Untitled Document

عدد المشاهدات : 3041

الحلقة (168) من تدبر القُرْآن العَظِيم، تدبر الآيتين (271) و(272) من سورة البقرة، قول الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثامنة والستون بعد المائة الأولى
تدبر الآيتين (271) و(272) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ) والصَّدَقَاتِ هنا تشمل الزكاة والصدقة
لأن الصدقة تطلق على الزكاة المفروضة، وتطلق على صدقة التطوع، أما الزكاة فلا تطلق الا على الفرض فقط.
 (فَنِعِمَّا هِيَ) يعنى نعم ما فعل، وهذا مدح من الله تعالى لمن يؤدي الزكاة والصدقة 
(وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ)  وإن تخفوا الصدقات وتعطوها للفقراء سراً ، دون أن يراكم أحد من الناس 
(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فهذا خير لكم عند الله، لأنكم بإخفائكم للصدقة، تكونون قد ابتعدتم عن الرياء، وسترتم حال هذا الفقير المحتاج
(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) قلنا من قبل أن أصل كلمة الكفر هي الستر والتغطية، ولذلك سمي الزارع كافرًا لأن يستر البذور في الأرض، وسمي الكافر كافرًا لأنه يستر وجود الله تعالى.
فمعنى (يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) يعنى يستر عليكم سَيِّئَاتِكُمْ
فالجزاء من جنس العمل، أنت تستر الصدقة فيستر الله تعالى عليك سيئاتك.
قوله تعالى (مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) مِنْ هنا للتبعيض، يعنى يُكَفِّرُ عَنْكُمْ بعض سَيِّئَاتِكُمْ، كأنه تعالى يحثك على الصدقة تلو الصدقة، فهذه الصدقة تكفر بعض سيئاتك، وهذه الصدقة تكفر عنك بعض سيئاتك، حتى تكفر عنك الصدقات جميع سيئاتك.
 وفي الحديث: إِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ. 
(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يعنى الله -تعالى- يعلم علماً دقيقاً بكل ما تعملونه أيها المؤمنون، فعليكم أن تخلصوا له أعمالكم، وأن تراقبوه في سركم وجهركم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والسؤال هو لماذا يمدح الله تعالى صدقة العلانية، فيقول تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)
نقول أن الأصل في الصدقة هو الإخفاء
ولكن –مع ذلك- يمدح الله تعالى صدقة الجهر، لأن في بعض المواقف لا تستطيع أن تخفي الصدقة، فاما أن تتصدق ويري الناس صدقتك أو لا تتصدق .
جائك في مكان عملك ارملة فقيرة، اما أن تتصدق عليها ويراك الناس، أو ستمضى الى حال سبيلها ولا تتصدق عليها.
هناك جروب على الواتس يقومون بجمع المال لأحد الحالات الفقيرة، هل لأنك لا تريد أن يري أحد صدقتك تمتنع عن المشاركة معهم ؟ 
فالآية تقول لك: لا تجعل عجزك عن اخفاء الصدقة يمنعك من الصدقة. 
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) اذا لم تستطع أن تخفي صدقتك، وتصدقت أمام الناس فهو أمر حسن وهو أمر ممدوح من الله تعالى، ولكن الأصل والأفضل والخير هو أن تخفي صدقتك (وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
لا تجعل عجزك عن اخفاء الصدقة يمنعك من الصدقة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول  العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لا يَتِمُّ المَعْرُوفُ إلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ : تَعْجِيلُهُ وتَصْغِيرُهُ وسَتْرُهُ
قال بعض الشعراء : 
زَادَ مَعْرُوفُكَ عِنْدِي عِظَمًا     أَنَّهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ حَقِيرُ 
تَتَنَاسَاهُ كَأَنْ لَمْ تَأْتِهِ     وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَشْهُورٌ خَطِيرُ 
يقول ابن عباس أن صدقة السر تفضل صدقة العلانية بسبعين ضعفًا
وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) منهم (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها, حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)
و عن أم سلمة - رضي الله عنهما - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " صدقة السر تطفئ غضب الرب "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان على زين العابدين بن الإمام الحسين يحمل كل ليلة الصدقات والطعام، ويضعها على أبواب الفقراء والأرامل واليتام، وكان لا يستعين بعبد ولا خادم حتى لا يطلع عليه أحد، وظل سنوات طويلة والفقراء لا يعلمون من الذي يضع لهم هذا الطعام، فلما مات انقطع الطعام فعلموا أن الذي كان يضعها هو "على زين العابدين" وعندما غسلوه وجدوا على ظهره أثار الحبال التى كان يحمل بها الطعام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كان هناك رسام عمله هو الرسم وبيع اللوحات، وكان يأتيه الفقير فلا يعطيه، فكان الناس يذمونه ويصفونه بالبخل والشح، وكان في نفس البلدة جزار، فكان يعطي الفقراء، وكان ممدوحًا بين الناس معروفًا بينهم بالكرم والسخاء، ثم مات الرسام، وبعد أن مات ذهب الفقراء كعادتهم للجزار، ولكنه رفض أن يعطيهم كما كان يفعله، فتعجب الناس وقالوا له ما الذي حدث ؟ ما الذي غيرك ؟ فقال لهم: مات الذي كان يدفع اليكم ثمن اللحم. 
مات الذي كان يدفع اليكم ثمن اللحم. 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
كان الصحابة لهم اقارب فقراء من المشركين، فسألوا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل يتصدقون عليهم، فكأن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحب الصدقة اليهم طمعًا في اسلامهم
فنزلت هذه الآية الكريمة وقال تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ) يعنى أنت يا محمد لم تكلف بهدايتم، وانما كلفت بابلاغهم. 
(وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) أي من مال 
(فَلِأَنْفُسِكُمْ) اذن ليس هناك وجه للمن، فأنت عندما تنفق فأنت تنفق لنفسك ولمصلحتك وأنت المستفيد. 
(وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ) هذا خبر بمعنى النهي، يعنى لا تنفقون إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وطلب رضوانه تعالى.
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أي في الآخرة لا ينقص منه شيء 
(وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) أي لا تنقصون من الجزاء عليه شيئا ولو نقيرا أو فتيلا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هنا مسئلة فقهية
هل يجوز اعطاء الغير مسلم من زكاة المال أو الصدقة
جمهور العلماء على أن زكاة المال لا تكون الا للمسلم فقط
أما الصدقة فيجوز ان تكون للمسلم ولغير المسلم، سواء كان كافرًا أو يهوديًا أو نصرانيًا
وهناك رأي، وهو رأي ضعيف على أنه يجوز اخراج الزكاة لغير المسلم
وعليه فالأحوط والأبرأ للذمة اعطاء الزكاة للمسلم، أما اذا أردت اعطاء غير المسلم فتكون من الصدقة