Untitled Document

عدد المشاهدات : 4107

الفصل الخامس: بئر زمزم- الجزء الأول :قصة بئر زمزم

أسْرَار السَيرَةِ الشَرِيفَة- منهج حياة

الفصل الخامس

أحداث قبل بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-

بئر زمزم- الجزء الأول

((قصة بئر زمزم))

تبدأ قصة "بئر زمزم" عندما أمر الله تعالى ابراهيم –على نبينا وعليه الصلاة والسلام- بأن يأخذ زوجته السيدة هاجر المصرية وابنها الرضيع اسماعيل الى موضع الكعبة الشريفة، ولم تكن الكعبة موجودة في ذلك الوقت، بل كانت قواعد الكعبة التى بناها آدم -عليه السلام- هي الموجودة، ولكنها كانت مطمورة تحت الرمال والصخور

ترك ابراهيم -عليه السلام- زوجته هاجر وابنه اساعيل الرضيع بوادي في موضع الكعبة، والوادي هو المكان الذي يكون بين الجبال والتلال، وليس في هذا الوادي أي انسان، وترك عندها جرابًا من تمر، وسقاء فيه ماء، يعنى اناء من جلد فيه ماء، وتركها هي واسماعيل

فتبعته السيدة هاجر وهي تقول: يا ابراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه انس ولا شيء، فلم يرد عليها ابراهيم، فلما قالت ذلك مرارًا وابراهيم لا يرد عليها، سألته: آ الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم، قالت: إذن لا يضيعنا ثم رجعت

وانطلق إبراهيم حتى دخل في طريق بين جبلين حيث لا يرونه، ورفع يديه ودعا الله تعالى وقال ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ))

 

 

 صورة مرسومة تخيلية لمكة قديمًا

 

صورة حقيقية لمكة قديمًا

 انفجار بئر زمزم تحت قدمي اسماعيل

أخذت السيدة هاجر تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع اسماعيل، حتى نفذ ما معها من ماء، وقل لبنها، وعطشت وعطش ابنها، فتركت ابنها وصعدت الى أقرب جبل لها وهو جبل الصفا، وأخذت تنظر فلما لم ترَ أحدًا نزلت واتجهت الى الجبل المقابل وهو جبل المروة، وأخذت تنظر فلما لم ترَ أحدًا عادت الى جبل الصفا، وفعلت ذلك سبع مرات، وكانت كلما مرت باسماعيل تسمع بكائه فتركض حتى لا تسمع بكائه

 

 جزء من جبل الصفا

ولذلك من مناسك الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة سبع مرات، ونركض في نفس الموضع الذي كانت تركض فيه أم اسماعيل، والمعلم الآن باضاءة خضراء على جانبي المسعي

 المسعى بين الصفا والمروة قديمًا

وبينما هي في سعيها، جاء جبريل، وضرب الأرض بجناحه، تحت قدمي اسماعيل، فانشقت الإرض عن بئر زمزم، فشربت وشرب ابنها وأرضعته، ثم أخذت تجمع الرمال حول البئر وتحوط عليه حتى لا يضيع في الصحراء، وهي تقول: زم زم، يعنى لا تذهب بعيدًا، وفي اللغة: زم الشيء يعنى شده، ومنها كلمة زمام الفرس

يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا" يعنى أن السيدة هاجر كانت في درجة عالية جدًا من التوكل على الله حين تركها زوجها ابراهيم في هذا المكان، فقالت بمنتهي الثقة في قيومية الله تعالى: آ الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم، قالت: إذن لا يضيعنا

ولكن توكلها لم يكن كاملًا حين أخذت تحوط على البئر، ولذلك قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "لو تركت زمزم لكانت عينا معينا"

بئر زمزم 

 قدوم قبيلة "جُرهُم"

في هذا الوقت مر بالمكان ركبًا من قبيلة "جُرهُم" و جُرهُم هي قبيلة يمنية، وكان الركب في طريقه من الشام الى اليمن، فرأي الركب طيرًا يحوم في السماء، فعلموا أن هذا الطائر يحوم على ماء في الأرض، فتعجبوا وقالوا: لعهدنا بهذا الوادي ما فيه ماء، فأرسلوا رجلين يستطلعا الأمر، فوجدا: أم اسماعيل، واسماعيل، فرجعا الى الركب وأخبروهما، فذهب الركب كله الى السيدة هاجر، وقالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت نعم ولكن لاحق لكم في الماء قالوا نعم

 


 ومر بالمكان ركب من قبيلة "جرهم"

وهذا يثبت أنه بالرغم من أن العالم كله والجزيرة العربية تعيش في حالة انحطاط خلقي، الا أن العرب كانوا يتميزون ببعض الصفات الطيبة، فبالرغم من أنهم قبيلة كبيرة قوية، وهاجر سيدة ضعيفة وحيدة الا أنهم لم يغتصبوا منها المكان ولا البئر، بل استأذنوها أولًا، ثم نزلوا على أمرها حين قالت أن البئر ملك لها و لاحق لهم في الماء الا بعد اذنها

أرسل الركب الى أهليهم باليمن، ونزلت قبيلة "جرهم" كلها عند موضع الكعبة، وسعدت السيدة هاجر بذلك، لأنها كانت -كطبيعة المصريين- تحب الصحبة والأنس بالناس، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- في ذلك "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس"

تزوج اسماعيل من قبيلة جُرهُم ، وجاء ابراهيم بعد ذلك ورفع القواعد من البيت مع ابنه اسماعيل

"خزاعة" تستولى على مكة

ظلت قبيلة "جُرهُم" تتولى أمر البيت ثلاثمائة سنة كاملة، ثم أفسدت "جُرهُم" بعد ذلك كثيرًا، واستخفت بحرمة البيت، حتى يذكر أن رجلاً وامرأة يقال لهما اساف ونائلة وقعا في الفاحشة في داخل الكعبة، فمسخهما الله إلى حجرين، وقد عبدت قريش بعد ذلك هذين الحجرين وأصبحا آلهة !

وحدث في ذلك الوقت أن تهدم سد مأرب باليمن، فهاجرت قبيلة "خزاعة" من اليمن، وأخذت تتنقل من منطقة الى أخري بحثًا عن المياه، كما هو شأن جميع القبائل العربية في الجزيرة في ذلك الوقت، حتى وصلت الى مكة، فطمعت "خزاعة" في مكة، وفي بئر "زمزم" وحدث بين القبيلتين قتال عظيم، وانتهي القتال بهزيمة " جُرهُم" وانتصار خزاعة، وكان ذلك في القرن الخامس الميلادي، أي قبل بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- بحوالي مائة عام

خرجت أغلب "جُرهُم" من مكة، ولم يبق منهم بعد الهزيمة الا القليل، بينما سيطرت "خزاعة" على مكة، وولى أمرها "قصى بن كلاب" وهو الجد الرابع للنبي –صلى الله عليه وسلم- فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب

وهكذا ولى أمر مكة "قصى بن كلاب" وأنزل "قصى" قريش مكة

غير أن " جُرهُم" عندما شعرت بالهزيمة، قامت قبل انسحابها بردم بئر "زمزم" وأخفت أثره تمامًا، حتى لا تستفيد منه "خزاعة" لأن مكة عيشها على "زمزم" وظلت "خزاعة" بعد ذلك تجلب الماء من آبار من خارج مكة

وظلت "زمزم" مندثرة" مائة عام كاملة، حتى حفرها بعد ذلك "عبد المطلب" جد النبي –صلى الله عليه وسلم- وكان لحفر عبد المطلب لزمزم قصة أخري

وهذا سيكون حديثنا في الفصل القادم