Untitled Document

عدد المشاهدات : 1457

خطبة: الإسراء والمعراج

((الإسراء والمعراج))

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 1432- 2011

المكان: مسجد "الوادي" بمبدنة نصر - "السيدة مريم- عليها السلام" بمنطقة الهجانة

مدة الخطبة: 35 دقيقة

أما بعد

 

تظلنا هذه الأيام ذكرى "الإسراء والمعراج" والاسراء والمعراج هي أعظم رحلة قام بها انسان في تاريخ البشرية

وقد وقعت رحلة الاسراء والمعراج، في السنة العاشرة من مبعث الرسول –صلى الله عليه وسم- عشر سنوات كاملة من الاضطهاد الشديد، والايذاء والمعاناة

في هذا العام تُوُفَِي "أبو طالب" عم النبي –صلى الله عليه وسم- وبعد شهر واحد فقط من وفاة "أبو طالب" توفيت السيدة خديجة، زوجة الرسول –صلى الله عليه وسم- في عام واحد يفقد الرسول –صلى الله عليه وسم- النصير القوي خارج المنزل، والحضن الدافيء داخل المنزل، وتشمت قريش، ويشتد الايذاء، ولا أحد يريد أن يؤمن من أهل مكة، فيخرج الرسول –صلى الله عليه وسم- الى الطائف

يخرج الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى الطائف، ومعه غلامه "زيد بن حارثة"مشيا على قدميه، مسافة 100 كم ، مثل المسافة من هنا لطنطا، لمذا خرج مشيًا على رجليه؟ حتى لا ينتبه أحد الى سفره الى خارج مكة، ويجلس الرسول –صلى الله عليه وسلم-  مع ثلاثة من زعماء الطائف، فيجيبونه اجابات سمجة، يقول له أحدهم: أما وجد الله غيرك ليرسله، ويقول الآخر: والله لو رايتك متعلقا بأستار الكعبة ما صدقتك، ويقول الثالث: اما أنك نبيا حقا فأنت أعظم من أن أكلمك، واما أنك تكذب فأنت أدني من أن أكلمك، فيقول الرسول: فان أبيتم فلا تخبروا قريش، مش عاوزين تآمنوا بلاش، بس بلاش تبلغوا قريشُا حتى لا تستقوي علىَّ، فقالوا: لا والله لنخبرن قريشاً قم يا فلان فأخبر قريشاً، فيقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- فإن ابيتم فدعوني أذهب، قالوا: لا والله حتى ترضخ بالحجارة، فيقوم الرسول –صلى الله عليه وسلم- يمشي ومعه "زيد بن حارثة" وتقف الطائف صفين يرمونه بالحجارة، وزيد يحميه بجسده، وتدمي قدمي الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالدم، ويجلس مع زيد يستريح الى جوار حديقة، ويرفع يديه ويقول "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس . . . أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي . . . إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري . إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي . . ! ! أعوذ بنور وجهك ألذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك"

ويعود الرسول –صلى الله عليه وسلم- مهمومًا همًا شديدًا، ويرفع راسه فاذا سحابة قد أظلته، ويناديه ملك الجبال:  يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (والأخشب هو الجبل الغليظ، والمقصود الجبلان المحيطان بمكة، جبل أبي قبيس، والجبل الذي يقابله) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا"

ويعود الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الطائف ولم يستطع أن يدخل مكة من شدة ايذاء قريش له، قريش ترفض وتمنع دخول الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى مكة، حتى دخلها أخيرًا في جوار "مطعم بن عدي" رجل كافر من قريش، ولكن كان شديد الشهامة

في هذه الظروف شديدة الصعوبة، بعد رحلة الطائف بأيام وقيل أسبوعين أو ثلاثة، في يوم 27 رجب من السنة العاشرة من الهجرة، وقعت رحلة الإسراء والمعراج، وكأن الحق –سبحانه وتعالى- يقول للرسول–صلى الله عليه وسلم- اذا كان هذا ما لقيته يا رسول الله من أهل الأرض، فانظر الى مكانتك عند أهل السماء

 

يقول تعالى في سورة الاسراء:  "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"

تبدأ الآية الكريمة بقوله تعالى "سُبْحَان" والتسبيح هو تنزيه الله تعالى عن النقص والعجز، فعندما يقول " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ" يعنى هذا الاسراء أمرًا معجزًا ومستعظما، ولو كان الأمر مناما كما يجادل البعض في هذا الأمر، لما كان معجزا وما كان مستعظما، ثم قال "بِعَبْدِهِ" والعبد هو مجموع الجسد والروح

والله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض، ورفع عبدين من عبيده من الأرض إلى السماء أنزل آدم وزوجه: "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا"

ورفع ادريس عليه السلام "ورفعناه مكانًا عليا"
ورفع عيسى عليه السلام:  "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ"
فكيف نستكثر على رسول الله أن يعرج به مولاه ؟

نحن نقرأ في كتاب الله أن الله وهب عبدا من عباده القدرة على نقل عرش ملكة سبأ من جنوب اليمن إلى أرض فلسطين في طرفة عين:
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ

فإذا كانت هذه قدرة عبد فكيف بخالقه، وإذا كانت هذه إمكانية موهوب فكيف بالواهب سبحانه ؟

إن من الحقائق العلمية أن القوة تتناسب تناسبا عكسيا مع الزمن، فكلما زادت القوة قل الزمن، فكيف إذا كانت القوة هنا هي قوة الحق سبحانه ؟ لذا تقول الروايات أن النبي أًسري به وعرج وعاد وفراشه لم يزل دافئا

 

 

وتبدأ رحلة الاسراء، والاسراء رحلة أرضية تمت بقدرة الله تعالى من مكة الى بيت المقدس، والمعراج: رحلة سماوية تمت بقدرة الله لرسول الله من بيت المقدس الى السماوات العلا، ثم الى سدرة المنتهى، ثم اللقاء بجبار السماوات والأرض

 

يأتي جبريل الى الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو نائم، ويقول له: قم يا محمد، ويأمره أن يطف بالكعبة سبعًا

 

ويركب الرسول –صلى الله عليه وسلم- "البراق" والبراق هو وسلة المواصلات التى استخدمها الرسول –صلى الله عليه وسلم- للإنتقلال من مكة الى بيت المقدس، ويصف لنا الرسول –صلى الله عليه وسلم-  البراق بأنه: دابة بيضاء جميلة فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى بصره، يعنى ايه يضع حافره عند منتهي بصره، يعنى مطرح ما بصره يجيب يكون حافره، يعنى بصره ابصر مسافة 30 كيلو مثلًا يكون حافره عند الـ 30 كيلو، اذن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يتحدث عن سرعة الضوء، حتى كلمة "براق" جاية من البرق أي الضوء، اذن الذي نفهمه من ذلك أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- انتقل من مكة الى بيت المقدس بسرعة مثل سرعة الضوء

والبراق هو دابة ركبها الأنبياء قبل الرسول –صلى الله عليه وسلم- وعندما ركبها الرسول –صلى الله عليه وسلم- نفرت، بقالها 500 سنة على الأقل لم يركبها أحد، فقال جبريل –عليه السلام- "مه يا براق، فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه"

 

 

 

وفي الطريق الى بيت المقدس تظهر امرأة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ويقول له جبريل: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-:"بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها، عليها من كل زينة تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها، ولم أقم عليها"
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لو أجبتها, لو أقمت عليها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة"

 

الرسول –صلى الله عليه وسلم- يصل الى بيت المقدس، فيربط البراق بحلقة، وهذا أخذ بالأسباب، لأن رحلة الاسراء والمعراج كلها رموز، لمذا ربط البراق ؟ التوكل على الله لا يعنى ألا تأخذ بالأسباب

 

ويجد الرسول –صلى الله عليه وسلم-  في انتظاره جميع الأنبياء والمرسلين، منذ آدم وحتى عيسى، كل الأنبياء نزلت لاستقبال الرسول –صلى الله عليه وسلم- 313 رسول، و124000 نبي، أعظم اجتماع في تاريخ البشرية

وتصطف الأنبياء للصلاة ركعتين، وتنتظر الأنبياء من سيصلى بهم امامًا، ويقول جبريل: تقدم يا محمد

ما معنى هذا  ؟ ما معنى أن يصلى جميع الأنبياء صلاة واحدة، ومامعنى أن يصلى بهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- امامًا، معنى أن يصلى جميع الأنبياء صلاة جماعة واحدة هو وحدة الأنبياء في دعوتهم، فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله، الأنبياء إخوة ودينهم واحد، وهو دين الاسلام

وما معنى أن يكون الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الإمام، مع أن الأولى أن يكون آدم مثلًا هو الإمام، المعنى هو أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله ولا رسالة "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ"
المعنى الثاني الهام جدًا هو تسليم راية قيادة البشرية الى الرسول –صلى الله عليه وسلم-  أنت مسئول عن الأرض يا محمد، والأمة الاسلامية هي المسئولة عن الأرض، طيب هل نحن الآن نحمل راية قيادة البشرية ؟ بالطبع لا، المسلمون 20% من مجموع سكان العالم، ولكن 20% عالة على غيرهم، بقالنا 200 سنة لا نقدم أي شيء للبشرية، الا في حالات فردية نادرة جدًا

وتبدأ رحلة المعراج، يصعد جبريل ومعه الرسول –صلى الله عليه وسلم- حتى يصل الى السماء الأولى، فيطرق باب السماء الأولى، فيقول الملك الموكل بباب السماء الأولى: من ؟ قال: جبريل، قال ومن معك: قال: محمد بن عبد الله، قال: أوأرسل اليه ؟ يعنى أرسل اليه ليصعد الى السماء، قال نعم

 

يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- فوجدت في السماء الأولى رجل ينظر عن يمينه يجد سواد عظيم، سواد يعنى بشر، الشعر لونه أسود، فعندما تنظر الى عدد كبير ترى سواد، ينظر عن يمينه يرى سواد عظيم فيضحك، وينظر عن يساره فيرى سواد عظيم فيبكي، قلت ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا ابوك آدم، ينظر الى أبنائه من أهل الجنة فيضحك، وينظر الى ابنائه من أهل النار فيبكي، طيب لماذا يضحك ولماذا يبكي ؟ لأنهم أبنائه، هناك من أبنائه من استفاد من تجربته ودخل الجنة، وهناك من أبنائه من لم يستفد من تجربته وأصبح من ابناء النار، لأن قصة آدم كانت كالمثال المحلول بالنسبة للبشرية، عارف في مسائل الرياضة، يقولك مثل محلول، طب لو قالك في الامتحان حتجيلك المسألة زي هذا المثال المحلول بالضبط، حتحفظ المسألة عن ظهر قلب، جميع مواجهات البشر مع ابليس، هي نفس مواجهة آدم مع ابليس، نفس المواجهة وان اختلفت المواقف واختلفت الأسماء

 

ويسلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- على آدم فيقول له آدم: مرحبًا بالإبن الصالح، والنبي الصالح، والأخ الصالح، وفي السماء الثانية: عيسى ويحي، ابنى الخالة، وفي الثالثة "يوسف" وفي الرابعة "ادريس" وفي الخامسة "هارون" وفي السادسة "موسى" وفي السابعة والأخيرة "ابراهيم" على نبينا وعليهم جميعًا الصلاة والسلام، ويرى الرسول –صلى الله عليه وسلم- ابراهيم مسندًا ظهره الى البيت المعمور، وقلنا من قبل البيت المعمور هو بيت بحذاء الكعبة في السماء السابعة يتعبد اليه أهل السماء السابعة، البيت المعمور فوق الكعبة بالضبط، وفوقه عرش الله تعالى، وابراهيم مسندًا ظهره الى البيت يستريح لأنه تعب كثيرًا في الدنيا، تريد أن تستريح في الآخرة لابد أن تتعب في الدنيا، ولذلك سال "احمد بن حنبل رحمه الله: متى يجد العبد طعم الراحة ؟ قال: مع أول قدم يضعها في الجنة، أما قبل ذلك فلا راحة

ابراهيم –عليه السلام- بعد أن يسلم على الرسول –صلى الله عليه وسلم- يبعث الينا برساله، يقول ابراهيم: أقرأ أمتك منى السلام، وقل لهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها "سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر"