Untitled Document

عدد المشاهدات : 1874

الفصل الثامن والستون بعد المائتين: مقدمة عن أخلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسْرَار السيرة الشَرِيفَة- منهج حياة
الجزء الرابع والعشرون:
من أخلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
********************************* 
الفصل الثامن والستون بعد المائتين
مقدمة عن أخلاق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
*********************************

*********************************
كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كثير الضراعة والابتهال، دائم السؤال من الله عز وجل أن يزينه بمحاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، فكان يقول في دعائه "اللهم كما أحسنت خلقي، فحسن خلقي" وكان يقول "اللهم جنبني منكرات الأخلاق" 
فاستجاب الله تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم- فأدبه وأحسن تأديبه، وأنزل عليه القرآن وأدبه به، فكان –صلى الله عليه وسلم-  خلقه القرآن
يقول سعد بن هشام: دخلت على عائشة –رضي الله عنها وعن أبيها- وسعد بن هشام هو ابن أخيها، فسألتها عن أخلاق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالت: أما تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى: قالت: كان خلق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القرآن
وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) وقوله ((والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)) وقوله ((ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور))  وقوله ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)) وقوله ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي)) وقوله ((واجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)) 
ولما كُسِّرَت رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه الشريف وهو يقول "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم" فأنزل الله تعالى عليه ((ليس لك من الأمر شيء)) تأديباً له –صلى الله عليه وسلم- على ذلك
وأمثال هذه التأديبات في القرآن كثيرة لا حصر لها، والرسول –صلى الله عليه وسلم- هو المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فإنه –صلى الله عليه وسلم- أُدَّبَ بالقرآن وأَدَّبَ الخلق به، ولذلك يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
 
ثم رغب الرسول –صلى الله عليه وسلم- في محاسن الأخلاق:
o فقال –صلى الله عليه وسلم- "إنَّ أحبكم إلىَّ وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"
o وقال –صلى الله عليه وسلم- "أول ما يوضع في الميزان: حسن الخلق والسخاء، ولما خلق الله الإيمان قال اللهم قوني، فقواه بحسن الخلق والسخاء، ولما خلق الله الكفر، قال اللهم قوني، فقواه بالبخل وسوء الخلق"
o وقال –صلى الله عليه وسلم- "أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، تقوى الله وحسن الخلق"
o وقال –صلى الله عليه وسلم- "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق"
o وجاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال له: أوصني، قال "اتق الله حيثما كنت" قال: زدني، قال"اتبع السيئة الحسنة تمحها" قال: زدني، قال:"خالق الناس بخلق حسن"
o وقيل: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل أيمانا ؟ قال: "أحسنهم أخلاقا" يعني كل الناس تصلى وتزكي وتصوم، فمن هو أفضلهم ؟ قال أحسنهم أخلاقا
o وذًكِرَ لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- امرأة فقالوا: أنها تصوم النهار وتقوم الليل، ولكنها سيئة الخلق، تؤذي جيرانها بلسانها، فقال –صلى الله عليه وسلم- "لا خير فيها هي في النار" 
o وقالت أم المؤمنين أم حبيبة –رضي الله عنها- لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرأيت المرأة يكون لها زوجان في الدنيا، فتموت ويموتان ويدخلون الجنة، لأيهما هي تكون ؟ قال –صلى الله عليه وسلم- "لأحسنهما خلقاً كان عندها في الدنيا، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة"
o يقول على بن أبي طالب –كرم الله وجهه- لما جيء بسبايا طىء وقفت جارية في السبي فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلى عني، ولا تشمت بي قومي، وإن أبي كان يحمى الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي، فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق، وإن الله يحب مكارم الأخلاق" 
فقام أبو بردة بن دينار فقال: يا رسول الله، الله يحب مكارم الأخلاق ؟ فقال –صلى الله عليه وسلم- "والذي نفسي بيده لا يُدْخِل الجنة إلا حسن الخلق"

========
حِلْمَهُ
كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحلم الناس
o قسم –صلى الله عليه وسلم- يوماً قسمة، فقال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله !! فاحمر وجه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- غضباً ثم قال –صلى الله عليه وسلم- "رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"
o وجاءه أعرابي يطلب منه شيئاً فأعطاه –صلى الله عليه وسلم- ثم قال له "أحسنت إليك" قال الأعرابي: لا ولا أجملت، فغضب لذلك المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله وزاده، ثم قال له "أحسنت أليك" قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً
o من حلمه –صلى الله عليه وسلم- أنه لما تكاثر عليه المشركون في أحد يريدون قتله، قال ”اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" فأنزل الله تعالى عليه قوله ((وإنك لعلى خلق عظيم))
o يقول "زيد بن سعنة" وهو من أحبار اليهود: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت ألطف له إلى أن أخالطه فأعرف حلمه من جهله، قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما من الحجرات ومعه "علي بن أبي طالب" فأتاه رجل بدوي على راحلته، فقال: يا رسول الله إن بقربي قرية بني فلان قد دخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت، فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليا فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء، قال "زيد بن سعنة" فدنوت إليه فقلت: يا محمد هل لك أن تشترى منى تمرا إلى أجل كذا وكذا، فقال لا ولكن إلى أجل كذا وكذا، ثم دفه به إلى الرجل، يقول "زيد بن سعنة" فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة رجل من الأنصار، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة، دنا من جدار ليجلس أتيته فأخذت بمجامع قميصه ورداءه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى، ثم أمسك سيفه وقال: يا رسول الله مرني فاضرب عنقه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال: يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته، قال زيد فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر ؟ قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أزيدك مكان ما رعتك، قال: يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها مالا- صدقة على أمة محمد، قال عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم، قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول- الله صلى الله عليه وسلم- فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وآمن به وصدقه وتابعه وشهد معه مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر رحمه الله تعالى ورضي عنه

========
شَجَاعَتَهُ
كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس
من شجاعته أن الصحابة الكرام كان الشجاع عندهم في المعركة هو أقربهم للرسول –صلى الله عليه وسلم- لأنه كان أقربهم للعدو
على بن أبي طالب كان يقول: كان إذا احمر البأس ولقي القوم القوم لذنا برسول الله
يقول عمران بن حصين:ما لقي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كتيبة إلا كان أول من يضرب
وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوصف في القتال بأنه شديد البطش
في يوم حنين عندما انكشف المسلمون، وقف الرسول –صلى الله عليه وسلم- أمام جيش الكفار وحده أمام عشرة آلاف مقاتل، ونزل عن بغلته وهو يقول "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" حتى تجمع المسلمون مرة أخرى، وكتب لهم النصر

========
سَخَائُه
كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وأكثرهم سخاءً، لا يمسك شيئاً
 أتاه رجلاً فسأله  فأعطاه غنما سدت بن الجبلين، فأخذ يسوقها وهو ينظر خلفه غير مصدق
جاءه رجلاً فسأله فقال "ما عندي شيء، ولكن ابتع علىَّ فإذا جاءنا شيء قضيناه" فقال عمر: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقال الرجل: انفق ولا تخشي من ذي العرض إقلالا، فتبسم النبي –صلى الله عليه وسلم- وعرف السرور في وجهه

========
تَبَسُمُه
كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تبسماً، وأطيبهم نفساً ما لم ينزل عليه قرآن أو يذكر الساعة، أو يخطب خطبة عظة
يقول عبد الله بن الحارث: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً منه"
جاءه أعرابي يوما وهو متغير ينكره أصحابه، فأراد أن يسأله شيئاً، فقالوا لا تفعل يا أعرابي فإننا ننكر لونه، فقال: دعوني فوالدي بعثه بالحق نبياً لا أدعه حتى يبتسم، فقال: يا رسول الله بلغنا أن الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعاً، فترى لي بابي أنت وأمي أن أكف عن ثريده تعففاً وتنزها حتى أهلك، أم أضرب في ثريده، حتى إذا تضلعت شبعاً آمنت بالله وكفرت به ؟ّ فضحك الرسول –صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال "بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين"

========
تَوَاضُعُه
وكان –صلى الله عليه وسلم- أشد الناس تواضعاً على علو شرفه
فكان يركب الحمار، ويجيب دعوة المملوك، ويخصف النعل بيده، ويرقع الثوب، ويعمل مع أهل بيته، ويمر على الصبيان فيسلم عليهم، وكان يجلس بين أصحابه مختلطاً بهم، حتى يأتي الغريب فلا يعرفه من بينهم حتى يسأل عنه، فطلبوا منه أن يكون له مجلساً يعرفه به الغريب فجعل لنفسه شيئاً من طين، ودخل عليه رجل فأرعد من شدة هيبته –صلى الله عليه وسلم- فقال له –صلى الله عليه وسلم- "هون عليك، لست بملك، إنما أن ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد"
وقالت له عائشة –رضي الله عنها- : كل متأكاَ يا رسول الله –جعلني الله فدائك- فإنه أهون عليك، فأصغى –صلى الله عليه وسلم- برأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض، وقال "بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد"

========
يقول على بن أبي طالب عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- 
(كان أجود الناس كفاً، وأوسع الناس صدراً، واصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، 
من رآه بداهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه)
========
نتحدث في فصول قادمة، في هذا الجزء الأخير من "موسوعة السيرة الشريفة" عن بعض أخلاق النبى الأعظم –صلى الله عليه وسلم-

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول اضغط هنا

*********************************