Untitled Document

عدد المشاهدات : 1670

الحلقة (72) تدبر الآيتين (97) و(98) من سورة البقرة: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِه

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثانية والسبعون
تدبر الآيتين (97) و(98) من سورة البقرة
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) 
1
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الآيات تتناول صورة من صور تعنت اليهود وعنادهم، وان شئت فقل صورة من صور حماقة اليهود وغبائهم، ذلك أن نفرًا من اليهود جاءوا الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا له: من الذي يأتيك من الملائكة، فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل، فقالوا: هذا عدونا، ولو كان الذي يأتيك بالوحي ميكائيل تابعناك وصدقناك، فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لم ؟ فقالوا: ان جبريل هو ملك الفظاظة والغلظة والتشديد والعذاب والحرب ونحو هذا, وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. 
كأنهم يشترطوا على الله تعالى الملك الذي ينزل بالوحي
هذا عدونا، ولو كان الذي يأتيك بالوحي ميكائيل تابعناك وصدقناك 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أن أحد علماء اليهود وهو "عَبْدَ اللهِ بْنَ صُورِيَّا" جاء ومعه نفر من اليهود الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا له: يا أبا القاسم، نسألك عن أربعة أمور لا يعلمهن الا نبي، فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سلوا عما شئتم, ولكن اجعلوا لي ذمة الله، ان اجبتكم تدخلون في الإسلام، فقالوا: نعم
فقالوا: أخبرنا أي الطعام حرم اسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة  ؟ وأخبرنا كيف يكون الذكر والأنثى ؟ وأخبرنا عن نوم النبي الأمى ؟ وأخبرنا عن وليه من الملائكة  ؟
فقال لهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ان اسرائيل مرض مرضًا شديدًا، وطال مرضه، فنذر ان عافاه الله من مرضه أن يحرم على نفسه أحب الطعام اليه وأحب الشراب اليه، وكان أحب الطعام اليه لحم الإبل، وأحبل الشراب لبن الإبل، فلما عافاه الله من مرضه حرم على نفسه لحم الإبل وألبانها
فقالوا: اللهم نعم
وأما كيف يكون الذكر والإنثى: فان علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا، وأن علا ماء الإنثى ماء الذكر كان المولود انثى
(ماء الرجل هو المنى، وماء الأنثي البويضة، فان غلبت الجينات في ماء الرجل الجينات التى في البويضة كان المولود ذكر، والعكس)
قالوا: اللهم نعم
وأما نوم النبي الأمي المذكور عندكم في التوراة: فان عينى تنام وقلبي يقظان لا ينام
قالوا: اللهم نعم
فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهم اشهد 
فقالوا: الآن حدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نتابعك أو نفارقك
فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإن وليي جبريل, ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه.
قالوا: فعندها نفارقك, لو كان وليك ميكائيل تابعناك وصدقناك.
فقال: فما يمنعكم ؟ قالوا: إنه عدونا.
فعندها نفارقك, لو كان وليك ميكائيل تابعناك وصدقناك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

روي أن عمر كانت له أرض بأعلى المدينة، فكان يمر على اليهود ويجلس معهم ويسمع منهم، فقالوا له: يا عمر قد أحببناك وانا لنطمع فيك، فقال لهم عمر: والله ما جئتكم لحبكم، ولا أسألكم لأني شاك في دينى، وانما أدخل عليكم لأري صفة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتبكم 
ثم قال لهم عمر: أنشدك بالله الذي لا اله الا هو، أتعلمون أنه رسول الله ؟ فسكتوا، ثم قالوا لأكبر علمائهم: أجبه أنت فأنت عالمنا وسيدنا، فقال: أما اذ نشدتنا بالله فانا نعلم أنه رسول الله
فقال عمر: ويحكم اذا هلكتم، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه وتصدقونه
فقال: أن لدينا عدوا من الملائكة، وسلما من الملائكة، وان الذي يأتيه من الملائكة هو عدونا
قال: ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ 
قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل.
 قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ 
قالوا: ان جبريل هو ملك الفظاظة والغلظة والتشديد والعذاب والحرب ونحو هذا, وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. 
قال عمر: وما منـزلتهما من ربهما ؟ 
قالوا: هما في أقرب منزلة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.
 قال عمر: والله لأنتم أكفر من الحمير، من كان عدوًا لجبريل عدو لميكائيل، ومن كان عدوًا لميكائيل عدو لجبريل، ومن كان عدوًا لهما كان عدوًا لله
‏ ثم انصرف عنهم عمر وذهب الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقص عليه ما حدث، فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : يا ابن الخطاب ألا أقرأ عليك آيات نزلن علىَّ ؟ فقرأ عليه (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا.... )
فلما قص عليه عمر ما حدث، قال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لقد وافقك ربك يا عمر"
قالوا: هما في أقرب منزلة، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

وقال مقاتل : قالت اليهود: إن جبريل عدونا لأنه أمر بجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

قالت اليهود أيضًا أن سبب عداوتهم لجبريل، أن الله تعالى أنزل على أحد أنبيائهم أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له "بختنصر" وأخبرهم بالوقت الذي سيخرب فيه، وأخبرهم أنه سيكون ببابل، فلما كان ذلك الوقت أرسلوا رجلًا من أقويائهم ليقتله، فوجد بختنصر غلامًا صغيرًا، فلما أخذه ليقتله جاء جبريل في صورة رجل ودفع الرجل وقال له: لم تريد أن تقتل هذا الغلام ؟ قال: لأن في كتبنا أن بيت المقدس سيخرب على يد هذا الغلام، فقال له جبريل: ان كان الله قد قضى أن يخرب هذا الغلام بيت المقدس، فلن تقدر على قتله، وان كان غير صحيح فلم تقتل نفسًا بغير ذنب، فرجع الرجل عن قتل الغلام، فلما رجع الى قومه وأخبرهم، قالوا له أن جبريل هو الذي تمثل لك ومنعك من قتله
فلما كان ذلك الوقت أرسلوا رجلًا من أقويائهم ليقتله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(قُلْ) يعنى قُلْ لهم يا محمد 
(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) وهذا قول اليهود أن جبريل عدو لهم
(فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) أي فان جبريل هو الذي نَزَّلَ القرآن على قلبك يا محمد 
(بِإِذْنِ اللَّهِ) وهذه الكلمة هي التى حسمت الجدال في هذا الموضوع، يعنى أمر الوحي ليس باختيار الرسول ولا باختيار الملك، والملك ليس له ارادة ذاتية، ولكنه ينفذ ارادة الله تعالى، وليس بالطبع باختيار الأمة التى سيبعث اليها هذا الرسول، بل هو اختيار الله تعالى وأمره فقط
(مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) أي أن هذا القرآن مُصَدِّقًا أي موافقًا لِمَا قبله من الكتب التي أنزلها الله عز وجل، وكل هذه الكتب نزل بها جبريل –عليه السلام- لأن جبريل هو أمين الوحي، وكما قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه" 
(وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)
يعنى هذا القرآن العظيم هداية، والهداية هي الدلالة بلطف على المقصود
(وَبُشْرَى) يبشرهم القرآن برضوان الله وبالجنة والنعيم لو اطاعوه
فأي عنصر من هذه العناصر تنكرونه على جبريل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) وعداوة الله تكون بمعصيته
(وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ) اذن عداوة رسل الله وعداوة ملائكته هي عداوة لله تعالى، كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه البخاري وغيره (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)
اذن معاداة رسل الله هي معاداة لله تعالى
ومعاداة ملائكته –كما قال اليهود- معاداة لله تعالى
ومعاداة أولياءه تعالى معاداة لله تعالى
وقد قال تعالى (وَرُسُلِهِ) للإشارة الى أن معاداة رسول واحد، هو معاداة لكل الرسل، لأن الرسالة واحدة، وجميع الرسل أخوة 
(مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

 (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) 
(جِبْرِيلَ) فيها ثمانية قراءات: أَرْبَعٌ فِي الْمَشْهُورَاتِ: جَبْرَئِيلُ، وَجِبْرَيِلُ، وَجَبْرَئِلُ، وَجِبْرِيلُ.
وَأَرْبَعٌ فِي الشَّوَاذِّ: جَبْرَإِلُ، وَجَبْرَائِيلُ، وَجَبْرِئْلُ، وَجَبْرِينُ. 
(وَمِيكَال) فيها ستة قراءات
 (جِبْرِ) يعنى عبد و(ايلَ) الله، فمعنى (جِبْرِيلَ) هو عبد الله 
(وَمِيكَ) يعنى عبيد و(ايلَ) الله فمعنى (مِيكَال) هو عبيد الله
هنا قال تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) مع أن (جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) من الملائكة، وهذا ذكر للخاص بعد العام، تشريفا لشأنهم وتعظيما لأمرهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

ثم يقول تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) معاداة الله للعبد هو تعذيب هذا العبد، فالآية تقول أن من عادي رسولًا أو ملكًا فهو كافر

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

*********************************