Untitled Document

عدد المشاهدات : 2901

الحلقة (135) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تَدَبُر الآية (221) من سورة البقرة: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (221) من سورة البقرة
********
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة لها مناسبة نزول، نزلت فِي "مَرْثَدٍ ابْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ" وكان صحابيًا شابًا قوي البنية، سريع، شجاع، وفي السنة الثالثة من الهجرة عندما كان عمر "مَرْثَد" ثلاثة وعشرون عامًا، كلف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَرْثَد" بمهمة خطيرة جدًا، وهي تحرير أسري المسلمين، وضعفاء المسلمين الذين تحبسهم قريش، فكان "مَرْثَد" يذهب من المدينة الى مكة، وينتظر حتى تخرج مكة أحد هؤلاء الأسري لقضاء حاجته، فيأخذه ويحمله على عنقه، لأنه يكون مقيد القيدين والقدمين، ثم يخرج به من مكة، ثم يكسر قيوده بحجر، وينطلق به الى المدينة 
ونجح "مَرْثَد" في تحرير عدد من الأسري، وكان أمر اختفاء هؤلاء الأسري لغز بالنسبة لقريش، فكانت لا تعرف كيف يختفون وهم مقيدين الأيدي والأرجل، ولكن في مرة وقع "مَرْثَد" في خطأ تكتيكي، وهو أنه دخل الى مكة في ليلة مقمرة، وصل "مَرْثَد" الى الأسير وحمله وكان ثقيلًا، فمشي به ثم وقف ليرتاح، ولكن أبصرت سواده امرأة من مكة اسمها "عَنَاق" كان يقال أنها جميلة، وكانت "عَنَاق" على علاقة بمرثد في الجاهلية، فكان يزني بها، فلما رأته قالت له: مرحباً وأهلاً، تعال فبت عندنا الليلة‏.‏ فقال لها مرثد‏:‏ ويحك يا عَنَاق، إن الله حرم الزنا ‏!‏ فقال له: فتزوجني، فقال نعم ولكن أرجع إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجْتُكِ، فَقَالَتْ لَهُ: ويحك أَبِي تَتَبَرَّمُ ؟ فصاحت المرأة‏:‏ يا أهل مكة، يا أهل الخيام، إن هذا الذي يحمل الأسرى من مكة ‏
 (المرأة اذا عرضت نفسها على الرجل، ورفضها، فلابد أنها ستحاول ايذائه، مهما كان حبها له، كما حدث مع يوسف –عليه الاسلام- وكما حدث مع "مرثد")
ترك "مرثد" الأسير وفر هاربًا، واتجه الى أحد الجبال المحيطة بمكة، واسمه "الخندمة" وهو من الجبال الوعرة، حتى دخل في أحد كهوفها واختبأ فيه
وخرج يتبع "مرثد" ثمانية رجال، وأشارت لهم "عَنَاق" الى المكان الذي اتجه اليه "مرثد" فوصلوا الى جبل "الخندمة" ووصلوا الى الكهف الذي دخل فيه "مرثد" بل ودخلوا الكهف ووقفوا أمام "مرثد" وهو نائم على الأرض، ولكن الله تعالى أعمي أبصارهم فلم يروا "مرثد" وعادوا الى مكة
ولم يعد "مرثد" الى المدينة بعد ذلك، بل عاد مرة أخري الى الأسير الذي  تركه بمكة، ثم حمله حتى خرج به من مكة، ثم فك وثاقه، وانطلقا عائدين الى المدينة
اتجه "مرثد" الى جبل "الخندمة"
خرج يتبع "مرثد" ثمانية رجال
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
شعر "مرثد" بالعاطفة تجاه "عَنَاق" فذهب الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال له: يا رسول الله، أتأذن لى أن أتزوج "عَنَاق"، فَإِنَّهَا لتعجبني ؟ 
وهذا يدل على تعلق "مرثد" بعناق وحبه لها، لأن "عَنَاق" هي التى دلت عليه، وكادت تتسبب في قتله، ومع ذلك أراد أن يتزوجها
ولكن الرسول لم يرد عليه، واستقبل الأمر بهدوء، وهذا أمر هام جدًا، لأن هذا الموقف يحدث في كثير من البيوت، قد يأتي الشاب -أو الفتاة- الى أهله ويقول لهم أنه يريد أن يتزوج فتاة، وهي غير مناسبة على الإطلاق، ويستقبل الأهل الأمر بعصبية، ويعند الشاب، ويتمسك بالفتاة، وكل ممنوع مرغوب، وتأخذ الفتاة من قلبه مكانة ليست حقيقية، وربما يكون عندما فكر فيها وعرض الأمر على أهله هو غير مقتنع بها، ولكنها مجرد فكرة، وتحدث بهذه الفكرة، ولكن عنف استقبال الأهل لهذه الفكرة حولها الى رغبة ثابتة، والى ما توهمه هو أنه حب
اذن عنما يواجه الأهل هذا الموقف، عليهم أن يستقبلوا الأمر بهدوء، ونجلس ونتفاهم ونتحاور
 لم يعط الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوابًا الى "مرثد" ولكن نزل قول الله تعالى (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ.... الى آخر الآية) وقيل نزل قول الله تعالى في سورة النور (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)  
يا رسول الله، أتأذن لى أن أتزوج "عَنَاق"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) 
وقرأت (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ) بضم التاء
النكاح هو الزواج، وأصل النكاح في اللغة هو تداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض، فكانت العرب تقول نكح المطر الأرض، ونكح النعاس عينيه، ونكح فلان فلانة يعنى تزوجها 
وكلمة مشرك أي عبدة الأوثان او الاصنام، وأصله من الإِشراك لأنه جعل لله شريكًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) هذا نهي عن زواج المشركة، أما اليهودية والنصرانية فيجوز زواج الرجل المسلم من المرأة النصرانية او اليهودية مع الكراهة
لأن الدافع للزواج من اليهودية أو النصرانية ليس هو الدين، وانما الجمال او المال أو الرغبة في الحصول على الجنسية أو غير ذلك
(وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) هذا تعليل للنهي، فيقول تعالى أن الأمة، أي الأنثى المملوكة من الرقيق أفضل من المشركة الحرة 
(وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) يعنى حتى لو أعجبتكم هذه المشركة بجمالها ومالها وحسبها، فهذه معايير للزواج هابطة ونازلة 
وصدرت الجملة بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم لتفيد التأكيد 
‏‏وهذه نَزَلَتْ فِي "عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ" وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ اسمها "خنساء"، وَأَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا‏.‏ ثُمَّ ندم ندمًا شديدًا وفَزِعَ –كما تقول الرواية- فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبِرَهُ بما فعل وقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ تَصُومُ وَتَصِلِي وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ‏.‏ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏:‏ هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ‏!‏ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأُعْتِقَنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا‏!‏ فَفَعَلَ، فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وقَالُوا‏:‏ تَزَوَّجَ أَمَةً‏!‏‏!‏ وعرضوا عليه حرة مشركة، فأنزل الله تعالى (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)
فكان "حذيفة بن اليمان" يمزح معها ويقول "يا خنساء مع سوادك ودمامتك، قد ذكرت في الملأ الأعلى، وأنزل الله ذكرك في كتابه"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) أي ولا تزوجوا بناتكم من المشركين وثنيّين كانوا أو أهل كتاب حتى يؤمنوا بالله ورسوله، فالمسلمة لا يجوز لها ان تتزوج الا مسلم، واذا حدث فالعقد غير صحيح
وقوله تعالى (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) أخذ منه العلماء أن الولى من شروط الزواج، يعنى لا يجوز ان تزوج المراة نفسها بل يشترط وجود الولى، لأن قوله تعالى (وَلَا تُنْكِحُوا) يعنى الخطاب ليس موجهًا للمرأة، وانما موجه الى ولى المرأة
فالمرأة لا تزوج نفسها، ولكن الذي يزوجها هو وليها، ولكن مَعَ اشْتِرَاطِ رِضَاهَا وَإِذْنِهَا بِهِ، صَرَاحَةً فِي الثَّيِّبِ، وَسُكُوتًا إِقْرَارِيًّا فِي الْبِكْرِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْحَيَاءُ.
وفي الصحيح ( لا نكاح إلا بولي) اذن شرط الولى موجود في الكتاب وفي السنة الصحيحة
(وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) العبد المملوك الفقير أفضل من الزواج من مشرك حر ذا مال وحسب (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) أي وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بماله وحسبه ووظيفته
قوله تعالى (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) أخذ منه العلماء أن الولى من شروط الزواج
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يبين الله تعالى علة التحريم فيقول تعالى (أُولَئِكَ) يعنى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مُنَاكَحَتَهُمْ مِنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي يَدْعُونَكُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا يُدْخِلُكُمُ النَّارَ
(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) جاء الله تعالى بهذه الجملة حتى تقارن بين الطريقين، الطريق الذي يدعو اليه المشركون وهو الطريق المؤدي الى النار، والطريق الآخر الذي يدعو اليه الله تعالى، وهو الطريق الموصل إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
(بِإِذْنِهِ) أي بتوفيقه وتيسيره  
(وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ) أي أوامره ونواهيه
(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية هامة جدًا، لأن الاسلام –كما نعلم اهتم بتكوين الأسرة اهتمامًا كبيرًا، لأنها الركن الأساسي في تكوين المجتمع، وأول خطوة في تكوين الأسرة هي اختيار الزوجة أو اختيار الزوج
وهذه الآية الكريمة تتناول هذا الأمر الهام جدًا وهو اختيار الزوجة أو اختيار الزوج، ربما هذه الخطوة هي أهم خطوة في حياة كل انسان
هذه الآية الكريمة تضع لك معيار اختيار الزوج أو الزوجة، فتقول لك اجعل الدين هو معيار اختيار الزوجة 
أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال : "تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين ترتب يداك"
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل"
هل الدين هو المعيار الوحيد ؟ لا ليس الدين هو المعيار الوحيد، هناك معيار الكفاءة
روي الألباني في صحيحه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال "تخيروا لنطفكم ، فانكحوا الأكفاء ، وأنكحوا إليهم"
البعض يفهم قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إذا نظر إليها سرته" المقصود به الجمال 
روي أبو داود والحاكم أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ألا أخبرك بخير ما يكتنز المرء؟ -أي خير ما يقتنيه الانسان- المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته. 
"إذا نظر إليها سرته" يعنى يكون هناك –كما نقول الآن- القبول
اذن اذا أردت أن تختار الزوجة، واذا أردت أن تختاري الزوج، ما هو المعيار ؟ ثلاثة أمور
- القبول 
- الدين
- الكفاءة