Untitled Document

عدد المشاهدات : 1870

الحلقة (56) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (62) من سورة البقرة ❇ (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السادسة والخمسون
تدبر الآية (62)  من سورة البقرة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

يبدأ الله تعالى الآية الكريمة بحرف)إِنَّ) و)إِنَّ) من أحْرُفُ أو أدوات التَّوْكيد
وعندما يبدأ الحق –سبحانه وتعالى- الآية بالتوكيد فاعلم أنه أمر يختلف عليه الناس، ويحتاج الى تأكيد
وسنذكر لاحقًا ما هو هذا الأمر الذي احتاج الى توكيد الله تعالى
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا) هم المسلمون، وسموا بذلك لأننا نؤمن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونؤمن بالقرآن العظيم، ونؤمن بجميع رسل الله تعالى، ونؤمن بجميع الكتب السماوية 

 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

 (وَالَّذِينَ هَادُوا) هم اليهود، وسموا اليهود لسببين:
- اما نسبة الى "يهوذا" أكبر أبناء يعقوب (قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ) وقلبت العرب الذال الى دال
- أو لقولهم (إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ) أي تبنا اليك، وذلك لتوبتهم عن عبادة العجل 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (وَالنَّصَارَى) هم المسيحيين، وهي جمع (نصران) وألحقت بها ياء النسب أو ياء المبالغة، فكانت تقول العرب (نصراني) 

وسموا بهذا الإسم لأن عيسيى -عليه السلام- كان ينزل قرية اسمها "ناصرة" وهي موجودة الى الآن في فلسطين شمال القدس
وقيل لقول عيسى –عليه السلام- (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ) فسموا أنصارًا لنصرتهم عيسي –عليه السلام-
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (وَالصَّابِئِينَ) وهذه هي قراءة جمهور القراء، وقرأها نافع (وَالصَّابِيينَ) بغير همزة، واختلفوا في تفسيره علي ثمانية أقاويل 

والقول الحق في (الصَّابِيينَ) أن صبأ في اللغة هو الذي خرج من شيء إلى شيء، فكانت العرب تقول صبأت النجوم اذا طلعت، وصبأ ناب الغلام اذا خرج، وصبأ فلان أي خرج من دينه
ولذلك كانت قريش تقول لمن يؤمن من أهل مكة بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد صبأ، يعنى خرج من دينه الى دين جديد
فالصَّابِئِينَ هم الذين قالوا ان قومنا ليسوا على شيء وتركوا الشرك وعبادة الأوثان، وعبدوا الله وحده، واتبعوا أي رسول من الرسل، قبل بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
فهناك من كان منهم على دين "آدم" وهناك من كان على دين "ادريس" وهناك من كان على دين "نوح" وهناك من كان على دين "يحي" وهناك من كان على دين "ابراهيم"
وهؤلاء كانوا يؤمنون بالله، ويؤمنون باليوم الآخر، ويؤمنون برسول، وكانت بين أيديهم بقايا من صحف وتعليمات هؤلاء الرسل فكانوا يتبعونها
وحفظ لنا التاريخ أسماء لهؤلاء مثل "زيد بن عمرو بن نفيل"  الذي قال عنه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "يبعث يوم القيامة أمة وحده"و"قس بن ساعدة" وغيرهما
 
ملاحظة: (وَالصَّابِيينَ) مختلف عن الدين الموجود الآن في العراق واسمهم الصابئة، وينسبهم البعض للمسلمين، ولكنهم غير مسلمين، وعددهم 70 ألف نسمة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 فمعنى الآية أن الذين آمنوا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذلك اليهود والنصاري وَالصَّابِيينَ الذين كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولم يدركوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي ماتوا قبل بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 

فهؤلاء (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي لن يضيع الله تعالى أعمالهم الصالحة في الدنيا وسيجزيهم عنها يوم القيامة
وهؤلاء الذين أدركوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليهود والنصاري وَالصَّابِيينَ، فأسلموا  وآمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي لن يضيع الله تعالى أعمالهم الصالحة التى كانت قبل الإيمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ويدخل في هؤلاء الملايين أو ربما المليارت في العالم الآن الذين لم تصلهم دعوة الإسلام، أو لم يعرض عليهم الإسلام  عرضا صحيحًا كما يجب أن يعرض، أو وقعوا رغمًا عنهم تحت تأثير الحملات التى لا تتوقف لتشويه الإسلام

فهؤلاء يدخلون بفضل الله تعالى وبرحمته وبحكمته وبعدله في هذه الآية، فمن كان منهم يهوديا أو نصرانيًا أو بقايا ديانة سماوية أخري ويؤمن بالله واليوم الآخر (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هذه الأية لها قصة أو لها سبب نزول، والقاعدة التى نحن عليها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكننا نهتم بسبب نزول الآية لأن ذلك يساعد على فهم المراد من هذه الآية

قصة نزول الآية:
أن "سلمان الفارسي" كان من بلاد فارس، وكان من أشرافهم، وكان صديقًا لإبن الملك، وكانا يخرجان للصيد معًا، فبينما هما في الصيد اذ أبصرا خيمة من بعيد، فتوجها اليها، فاذا بها رجل يقرأ من أوراق بين يديه ويبكي، فقالا له: ما هذا ؟ فقال لهما الرجل: ان كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما، فنزلا فقال لهما: 
- هذا كتاب من عند الله اسمه الإنجيل، أنزله الله على نبيه عيسى بن مريم، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته، وفيه أن لا تزني, ولا تسرق, ولا تأخذ أموال الناس بالباطل.
ولم يزل بهما حتى آمنا معه وتنصرا، وظلا يترددان عليه يتعلمان منه
وكان مما تعلماه منه أن ذبيحة قومهما عليهما حرام، فكان ابن الملك لا يأكل من طعام القصر، فعلم الملك بذلك ودعا ابنه وقال له: من أمرك بهذا ؟ فقص عليه قصة الراهب، فأمر الملك بخروج الرجل من أرض فارس، فجعل سلمان وابن الملك يبكيان، فقال لهما الرجل: 
- اني ذاهب الى دير في الموصل (وأصل كلمة الدير في اللغة هو المزرعة، لأن النساك والرهبان يزرعون الأرض ويتفرغون للعبادة) (والموصل ثاني أكبر مدينة في شمال العراق) فان كنتما صادقين فاني هناك مع ستين رجلًا نعبد الله فيها فأتونا فيها
فخرج الرجل، وجعل سلمان يقول لإبن الملك انطلق بنا، وابن الملك يقول نعم، فلما أبطأ عليه خرج سلمان وحده حتى أتاهم، وأقام سلمان في الدير، فكان يتعبد معهم ويجتهد في العبادة حتى قال له كبير الرهبان يومًا
- انك غلام صغير، وأنت تتكلف من العبادة مالا تطيق، واني أخاف أن تفتر، فارفق بنفسك
فكان سلمان يقول له: خل عنى
ثم خرج كبير الرهبان الى بيت المقدس، وخرج معه سلمان، وفي الطريق مرا على مقعد فنادي: يا سيد الرهبان ارحمنى يرحمك الله، فلم يلتفت اليه الراهب، فلما وصلا، قال له كبير الرهبان: اخرج فاطلب العلم، فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض، فخرج سلمان يسمع منهم, وكان مما سمعه أنه قد بقي نبي ليس بنبي أفضل منه ، فعاد سلمان الى كبير الرهبان وقص عليه، فقال له:
- نعم وهذا زمانه الذي يخرج فيه، ولا أراني أدركه، وأما انت فشاب فلعلك تدركه
فقال له سلمان: فأخبرني عن علامته بشيء
فقال له: نعم مختوم في ظهره بخاتم النبوة، وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة
ثم عادا فلما بلغا مكان المقعد نادي: يا سيد الرهبان ارحمنى يرحمك الله، فعطف عليه بحماره، ثم أخذ بيده ودعي له، فقام الرجل صحيحًا يشتد، ثم مضى الراهب، ووقف سلمان ينظر الى الرجل ويتعجب، حتى غاب الراهب، وخرج سلمان يبحث عن الراهب، حتى مر به رجلان من العرب من كلب، فقال لهما سلمان: هل رأيتما الراهب ؟ فقالا نعم: وحملا سلمان وأسراه وانطلقا به الى المدينة (يثرب في ذلك الوقت) واشترته امرأة من هناك، يقول سلمان: فأصابنى من الحزن شيء لم يصبنى مثله قط، وكان يرعي الغنم لهذه المرأة هو وغلام آخر، حتى هاجر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة الى المدينة، فقال له صاحبه: قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي؟ فانطلق سلمان حتى وصل الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخذ يدور حوله، فعرف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يريد فكشف عن ظهره حتى رأي سلمان خاتم النبوة، ثم انطلق فجاء بطعام ووضعه أمام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ما هذا ؟ فقال سلمان صدقة، فلم يأكل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأكل أصحابه، ثم جاء بطعام آخر، وقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذا ؟ فقال سلمان: هدية فأكل منها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فأسلم سلمان، وقص على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  قصته، وفرح به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبينما هو يُحَدِّثُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ أَصْحَابَهُ، وقال له: يا رسول الله كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وأخذ يثنى عليهم، فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فقال سلمان: يا رسول الله أنهم كانوا يُؤْمِنُونَ بِكَ، وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ نَبِيًّا، فقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، يقول سلمان "فأظلمت عليّ الأرض" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ الْيَوْمِ الآخِرِ﴾  .
فدعا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سلمان وقال له "نـزلت هذه الآية في أصحابك".
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 هكذا ساعدنا معرفة سبب نزول الآية في تفسير الآية أو فهم مراد الله تعالى من هذه الآية

اذن سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا أو اتبع أي نبي من الأنبياء، وكان مؤمنًا بالله وحده وباليوم الآخر، وطالما أنه لم يدرك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أي سيجازيه الله تعالى على أعمالة الصالحة يوم القيامة، وسيكون من أهل الجنة
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 أما اذا كان يهوديا أو نصرانيا وأدرك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينبغي عليه اتباعه، ولن يقبل منه أي عمل الا اذا اتبع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

روى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار.
ولذلك بدأت الآية الكريمة بحرف)إِنَّ) وقلنا أن )إِنَّ) من أحْرُفُ أو أدوات التَّوْكيد
وعندما يبدأ الحق –سبحانه وتعالى- الآية بالتوكيد فاعلم أنه أمر يختلف عليه الناس، ويحتاج الى تأكيد
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

 (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) قلنا من قبل أن الخوف يكون على شيء مستقبل، والحزن على شيء سابق، فلا هم يخافون فيما يستقبلونه من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على الدنيا التى تركوها لأنهم اعتنموا الدنيا وعملوا فيها صالحًا
بخلاف الكافر والعاصى، فهو خائف فيما يستقبله من أهوال يوم القيامة والعذاب، وحزين بسبب عدم ايمانه في الدنيا
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

وهذه الآية ذكرت في وسط الحديث الى بنى اسرائيل
فقبلها (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ....) وبعدها (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ.....)
لأن بنى اسرائيل يعتقدون أنهم شعب مميز عن جميع شعوب العالم منذ خلق آدم وحتى قيام الساعة، ومن عقيدتهم أن الله تعالى قد حل فيهم، ولذلك فهم يرون أنهم "الشعب المقدس" وأنهم "الشعب الكنز" وأنهم "شعب الله المختار"
في سفر التثنية –وهو أحد أسفار التوراة- "لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". 
في سفر اللاويين –وهو أيضا أحد أسفار التوراة-: "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب، وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب، وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي"
وقد جاء في التلمود وهو الكتاب المقدس الثاني بعد التوراة ما يلي: "كل اليهود مقدَّسون.. كل اليهود أمراء.. لم تُخلَق الدنيا إلا لجماعة يسرائيل.. لا يُدْعى أحد أبناء الإله إلا جماعة يسرائيل.. لا يحب الإله أحداً إلا جماعة يسرائيل".
ليس هذا فحسب فاليهود يعتقدون أنهم فقط البشر، وبقية البشر هم حيوانات في الحقيقة جعلهم الله تعالى في صورة بشرية حتى يصلحوا لخدمتهم
وفي التلمود "فجميعهم كَفَرة وثنيون لا يقبل الله منهم عبادة ولا عملاً. وهم أنجاس بأصل الخِلْقة، لأنهم ليسوا من جوهر الله، بل خُلقوا من طينة شيطانية، ثم هم حيوانات في صورة إنسان، ولم يُعْطَوا هذه الصورة إلاَّ إكراماً لليهود، حتى يحصل الأُنسُ للسيد اليهودي بصورة خادمه، الذي لم يخلق أصلاً إلا لهذه المهمة".  
سأل إسرائيلُ ربَّه قائلاً-ونحن ننزهه عليه السلام عما ينسب اليه-: لماذا خلقتَ خَلْقاً سوى شعبك المختار؟ فأجابه لتركبوا ظهورهم، وتمتصّوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوّثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم.
جاء في التلمود: تمتاز أرواح اليهود، بأنها جزء من الله، وأما نطفة غير اليهودي فمثل نطفة الحيوان.. النار مأوى الكفار، نصيبهم فيها البكاء والألم، وسيخلد فيها المسلمون أبداً، لأنهم لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم، وسيخلد فيها المسيحيون، لأنهم لا يختَتِنون... واليهود هم الصَّفوة الممتازة من البشر، وأما بقية البشر فكلاب، بل إن الكلاب أفضل منهم.. ويجب أن لا تأخذ اليهودَ بهم شفقة، أو يُحيُّوهم بتحيةٍ ما لم يخشَوا ضررهم، والتحية هنا نفاق، والنفاق مُباح مع الكفار الخارجين عن دين اليهود.. ولليهودي مُلَك الدنيا جميعاً، وعلى اليهودي ألاّ يسرق من يهوديّ، أما غير اليهودي فماله وعِرضه مُباحان له.. ومن المحرَّم على اليهودي أن يُنقذَ غير اليهوديّ من هلاك أو يُخرجه من حُفرة سقط فيها
ولذلك فهم  كانوا يقولون (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ) ويقولون (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) 
وهكذا فاليهود حالة نفسية مشوهة، وهي حالة الإستعلاء على الخلق والتجبر عليهم والإنطواء على الذات والشعور الكاذب بالتميز
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

فجاءت هذه الآية في وسط الحديث الى بنى اسرائيل لتكون رسالة واضحة لبنى اسرائيل أنهم ليس لهم ميزة عن غيرهم من الأمم
فأنتم يا بنى اسرائيل مثلكم مثل النصاري ومثل أتباع أي رسول منذ آدم حتى بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من آمن بالله وعمل صالحًا فله أجره عند ربه، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
ومن أدرك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينبغي عليه اتباعه، ولم يقبل عمله الا بالإيمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
روي أحمد وغيره من حديث جابر أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي"
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

وهي أيضًا رسالة واضحة الى كل البشر ان الله تعالى لا يحابي طائفة على حساب طائفة وأن دخول الجنة ليس بِالْجِنْسِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ
ولذلك عندما الْتَقَى نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ الْيَهُودُ لِلْمُسْلِمِينَ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، دِينُنَا قَبْلَ دِينِكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا، وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا بَعْدُ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ نَبِيِّكُمْ، وَدِينُنَا بَعْدُ دِينِكُمْ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتْبَعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْرَكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في سورة النساء 
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
فالله تعالى يقول لك لا تغتر بانتسابك إِلَى الدِّينِ - أَيًّا كَانَ هذا الدين-  لأن هَذَا الْغُرُورَ بالانتساب الى الدين وَجَعْلِهِ جِنْسِيَّةً فَقَطْ سيصرفك عَنِ الْعَمَلِ بِهِ اكْتِفَاءً بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ.