Untitled Document

عدد المشاهدات : 2791

الحلقة (100) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآيتين (168) و(169) من سورة البقرة يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسّ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة المائة
تدبر الآيتين (168) و(169) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا)
هذه الآية –كما نعلم- في سورة البقرة، وسورة البقرة سورة مدنية، وقد ذكر العلماء في أصول التفسير أن الغالب في السور المدنية أن يكون الخطاب فيها للمؤمنين، فيكون النداء بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) بينما في السور المكية يكون النداء بقوله تعالى (يا أيها الناس) 
والسبب أن السور المكية تهتم بالعقيدة ولذلك النداء فيها لكل الناس
أما السور المدنية فتهتم بالتشريع، والتشريع بكون للمؤمنين
وبرغم ذلك فان الخطاب في هذه الآية المدنية بدأ بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) مع أن الأمر متعلق بتشريع، وهو أكل الحلال الطيب 
وفي ذلك اشارة من الله تعالى الى أنه خلق ما في الأرض لجميع الناس، سواء المؤمن أو الكافر، لأن عطاء الربوبية –كما قلنا قديمًا- لكل البشر، سواء من آمن منهم ومن لم يؤمن
أمر آخر: أنه تعالى يأمر الناس في هذه الآية بأكل الحلال، مع أن المفروض أن الأمر بأكل الحلال يكون للمؤمنين فقط، فكيف يأمر الله تعالى غير المؤمن بأكل الحلال 
كأن الله تعالى يقول للكافر، حتى ولو لم تؤمن، فلا تأكل الا ما أحللته للمؤمنين بي، لأن ذلك في صالحك  
فالعلم الحديث الآن أثبت أضرار في كل كما حرم الله تعالى أكله من الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) سواء كان من الأنعام أو النباتات، والسبب أن بعض  العرب كانوا يحرمون على أنفسهم كثير من الأطعمة، سواء من الأنعام أو الزروع، مثل السائبة والبحيرة والوصيلة والحام، وسنأتي في تفسير معناها في سورة المائدة، وكلها أمور لا منطق لها، مثل الناقة التى تلد خمسة أبطن والخامس أنثى، أو الشاة التى تلد سبعة أبطن، أو فحل ينتج منه عشرة أبطن، أو غير ذلك، وكلها أمور لا منطق لها وما أنزل الله بها من سلطان، فأمر الله تعالى في هذه الآية بأكل ما أحله لهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا)
وأصل الحلال: من الحَلِّ الذي هو نقيض العَقْد، وسمي كذلك لانحلال عقدة الحظر عنه
فمعنى الحلال: هو ما أحله الله وأباحه
(طَيِّبًا) الطيب هو الطاهر، وهو وصف للحلال لأن الله تعالى لم يحل لنا الا كل طاهر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)
(خُطُوَاتِ) بضم الخاء وضم الطاء
وقرأت (خُطَوات) بضم الخاء وفتح الطاء
وقرأت (خَطَوات) بفتح الخاء والطاء 
وقرأت (خَطْوات) بفتح الخاء وسكون الطاء
وقرأت (خطؤات) بالهمزة من الخطأ
والخطوة هي المسافة بين القدمين حال المشي
فالمعنى: لا تجعلوا الشيطان قائدكم، ولا تسيروا في طريقه، لأن طريق الشيطان هو الطريق الذي يوصل الى سخط الله والى النار 
نقول "اتبع خطواته" اذا قلده واقتدي به واستن بسنته
وهذا التعبير القرآني الدقيق فيه تنبيه من الله تعالى لعباده المؤمنين بطريقة الشيطان في اغواء بنى آدم، فهو لا يفاجئك بأن يوسوس لك بارتكاب كبيرة من الكبائر، حين يعلم أنك سترفضها
ولكنه يوسوس لك بذنب صغير، ويأخذك خطوة خطوة حتى يصل بك الى هدفه وهو الذنب الكبير
فحين يعلم أنك سترفض جريمة الزنا مثلًا فانه لا يوسوس لك بالزنا، وانما يوسوس لك بالنظر الى ما حرم الله، ثم يوسوس لك بالحديث أو باقامة علاقة صداقة، ثم يوسوس بالحديث الخارج، ثم شيئًا فشيئًا حتى يصل بك الى هدفه الذي خطط له من البداية وهو الزنا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من القصص في ذلك أن عابدًا من بنى اسرائيل اسمه " برصيص" عبد الله أربعين عامًا ولم يقدر الشيطان عليه، ثم أناه ثلاثة رجال وقالوا له: يا برصيص انا نريد الجهاد في سبيل الله، ولنا أخت نطلب منك أن ترعاها حتى نعود، فلما خرجوا وسوس له الشيطان أن يسلم عليها، ثم وسوس اليها أن يتكلم معها، ثم كثر الكلام، حتى وقع عليها وزني بها
وتكرر الأمر حتى حملت منه، وخاف من افتضاح أمره، فوسوس له الشيطان أن يقتلها ثم يتوب بعد ذلك، فقتلها ودفنها
فلما جاء اخوتها بكي وقال لهم مرضت وماتت ودفنتها، فبكوا عليها وصدقوه
ثم أتي الشيطان الى أخيها الأكبر في المنام وقال له أن برصيص فعل بها الفاحشة وقتلها وهي حامل، وأتي الثاني والثالث في المنام وأخبرهما
فلما أصبحوا ذهبوا الى قبر اختهم، وكشفوا القبر، فوجدوها كانت حاملًا، فذهبوا الى الملك وأخبروه، وأخذوا برصيص ليرجموه، فجاءه الشيطان وتمثل له وقال له: يا برصيص لا ينجيك الا أن تسجد لى سجدة واحدة، فأنقذك ثم تتوب بعد ذلك، فسجد للشيطان وكفر بالله، فمات على الكفر
هذه قصة ليست موجودة في كتب السنة، ولكنها من قصص بنى اسرائيل التى قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-  "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يعنى عداوته ظاهرة بينة، وقد أعلن عداوته وأقسم على هذه العداوة، فقال (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) و(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)
اذن فالشيطن قد أوقف حياته عليك حتى يدخلك النار، فعليك أن توقف حياتك أنت لمحاربته والنجاة منه، حتى تنجو من النار وتدخل الجنة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
(إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ) إِنَّمَا تفيد الحصر، يعنى لا يأمركم الا بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ
ويقول تعالى (يَأْمُرُكُمْ) مع أن الشيطان لا يأمر ولكنه فقط يوسوس ويزين، يقول تعالى ( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (ولكنه تعالى قال (يَأْمُرُكُمْ) تسفيها وتوبيخًا للعاصين لأنهم هم الذين وضعوا أنفسهم بأنفسهم تحت أمر ابليس وأعوانه وأصبحوا رهن اشارته، كما قال تعالى في سورة النساء (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ)
(السُّوءِ) لغة هو الذي يسوء صاحبه ويحزنه
و(الْفَحْشَاءِ) هو الذي يتجاوز القدر في الفحش والقبح، من قولهم: فحش الشيء أي تجاوز القدر 
فقوله تعالى (بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ) السُّوءِ هي صغار الذنوب، وَالْفَحْشَاءِ هي كبائر الذنوب
وروي عن ابن عباس أنه فسر (السُّوءِ) بالذنوب التى لا حد فيها: مثل الكذب والغيبة والنميمة وغير ذلك، و(الْفَحْشَاءِ) هي الذنوب التى فيها حد، مثل السرقة وشرب الخمر والزنا
(َالْفَحْشَاءِ) كل ذنب فيه حد، كالسرقة وشرب الخمر والزنا
اذن نفس المعنى أنه الشيطان يأمر بصغار الذنوب وكبائرها، وقد ذكر تعالى ذلك، وأتي بالصغائر ثم الكبائر، حتى يشير الى ما ذكرناه من حيلة الشيطان في اغواء بنى آدم، أن يأخذ بيده من الذنب الصغير الى الذنب الأكبر، ومن الصغائر الى الكبائر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وذلك تحريم ما أحل الله تعالى من الأطعمة كما ذكرنا
ولكن يدخل في ذلك ولا شك من يتحدثون في دين الله بغير علم، فيشوشون على العامة دينهم
ويدخل في ذلك الذين يفتون ويقولون هذا حرام وهذا حلال بغير علم
يدخل في ذلك العالم –وخصوصًا في وسائل الاعلام- الذين يخجل أن يقول لا أعلم اذا كان لا يعلم ويفتى بغير علم
يقول على بن أبي طالب " من علم الرجل أن يقول لما لا يعلم " الله أعلم "
يقول  ابن مسعود : "إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون"
يقول أحد السلف" لقد كان الرجل يستفتى فيفتي وهو يرعد"
يقول أحد التابعين أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله اذا سأل أحدهم عن مسألة ردها الى آخر حتى ترجع الى الأول 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رسوم كاريكاتيرية هادفة عن وسوسة الشيطان
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇