Untitled Document

عدد المشاهدات : 1088

الحلقة (126) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (211) من سورة البقرة، قول الله تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السادسة والعشرون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (211) من سورة البقرة
********
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) 
********
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) سَلْ أصلها اسأل
و(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) استفهام، وهو استفهام يطلق عليه "استفهام تقريري" وهو استفهام المقصود به التوبيخ والتقريع والتبكيت
في هذه الآية يأمر الله تعالى الرَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسأل (بَنِي إِسْرَائِيلَ) أي يسأل يهود المدينة (كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ) وهذا السؤال –كما قلنا- سؤال تقريري، يعنى يسالهم لا ليخبروه عن تلك الآيات حتى يعرفها، فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  يعرف هذه الآيات، ونحن كذلك نعرفها من القرآن العظيم 
ولكنه تعالى يريد الجواب منهم ليقروا على أنفسهم
كمثل إنسان أنت أحسنت اليه كثيرًا، ولكنه أنكر معروفك، وأخذ يشكوك الى انسان آخر، فترد أنت لم ينقل لك الشكوى: سله كم قدمت له من أموال ؟ سله كم توسطت له ؟ سله كم وقفت الى جواره في المشاكل ؟ يعنى أنا لن أتكلم بل سأجعله هو يتكلم.
وأنت لا تقول ذلك إلا وأنت على ثقة من أنه لن يجد جواباً إلا ما يؤيد قولك.
********
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ)
)كَمْ( تدل على الكثرة 
(آَتَيْنَاهُمْ) أي سقنا اليهم
(آَيَةٍ) الآية الأمر العجيب
(بَيِّنَةٍ) الأمر الواضح الذي لا يمكن أن يغفل عنه أحد
هذه الآيات البينات كانت اولًا في عهد موسى: 
عصا موسى التى تنقلب حية، ويده التى تصبح بيضاء من غير سوء، وأرسل الله تعالى على قوم فرعون الجراد والقمل والضفادع والدم والسنين أي الجدب، وشق لهم البحر لينجيهم من آل فرعون، وأغرق عدوهم أمام أعينهم، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوي، وفجر لهم اثنى عشر عينا، وغير ذلك من الآيات
ثم ساق لهم الله تعالى آيات أخري على يد أنبيائهم بعد موسى عليه السلام، مثل قصة أصحاب السبت مثلًا وغيرها
ثم جاءت لهم الآية العظمي والنعمة الكبري، وهي صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتبهم فعرفوه كما يعرفون أبنائهم
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ)
********
(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ)
قوله تعالى (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ) المفعول الثاني محذوف، تقديره: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ كفرًا
وذلك مثل قوله تعالى في آية أخري (أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً)
اذن الله تعالى عبر عن الآيات التى جائتهم بالنعمة، لأن الآية تؤدي الى الهداية، والهداية هي أعظم النعم
(مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) أي مِنْ بَعْدِ ما عرفها وتيقن بها
********
كيف يُبَدِّلْ الانسان نعمة الله كفرًا ؟
ان نِعْمَةَ اللَّهِ حين تصيب انسانًا، فالواجب عليه أن يستقبلها بالشكر، وقلنا من قبل أن الشكر يكون باللسان، بأن يقول الانسان "الحمد لله" ويكون بالقلب فيمتلأ قلبك بالرضا على المنعم، ويكون بالجوارح بأن تستخدم هذه النعمة في طاعة الله
أما الذي يبدل نعمة الله كفرًا، فهو بدلًا من أن يشكر الله تعالى بلسانه فيقول "الحمد لله" فانه بقول عبارات السخط على قدر الله، وبدلًا من أن يمتلأ قلبه بالرضا يمتلأ قلبه بالسخط على المنعم، وبدلُا من أن يستخدم النعمة في الطاعة يستخدمها في المعصية
وبذلك يكون قد بدل نعمة الله كفرًا
وهذا ما حدث مع بنى اسرائيل حين استقبلوا نعم الله تعالى الكثيرة عليهم بالجحود والمعصية، فبعد أن نجاهم الله تعالى من فرعون (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) ثم قالوا (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ثم عبدوا العجل من دون الله تعالى، وحين أمرهم بالقتال ودخول القرية التى كتب الله لهم، قالوا (اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)
وبعد موسى جائهم كثير من الأنبياء والايات والمعجزات، فكانوا يقتلون أنبيائهم
ثم جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنعمة الكبري وهي نعمة الاسلام، وبين أيديهم كتبهم وفيها صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنتهي الدقة، ولكنهم –كما فعل أسلافهم- بدلوا نِعْمَةَ اللَّهِ كفرًا، فكذبوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكفروا به 
صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مذكورة في كتب بنى اسرائيل بمنتهي الدقة
********
يحكى ان رجلًا ذهب الى الحج، وفي يوم عرفة قبل الغروب، رفع وجهه الى السماء وقال "الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة" وانصرف، ثم عاد في العام التالى، وقبل أن ينصرف من عرفة، رفع وجهه الى السماء، وقال مثل ما قال في العام السابق "الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة" فسمع صوتا من السماء يقول " مهلا علينا ياعبد الله فنحن لم نفرغ بعد من كتابة حسناتها من العام الماضى"
********
وان كان المشار اليه في هذه الآية هم "بنو اسرائيل" الا أن اللفظ منسحب على كل مبدل نعمة الله
وكل صاحب معصية فهو مبدل لنعمة الله تعالى، لأنه لا أحد يعصى الله الا بنعمة الله عليه 
فالذي ينظر الى ما حرم الله لا ينظر الا بالعين التى أنعم الله تعالى بها عليه
والذي يغتاب أو ينم أو يكذب أو يفحش في القول أو غير لك من آفات اللسان، يفعل ذلك باللسان الي أنعم الله به عليه
والتى تظهر مفاتن جسدها، هذا الجسد نعمة الله عليها
والذي يظلم بجاهه ومنصبه، هذا المنصب هو هبة من الله له 
اذن فالذي يرتكب أي معصية هو مبدل لنعمة الله تعالى عليه  
ولذلك جاء شاب الى أحد العلماء وقال له: كلما أتوب أعود الى الذنوب مرة أخري، فقال له اذا أردت أن ترتكب الذنب فلا ترتكبه بنعمة أنعم الله بها عليك
********
ولذلك يختتم الله تعالى هذه الآية بذلك الوعيد الشديد، يقول تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
********
ملخص تدبر الآية الكريمة أن الله تعالى يأمر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسأل بنى اسرائيل سؤال تقريري، يعنى ليس ليعرف الاجابة فالإجابة معروفة، ولكن ليقروا على أنفسهم.
كم آتيناهم من آية واضحة، منذ موسى –عليه السلام- ثم أنبيائهم من بعد موسى، ثم صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتبهم، والتى ذكرها الله تعالى في كتبهم بمنتهي الدقة
ولكنهم بدلًا من أن يستقبلوا نعم الله عليهم بالشكر، بدلوا هذا الشكر بالكفر، فكفروا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنكروا نبوته
ولذلك توعدهم الله تعالى فقال (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) أي من بعد ما عرفها وتيقن بها (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)