهى الايام البيض وهى ايام 13 و 14 و 15  وسميت بالبيض لان القمر فيها يكون مكتملا وكان –صلى الله عليه وسلم- يقول "صوم ثلاث ايام من كل شهر صوم الدهر كله" متفق عليه

وعن ابن عباس كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يفطر ايام البيض فى حضرولا سفر

*        *        *

 

 

الدعاء

من ذلك ايضا الدعاء، فكما كنا نكثر من الدعاء فى شهر رمضان، نكثر كذلك من الدعاء فى سائر شهور السنة، يقول تعالى (قل مايعبأ بكم ربى لولا دعائكم) ويقول (ادعوا ربكم تضرعا وخيفة انه  لا يحب المعتدين) ويقول (امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السؤ) ويقول (واذا سألك عبادى عنى فأنى قريب اجيب دعوة الداعِ اذا دعاني)

ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "الدعاء هو العبادة" ويقول "الدعاء مخ العبادة"وعن انس ان اكثر دعاء النبى كان "اللهم اتنا فى الدنيا حسنه وفى الاخرة حسنه وقنا عذاب النار"حديث متفق عليه

*        *        *

أعمال الخير

من ذلك ايضا أعمال الخير والبر فكما كنا نسعى فى اعمال الخير فى رمضان ونصل الارحام ونعود المرضى ونتبع الجنائز نحرص على ذلك طوال العام ان شاء الله

1-               يقول تعالى فى الحديث القدسى (طوبى لمن اجريت الخير على يديه وويل لمن اجريت الشر على يديه )

2-      ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"

3-               وعنه –صلى الله عليه وسلم-  قال"من كان فى حاجة اخيه كان الله فى حاجته"

4-               وعنه –صلى الله عليه وسلم- قال "من مشى فى حاجة اخيه كان خير له من اعتكاف عشر سنوات"

5-      وعنه –صلى الله عليه وسلم-  قال "الساعى على الارملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله او القائم الليل او الصائم النهار"

*        *        *

حسن مراقبة النفس

واخيرا من دروس الصيام التى يجب ان نلتزم بها بعد رمضان هو حسن مراقبة النفس فقد قلنا ان الصيام ثلاثة انواع صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوم وقلنا أن صوم العموم هو الامتناع عن الطعام والشراب، وقلنا أن صوم الخصوص فهو صوم الجوارح عن الآثام و صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عما سوى الحق سبحانه وتعالى 

فينبغى على المسلم ان يكون شهر رمضان بمثابة تدريب له عما يجب ان يكون عليه سائر العام، فالمسلم كما كان يراقب لسانه فى نهار رمضان يجب عليه ايضا ان يكون مراقباً له سائر العام فلا يرفث ولا يصخب ويبتعد عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش والمراء والجدال وغير ذلك من آفات اللسان، ويراقب اذنه فلا يستمع الى الغيبة لأن المستمع احد المغتابين، ويراقب بصره فيغضه عما حرم الله وهكذا فى سائر الجوارح ويشغل جوارحه بطاعة الله كما قال الامام على "اذا لم تشغل نفسك بالطاعة شغلتك بالمعصية"

 

الخطبة الثانية

من الامور التى نحرص عليها بعد رمضان هى صيام ستا من شوال عن ابى ايوب الانصارى ان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  قال "من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم واحمد والترمذى وغيرهم

وقد قال بعض العلماء فى شرح هذا الحديث ان الحسنة بعشر امثالها فالذى يصوم شهر رمضان كأنه صام عشرة اشهر ثم يصوم ستا اخرى بستين يوما فكأنه بذلك صام العام كله

وهذا التفسير العدوى لنا فيه نظر لانه فى الواقع لم يثبت اى فضل لصيام تلك الايام الست من شوال

يعنى لو كان هذا التفسير صحيحا لكان الحديث هو "من صام رمضان ثم اتبعه بأى ستة ايام اخرى من العام كان كصيام الدهر" ولكن تخصيص سته ايام من شوال يعنى ان لهذه الايام الست من شوال فضلها الخاص، ولعل هذا الفضل هو ان من يصوم رمضان ثم ستا من شوال يكتب له ثواب صيام الدهر كله وذلك فى كل عام والله أعلم

وهناك  مسائل فقهية بخصو صيام الست من شوال يكثر السؤال عنها فى كل عام

المسئلة الأولى  هو هل نصوم الست من شوال بعد يوم الفطر مباشرة ام يمكن بعد يوم الفطر بأيام وهل تصام متابعة ام متفرقة وهذا مر فيه وسع، يعني ممكن أن تصومها بعد يوم الفطر مباشرة، ويمكن بعد يوم الفطر بأيام، ويمكن أن تصومها متتابعة ويمكن أن تصومها متفرقة، وان كان الافضل هو ان تصومها متتابعة بعد يوم يوم الفطر مباشرة

المسئلة الثانية: هى هل صيام الست من شوال بعد القضاء ام قبل القضاء ؟ يعنى اذا كان عليك بعض ايام لم تصمها فى رمضان بسب مرض او سفر او حيض او نفاس فهل يجب ان تصوم هذه الايام اولا ثم تصوم ست من شوال ام يجوز ان تصوم الست من شوال ثم تقض ما عليك

والاجابة ان الامر فى ذلك أيضا وسع يمكنك هذا ويمكنك ذاك والافضل هو ان تقضى ما عليك اولا ثم تصوم الست من شوال

 المسئلة الثالثة: هل يمكن للمرأة مثلا أن تجمع بين نية صيام ستا من شوال مع نية القضاء، نقول هذا جائز فقط على مذهب الشافعية، أما بقية المذاهب فلا تجيز الجمع بين نيتين

المسئلة الرابعة: من كان له عذر فى شوال كمن يكون مريضا او امرأة نفساء ولم يستطيع ان يصوم  فى شوال فيمكن ان تقضيها فى ذى القعدة ويكون له اجر صيام ستا من شوال بفضل الله ومنته

اللهم تقبل اعمالنا فى رمضان وثبتنا على ما كنا عليه فى رمضان  

 

نسأل الله تعالى أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه