Untitled Document

عدد المشاهدات : 4886

الحلقة (161) من تدبر القُرْآن العَظِيم، تدبر الآية (264) من سورة البقرة، قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ ا

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية والستون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (264) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
حذر الله تعالى في آيات سابقة من الْمَنِّ وَالْأَذَى، وقلنا أن المن هو أن تتفاخر على الفقير بعطائك له، أو أن تشعره بإحسانك عليه.
أما الأذى فهو أن تؤذي الفقير بالقول أو توبخه، أو أن تذكر احسانك عليه أمام الغير.
ولم يكتف الله تعالى بالتحذير من المن والأذى في الآيات السابقة، بل جعل الله تعالى في هذه الآية الكريمة الْمَنِّ وَالْأَذَى يبطلان ثواب الصدقة
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ) أي لَا تُبْطِلُوا ثواب صَدَقَاتِكُمْ  (بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)
يعنى هذا المؤمن الذي يتبع صدقته بالمن والأذى مثل صدقته تلك، كمثل صدقة الكافر الذي لا يؤمن بوجود الله تعالى ولا يؤمن بيوم القيامة، وانما ينفق ماله رياء للناس، حتى يقول عنه الناس أنه كريم وأنه سخي
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يضرب الله تعالى مثلًا يؤكد هذا المعنى مرة ثالثة، فيقول تعالى: فيقول (فَمَثَلُهُ) أي مثل هذا الذي يتبع صدقته بالمن والأذي (كَمَثَلِ صَفْوَانٍ) والصفوان هو الحجر الأملس وسُمِّيَ بذلك لصفائه، كانت العرب تقول: يوم صفوان أي صافي الشمس (عَلَيْهِ تُرَابٌ) أي أن هذا الحجر الأملس عليه تراب (فَأَصَابَهُ وَابِلٌ) فنزل على هذا الحجر الأملس الذي عليه تراب وَابِلٌ أي مطر شديدًا قويًا، يقول تعالى في سورة المزمل "أخذناه أخذًا وبيلًا" أي شديدًا قويًا (فَتَرَكَهُ صَلْدًا) أي فترك هذا الحجر لا شيء عليه، فكذلك المن والأذي لا يترك شيئًا من ثواب الصدقة
ووجه الشبه في هذا المثل أن الحجر الذي عليه تراب، يظنه الرائي أرضًا طيبة منبتة، فاذا نزل عليها هذا المطر الشديد يزول التراب وينكشف الحجر، فكذلك الذي يتصدق ويتبع صدقته بالمن والذي يظن أن له اجرًا، ولكنه في الواقع لا أجر له، لأنه ابطل صدقته بالمن والذي
ولذلك يقول تعالى بعد ذلك (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) 
يعنى: كما أنه لا احد من الخلق يقدر على ذلك التراب الذي أزاله المطر، كذلك هؤلاء الذين يتبعون صدقاتهم بالمن والأذي لا يقدرون على شيء من ثواب الصدقة يوم القيامة.
وهنا سمي الله تعالى الصدقة "كسبًا" فيقول تعالى أنك بالمن والأذي أضعت مكسبك. 
كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ
فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن يحذر الله تعالى في هذه الآية الكريمة من المن والأذي ثلاثة مرات:
المرة الأولى: يقول تعالى بعبارة صريحة أن المن والأذي يبطلان ثواب الصدقة، فكأنها لم تكن
المرة الثانية: يقول تعالى أن هذه الصدقة مثل نفقة الكافر الذي لا ينفق المال لوجه الله تعالى، لأنه لا يؤمن بوجود الله تعالى ولا يؤمن بيوم القيامة ولا بالثواب والعقاب، ولذلك فهو ينفق ماله رياءًا حتى يقول عنه الناس أنه كريم وأنه سخي
والمرة الثالثة: يضرب مثلًا بمن يتبع صدقته بالمن والأذي بحجر أملس عليه بعض التراب ثم نزل عليه سيل مطر شديد، فتركه ليس عليه شيء، فكذلك المن والأذي يذهب بثواب الصدقة، كما يذهب المطر بالتراب الذي على هذا الحجر. 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول فضيلة الشيخ الشعراوي –رحمه الله- أن الذي يتصدق ويتبع صدقته بالمن والأذى، تكون خسارته خسارتين: الخسارة الأولى، وهي التى تحدثنا عنه، وهي الحرمان من الثواب
الخسارة الثانية: أنه أنقص ماله بالفعل؛ لأن الله لن يعوضه عليها؛ لأن الصدقة الخالصة لوجه الله تعالى يعوض الله تعالى عليها، يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ، وذكر منها: مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ" أما الذي يتبع صدقته بالمن والأذي، فان الله تعالى لن يكافئه عليها، ولن يعوضه عنها.
وأضيف الى كلام فضيلة الشيخ، خسارة ثالثة كبيرة، وهو أن الذي يتبع صدقته بالمن والأذي يعاقب من الله تعالى عقابًا شديدًا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ" لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلا عَاقٌّ وَالِدَيْهِ، وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ" 
لماذا هذا العقاب الشديد، الذي يتساوى فيه المنان مع العاق وَالِدَيْهِ، و مُدْمِنُ الخَمْرٍ ؟ 
لأن الله تعالى وضع نفسه بفضله وكرمه –كما ذكرنا في الحلقة السابقة- مكان الذي يأخذ الصدقة "إن الصدقة تقع في يد الله قبْل أن تقع في يد الفقير" فاذا مننت على هذا الفقير فكأنك مننت على الله تعالى ولذلك استحق هذا العقاب الشديد.
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
من لطائف ما قرأت أن العرب كانت تقول
لمن يعطي من غير مسألة: يد بيضاء
ومن يعطي عن مسألة: يد خضراء
وتقول لمن يمن: يد سوداء 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
سيدة فلسطينية تقيم في المملكة السعودية الحبيبة، تقول خرجت لتشتري دواء لزوجها، وكان سعر الدواء 500 ريال، ولم يكن معها الى 250 ريال فقط، فخرجت تتري الدواء وقالت تطلب من الصيدلية أن تأخذ الدواء وتدفع المبلغ لاحقًا، وهي تسير في الطريق، وجدت غلام فقير واقف عند محل شاورما يطلب سندويتش والعامل يطردونه، فرق له قلبها، وأعطت واشترت سندويتش الشاورما للغلام، ثم ذهبت الى الصيدلية، وأعطت له 240 ريال وطلبت الدواء وطلبت أن تدفع المبلغ لاحقًا، ولكن البائع رفض، وقبل أن تنصرف، اذا برجل خلفها مهيب، يقول للبائع في الصيدلية، اعطها الدواء وأنا سأدفع ثمنه، ثم دفع الثمن كاملًا وخرج
وجدت غلام فقير عند محل شاورما يطلب سندويتش والعمال يطردونه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قديمًا منذ حوالى 80 سنة  في أحد المدارس المملكة السعودية، كان هناك طفل اسمه "سليمان" وكان هناك رحلة للمدرسة قيمة الإشتراك فيها ريال سعودي واحد، لكن أسرة الطفل كانت فقيرة جدًا لا تملك هذا الريال، وكل الفصل اشترك في الرحلة باستثناء الطفل "سليمان" وكان هذا الطفل حزين جدًا، ولاحظ معلم الفصل وكان فلسطينى الجنسية هذا الأمر، وأراد أن يدفع قيمة الرحلة لهذا الطفل ولكن دون أن يجرح كرامته، فقال أنه سيسأل سؤال ومن ينجح في الإجابة سيأخذ جائزة ريال، وسأل سؤال سهل وكان أول من سأله هو الطفل "سليمان" وأجاب اجابة صحيح وأخذ الريال، واشترك في الرحلة، وتحول حزنه الى سعادة غتمرة، يقول أن هذه السعادة استمرت شهرًا
لم يكمل الطفل دراسته بسبب فقر عائلته الشديد، وخرج الى سوق العمل مبكرًا، فعمل حمالًا وحارس وغيرها من المهن، ثم فتح محل بقالة صغير، ثم اتجه الى المقاولات، ثم شركة صرافة، ثم مصرف اسلامي، والذي أصبح أكبر مصرف اسلامي في العالم، وأصبح واحد من أغنياء العالم، الملياردير "سليمان الراجحي"
ولم ينس يومًا المدرس الفلسطيني الذي أعطاه الريال، وبحث عنه حتى وصل اليه، ووجده في حالة صعبة بلا عمل، ثم قال له: يا أستاذي الفاضل لك في ذمتى دين منذ سنوات، قال الأستاذ متعجبًا: لى دين على أحد ؟ فقال له: هل تذكر الطالب الذي أعطيته ريال ؟ وأخذ يذكره بالقصة حتى تذكر الأستاذ وضحك وقال: نعم .. نعم.. هل تبحث عنى حتى ترد الىَّ الريال ؟ فأخذه وركب معه سيارته حتى وصلوا الى فيلا فاخرة ثم دخلا وقال لهك يا استاذ الفاضل هذه الفيلا لك، وهذه السيارة، واي راتب تطلبه مدي الحياة، وهذا هو سداد دينك، وذهل المدرس، وقال لكن هذا كثير جدًا، فقال له: صدقنى ان فرحتى بريالك وقتها أكبر بكثير من فرحتك الآن بالفيلا والسيارة، اننى لا زلت الى الآن لا أنسي هذه الفرحة
الملياردير الراجحي ترتيبه السادس في حجم التبرعات والإحسان على مستوي العالم، ثروته 7 مليار و700 مليون دولار أمريكي، تبرع حتى الان بخمسة مليار و700 مليون دولار أمريكي
هذه القصة برغم من انها قصة حقيقية لكن فيها رمز مهم جدًا 
الريال الذي أعطاه هذا المدرس الفلسطينى كان مقابله أضعاف مضاعفة فيلا وسيارة وراتب مدي الحياة
كذلك أي صدقة يقبلها الله تعالى يكون مقابلها يوم القيامة أضاعاف مضاعفة، لكن مش مجرد فيلا وسيارة في هذه الحياة الفانية، ولكن مقابلها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
سليمان الراجحي