Untitled Document

عدد المشاهدات : 4245

الحلقة (81) تدبر الآيات من (120) الى (123) من سورة البقرة وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية الثمانون
تدبر الآيات من (120) الى (123) من سورة البقرة
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 

قال الله تعالى في آية سابقة وهي الآية (118) من سورة البقرة (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ .......)
أي أنهم طلبوا أن يكلمهم الله تعالى مباشرة كما كلم موسى –عليه السلام- وكما كلم بعض ملائكته، أو أن يأتي لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  بآية من الآيات الحسية الكونية التى طلبوها
وقلنا أن أحد الذين طلبوا هذا الطلب هو "رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ" وكان أحد أحبار اليهود من "بنى قينقاع" فقال للرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كُنْتَ رَسُولا مِنَ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، فَقُلْ لِلَّهِ فَليُكَلِّمْنَا حَتَّى نَسْمَعَ كَلامَهُ
هنا يخاطب الله تعالى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول له: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) يعنى حتى لو كلمهم الله، وحتى لو جئت لهم بالآيات الحسية التى طلبوها فلن يؤمنوا لك، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، يعنى حتى تترك دينك وتدخل في دينهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذه الآية لها سبب نزول ولها هدف آخر، وهي ان اليهود والنصاري كانوا يطلبون من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمهلهم، ووعدوه أن يتبعوه ويدخلوا في الإسلام بعد مدة، أي أنهم –كما نقول في التعبير الدارج- كانوا يحاولون أن يمسكوا بالعصا من المنتصف، حتى كان الرسول يحب موافقة اليهود والنصاري فيما لم ينه عنه، تأليفًا لقلوبهم 
وكان هذا يربك الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة، ويشغل قلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ويريد الله أن يقطع علي اليهود والنصاري سبيل المكر برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فتأتي هذه الآية لتقنط وتيأس من ايمان المعاندين من اليهود والنصاري
فاذا كانوا لا يرضون حتى تخرج من دينك وتدخل في أي دينهم، فكيف يتبعون هم ملتك ويدخلون في دينك ؟
وعلق –تعالى- رضاهم عنه -صلى  الله عليه  وسلم- بأمر مستحيل الوقوع، وهو اتباع الرسول -صلى  الله عليه  وسلم- ملتهم، والمعلق بالمستحيل مستحيل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وذكر الله تعالى تعبير (مِلَّتَهُمْ) ولم يقل "دينهم" لأن الدين هو ما يدين به الإنسان، والملة هو ما يميل اليه الإنسان، فاختار تعالى تعبير الملة، لأن الإنسان قد يميل للباطل 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) أي أن الذي أنت عليه من الإسلام هو دين الله الذي يرضيه، وذلك ردًا على قول اليهود والنصاري (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)
و(هُدَى اللَّهِ) هو الإسلام وهو القرآن
(هُوَ الْهُدَى) أي هو الْهُدَى كل، أي حصر الهدي في الإسلام والقرآن، فلا هدي الا في الإسلام ولا هدي الا في القرآن
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) 
(أَهْوَاءَهُمْ) جمع هوي وهو الرأي النابع عن شهوة النفس
وهي من الهواء لأن الهواء متغير
 إشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشري
(بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) وهو الوحي الذي جاء به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سواء كان قرآنًا أو سنة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ( 
)مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ) أي في مواجهة الله
(مِنْ وَلِيٍّ) الولى هو الذي يتولى أمرك ومصالحك وصيانتك
والنصير هو الذي يدفع عنك الشر والضر
وقلنا من قبل أن (النَصِيرٍ( جاءت بعد (الوَلِيٍّ) لأنه يمكن أن يكون هناك "وَلِيٍّ" يتولى أمرك ولكنه لا يستطيع أن ينصرك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والخطاب تحذير لعامة المسلمين من أي دين غير دين الإسلام، سواء دين اليهودية أو النصرانية، وخاصة الأقليات وأبناء الأقليات المسلمة في الدولة الغير اسلامية، الذين ربما يقارنون رغمًا عنهم بين الدين الإسلامي والدين المسيحي مثلًا، فهؤلاء يخاطبهم الله تعالى بهذه الآية ويقول لهم (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)
ويقول لهم (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
يتوقف البعض أمام هذه الآية، وهذا التحذير لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأن أمر وارد أن يتبع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهواء اليهود والنصاري 
ونقول أن الخطاب للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن المراد به الأمة، أو ان شئت فقل أنه خطاب للأمة من خلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد يخاطب وهو فقط المراد بالخطاب، مثل قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)
وقد يخاطب والمراد به هو والأمة، مثل (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ)
وقد يخاطب ويراد به الأمة فقط، كقوله تعالى (ولَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ومثل هذه الآية (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
وهذا تشريف لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه تعالى لا يخاطب أمته مباشرة وانما يخاطبها من خلال رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  الذي أرسله اليهم
كما لو كانت شركة مصدرة في أحد الدول لا تتعامل مع المستهلك مباشرة في الدولة المستوردة، ولا حتى مع مستورد آخر في الدولة المستوردة، وانما تتعامل –فقط- من خلال الوكيل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)
بعد أن ذكر الله تعالى المعاندين من أهل الكتاب ذكر الطائفة القليلة المؤمنة منهم، فقال تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) وهم الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، الذين آمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل "عبد الله بن سلام" و"كعب الأحبار" و"مخيرق" وغيرهم
(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) يعنى يقرءونه كما أنـزل ولا يحرفونه، ولا يخفون  صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثابتة عندهم
(أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي يؤمنون بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) خسروا الدنيا وخسروا الآخرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قال البعض أن المقصود من قوله (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ) هو القراءة بأحكام التجويد، وهي المدود والإدغام والغنة وغير ذلك
ونقول أن قوله تعالى (حَقَّ تِلَاوَتِهِ) له ثلاثة معاني: تلاوة اللفظ، وهو الإلتزام بأحكام التجويد، وتلاوة المعنى، وهو القراءة بالتدبر، وتلاوة الحكم، وهو العمل بالقرآن من امتثال الأوامر واجتناب النواهي
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
هاتين الآيتين هما نفس الآيتين (47) و (48) من سورة البقرة 
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
وما بين الآيات (84) آية استعرض الله تعالى فيها تاريخ بنى اسرائيل مع موسى –عليه السلام- واستعرض فيها تجربة بنى اسرائيل في حمل منهج الله، حتى نستفيد نحن من هذه التجرية، ولا نقع في الأخطاء التى وقع فيها بنى اسرائيل 
وقد بدأ الله تعالى هذا العرض وختم بنفس الآيات 
لأن آفة اليهود أنهم يقولون (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ويقولون نحن من سلالة الأنبياء، وسيشفع لنا آباؤنا الأنبياء، و(قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يؤكد لهم أن هذا غير صحيح، وأن يوم القيامة لن تجزي نفس عن نفس شيئًا، يعنى لن ينفعك أحد ولا ينفعك شيء الا عملك فقط