Untitled Document

عدد المشاهدات : 2717

خطبة: النصف من شعبان- يَوْمُ التَسَامُح

((يَوْمُ التَسَامُح))

الخطيب: الشيخ/ وائل فوزي

تاريخ الخطبة: 1432- 2011

المكان: مسجد "الحينى" قرية الحينى – مركز سمالوط- المنيا

مدة الخطبة: 35 دقيقة

أما بعد

-         روى ابن حبان في صحيحه عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن))

-         حديثنا اليوم –ان شاء الله تعالى- عن هذا الحديث شديد الأهمية، حديثنا اليوم عن هذه الفرصة السانحة العظيمة جدًا، وهي أن يغفر لك جميع ذنوبك

-         الحق –سبحانه وتعالى- سيطلع على جميع خلقه في ليلة النصف من شعبان، و يغفر لجميع خلقه الا صنفين فقط: المشرك والمشاحن، والمشاحن هو الذي بينه وبين أخيه عداوة

فضل العفو في القرآن الكريم

-         اذا تحدثنا عن فضل العفو في القرآن الكريم، يقول تعالى ((وَالصُّلْحُ خَيْرٌ))

-         ويقول تعالي ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))  

-         وقال تعالى ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ))

-         ويقول جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ((لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ))

 

فضل العفو في السنة

-         ومن فضل العفو في السنة الشريفة: روى الألباني عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة من مكارم الأخلاق عند الله تعالى، أن تعفو عن من ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك"

-    أيضًا روى مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما تواضع عبد إلا رفعه الله"

-    يقول عقبة بن عامر: لقيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيدي وقال: "يا عقبة ألا أخبرك بافضل أخلاق الدنيا والآخرة: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك"

-    وروى البخاري ومسلم وغيرهما عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال  "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يلتقيان : فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"

يقول العلماء، أن الأصل هو عدم الهجران أبدًا، ولكن الله تعالى عفا عن هذه الأيام الثلاثة، لأن الإنسان مجبول على الغضب

من فضل العفو، أنك بعفوك عن أخيك يعفو الله تعالى عندك

-    ومن فضل العفو، أنك بعفوك عن أخيك يعفو الله تعالى عندك ويغفر لك، لأن الجزاء من جنس العمل، يقول تعالى ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم- "ارحَمُوا تُرْحَموا واغفِروا يُغْفَر لكم" ويقول ابن القيم (يا ابن آدم، إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وإن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل، تعفو هنا يعفو هناك، تنتقم هنا ينتقم هناك، تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك)

 

أقوال العلماء

-    قال أحد العلماء أن الله تعالى يفتح للمتصالحين سبعين بابًا من الرحمة، يحصل المُبَادِر منهما بالصلح على تسعة وستون بابًا من الرحمة، فان قَبِل الآخر المُبَادَرة فله رحمة واحدة، وإن لم يقبل فسيحصل المُبَادِر على السبعين رحمة كاملة

*        *        *

قصص عن العفو والتسامح

-         تذكر في الخطبة السابقة عندما تحدثنا عن الاسراء والمعراج، عندما ذهب الرسول –صلى الله عليه وسلم- الى الطائف يعرض عليهم الاسلام، ولكنها ردته ردًا سيئُا وأغرت به السفهاء، وضربوه بالحجارة حتى أدميت قدماه، ثم يناديه ملك الجبال:  يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا"

-         التسامح سمة الأقوياء الواثقين، الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة، تجتمع قريش بين يديه، ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم" تذكر الآن يا رسول الله ثماينة عشر عامًا متصلة من الايذاء الشديد والمعاناة والاضطهاد، تذكر أصحابك الذين قتلوا من شدة التعذيب، تذكر عمار وسمية، تذكر الذين شوهوا من التعذيب، من فقدوا أبصارهم من التعذيب، تذكر أن قريش هي التى قتلت خديجة، لأنها لم تحتمل سنوات الحصار الثلاثة في شعب ابي طالب، تذكر قريش هي التى قتلت ابنتك زينب، حين ارادت الهجرة وطاردوها وروعوها برماحهم حتى سقطت من بعيرها على صخرة، وكانت حامل فسقط الجنين، ثم ظلت ملازمة الفراش فترة طويلة حتى ماتت، تذكر كيف قتلت قريش "حمزة" عمك وأخيك من الرضاعة، وكيف مثلوا بجثته، تذكر كل هذا يا رسول الله "يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم" قالوا: خيرًا، ابن اخِ وابن عمِ كريم رحيم ! يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- : لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء

يقول الرواي: فخرجوا فكأنهم نشروا من القبور، فدخلوا في الاسلام

-         وتمضى "هند بنت عتبة" التى حرضت على قتل "حمزة" ومثلت بجثته، وتدخل على الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهي منتقبة تخفي وجهها، ومعها عشرة نسوة وقالت له: أسالك أن تمسنى رحمك (أى تحسن معاملتى لما بينى و بينك من قرابة و رحم( ثم كشفت وجهها وقالت: هند بنت عتبه يا رسول الله ، ويبتسم لها الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويقول لها: مرحبًا بك

-         انظر الى "نوح" عليه السلام، كان قومه يبطشون به، ويضربونه حتى يغشى عليه، فاذا أفاق قال "اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ"

-         عيسى –عليه السلام- مر بقوم من اليهود فقالوا له شرًا، فقال لهم خيرًا، فقالوا له: انهم يقولون شرًا وأنت تقول خيرًا ؟ فقال: كل ينفق ما عنده

-         موسى –عليه السلام- يقول: يا رب أي عبادك أعز عليك ؟ قال: الذي اذا قدر عفا

-         انظر الى يوسف –عليه السلام- بعد كل ما فعله معه اخوته، أولًا كانوا يسيئون معاملته، تخيل 11 أخ أكبر منك يعاملونك أسوأ معاملة، كانوا يبغضونه لدرجة الرغبة في قتله، أحنهم عليه قال ألقوه في البئر، ويلقونه بالفعل في بئر في الصحراء، ثم يباع عبدًا، ويظل عبدًا احدى عشر عامًا، ثم يدخل السجن تسع سنوات، ثم بعد كل هذا يقول لإخوته في تسامح مذهل ((لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) لَا تَثْرِيبَ أي لَا تَأْنِيبَ عَلَيْكُمْ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، هو الذي يدعو لهم بالمغفرة

ثم يقول ((وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)) قال: إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ، ولم يقل: أَخْرَجَنِي مِنَ البئر، مجابش سيرة الموضوع ده، حتى لا يذكرهم بذنبهم، ثم قال: نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي، يعنى عزى جميع ما حدث إلى الشيطان، ولم يقل أن الشيطان قد سول لإخوته، بل قال نَّزغَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي، وبدأ بنفسه قبل اخوته، مع أن الشيطان لم يكن عليه اي سبيل في هذه القصة، ثم تعبير (نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) وكأنهم جسد واحد فصله الشيطان، منتهى الأدب والحلم وحسن الخلق من نبي الله يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام