Untitled Document

عدد المشاهدات : 2670

الحلقة (138) من" تَدَبُر القُرْآنَ العَظِيمِ" تَدَبُر الآية (224) من سورة البقرة: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (224) من سورة البقرة
********
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعد أن تحدثت الآيات الكريمة عن حكم مباشرة الزوجة في فترة الحيض، وعن اباحة المباشرة على أي هيئة، بشرط أن يكون ذلك في القبل، تتابع الآيات الكريمة الحديث عن شئون الأسرة، فتتناول حكم الإيلاء، وهو الحلف بالامتناع عن المباشرة، ولكن تقدم لذلك بالحديث عن الحلف، فيقول تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ)
ما معنى (عُرْضَةً) ؟
جعله عُرْضَةً لكذا يعنى جعله هدفًا لكذا، ولذلك فهي تطلق على النصبة التى توضع ليطلق عليها السهام
ونحن نقول: تعرضت لظروف قاسية.. تعرضت لكلام الناس.. وهكذا
يقول الشاعر: 
دعوني أنوح وجدا كنوح الحمائم * ولاَ تجْعَلُونِي عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ
واليمين هو القسم أو الحلف، وأصله أن العرب كانوا اذا أرادوا الحلف، يضع كل واحد يمينه في يمين صحابه
فمعنى (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) أي: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ هدفًا لِأَيْمَانِكُمْ، يعنى لا تكثروا الحلف بالله
وهذا –والحمد لله- هو المعنى الذي يعرفه كل الناس
يعنى اذا حلف شخص على أمر.. تجد من يقول له يا أخي وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ
(عُرْضَةً) تطلق على النصبة التى توضع ليطلق عليها السهام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ)
يعنى: أَلا تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ
والبر هو فِعْلُ الْخَيْرِ، وهو كل مستحسن في الشرع 
فهذا الذي يكثر الحلف بالله، يقع كثيرًا في الحلف على عدم فعل خير أو الاصلاح بين الناس
كأن يحلف ألا ينفق على شخص ما، أو يحلف ألا يزور أحد قرابته، أو ألا يكلم انسان ما، أو ألا يتدخل للإصلاح بين طرفين متخاصمين، والأمثلة في ذلك كثيرة جدًا لا حصر لها
وبذلك يكون الحلف حاجزًا بينه وبين فعل الخير 
وَاللهُ تَعَالَى لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ حِجَابًا دُونَ الْخَيْرِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك جاء تعالى بهذا التعبير "عرضة" لأن العرضة يعنى –أيضًا- ما يعترض الشيء ويمنع الوصول، واشتقاقها من الشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانعاً للناس من المرور
اذن قوله تعالى (عُرْضَةً) أفاد أمرين:
أفاد أولًا: كثرة الحلف، كما قلنا (عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) أي هدفًا لِأَيْمَانِكُمْ
وأفاد ثانيًا: أن كثرة الحلف يمنع من الوصول الى الخير
وهذا من روعة الأداء القرآني، أن كلمة واحدة أفادت معنيين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد قيل أن سبب نزول الآية أن أبا بكر الصديق حلف ألا ينفق على مسطح بعد أن ذكر السيدة عائشة في حديث الإفك، وكان من قرابة أبي بكر وكان أبو بكر ينفق عليه، فلما نزلت هذه الآية كفر أبا بكر عن يمينه وأعاد النفقة على مسطح
وقيل نزلت في أبي بكر، حلف أن لا يكلم ابنه عبد الرحمن حتى يسلم
وقيل نزلت في "عبد الله بن رواحة" حين حلف ألا يكلم زوج أخته "بشير بن النعمان" ، ولا يَدْخُلَ بينه وبين خصم له، وإذا قيل له فيه قال : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي إلا أن تبر يميني ، فأنزل الله هذه الآية .
أذن سبب نزول الآية أن أحد الصحابة أو بعضهم حلف ألا يفعل معروفًا بعينه، ثم لم يفعل هذا المعروف حتى يبر بقسمه ولا يحنث في يمينه، فوجه تعالى الى عدم الاكثار في الحلف، حتى لا يكون كثرة الحلف حاجزًا بينه وبين فعل الخير 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم وجه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ان من يحلف ألا يصنع معروفًا فعليه أن يكفر عن يمينه ويصنع المعروف 
عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير"
أما تكفير اليمين فقد ذكرها الله تعالى مفصلة في سورة المائدة، يقول تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 
اذن الكفارة اطعام عشرة مساكين من الطعام الذي اعتاد أكله، فاذا كان معتادًا أن يأكل أرز مثلًا ومعه طبيخ ولحم أو دجاج وسلاطة، فينبغي ان يكون الاطعام كذلك
أو كسوتهم، والكسوة ليست ثوب من القماس، ولكن "طقم" 
وجمهور العلماء على أنه لا يجزئ إخراج الكفارة نقودا .
فاذا كان فقيرًا ولا يقدر على ذلك، فيمكن أن يصوم ثلاثة أيام، وتكون هذه الأيام متتابعة لا يفطر بينها  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 
والله سميع لأقوالكم، عليم بجميع أحوالكم.
هَذَا الْخَتْمُ لِلْآيَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ عَلَى كَثْرَةِ الْحَلِفِ
وقد ذم الله تعالى من يكثر الحلف، فقال تعالى في سورة القلم "ولا تطع كل حلاف مهين"
لأن اسم الله أجل من أن يستشهد به في الأعراض الدنيويه.
ولذلك لم نجد أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حلف أبدًا في أمر من أمور الدنيا، وانما يحلف ليؤكد أمرًا من امور الدين، كأن يقول مثلًا " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ" وغيره الكثير
يقول الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا؟ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن ملخص تفسير هذه الآية، أن الله تعالى ينهي عن كثرة الحلف، لأن الذي يكثر الحلف بالله، يقع كثيرًا في الحلف على عدم فعل خير أو الاصلاح بين الناس، وبذلك يكون الحلف حاجزًا بينه وبين فعل الخير