تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة السبعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات من (275) الى (279) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة نزلت في تحرم الربا والذي كان منتشرًا قبل الاسلام، وهي من آخر آيات القرآن الكريم نزولًا
)الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا) يعنى الذين يتعاملون بالربا
وعبر تعالى عن أخذ الربا بالأكل، ليعطيك صورة تدل على الجشع، كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)
والربا في اللغة هو الزيادة.
يقال: ربا الشيء اذا زاد على ما كان عليه.
ومنه قوله تعالى (وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ....) أي : زادت .
ومنه الربوة، لأنها تزيد على ما حولها من الأرض
والربا شرعًا: هو زيادة على أصل المال يأخذها الدائن من المدين مقابل الأجل.
وصورة ذلك في الجاهلية كما في كتب التفسير
كان الرجل يبيع أرض أو ابل أو فرس أو غير ذلك بالأجل، بعنى يسدد الثمن بعد ذلك أو ثلاثة اشهر أو ستة، فاذا حل الأجل، ولم يستطع المدين السداد، قال له: اما ان تعطينى حقي الآن، واما أن تربي، يعنى تزيد في الثمن، ونؤخر الأجل، فاذا كانت القيمة مائة درهم تكون مائة وعشرون ، ونؤجل السداد ثلاثة أشهر أخري، فهذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد.
(لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)
(لَا يَقُومُونَ) يعنى لَا يَقُومُونَ من قبورهم يوم القيامة
(إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)
والتخبط هو الحركات العنيفة العشوائية الغير منتظمة.
كانت العرب تقول: ناقة خبوط، هي التى تضرب الناس بقوائمها
و(الْمَسِّ) هو الصرع أو الجنون، وأصله من المسّ باليد كأن الشيطان يمسُّ الإِنسان فيحصل له الصرع أو الجنون.
والمعنى أن آكل الربا يقوم من قبره يوم القيامة يتخبط كما يتخبط المصروع أو المجنون
لأن الناس اذا خرجوا من قبورهم يوم القايمة أسرعوا، يقول تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعاً) الا أكلة الربا، فانهم يقومون ويسقطون، لأن الله تعالى أربي الربا في بطونهم حتى أثقلهم ولا يقدرون على الاسراع
ويكون ذلك علامة آكل الربا يوم القيامة، يعرفهم بها أهل الموقف.
روي في قصة الإسراء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انطلق به جبريل إلى رجال كثيرٍ، كلُّ رجلٍ منهم بطنُهُ مثلُ البيتِ الضَّخْم، يقومُ أحدُهم فيميل به بطنه فيصرع، قال: قلت: "يا جبريل من هؤلاء؟ " قال: الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المس .
وهذه الصورة لها تعلق بصورته في الدنيا، لأن المرابي يكون في الدنيا في قلق مستمر واضطراب ووساوس وتفكير في مصير أمواله.
اذن هذه الصورة المفزعة للمرابي الذي تصوره الآية الكريمة هي صورة المرابي في الدنيا والآخرة.
ليس هذا فحسب بل هي صورة المجتمع كله عندما يتعامل مع الربا، وقد أثبت عدد كبير من رجال الاقتصاد والمال في العالم كله، وهم غير مسلمين، الى أن الأزمة المالية العالمية، والتخبط الاقتصادي في العالم كله، سببه هو تعاطي
المجتمعات بالربا
(ذَلِكَ) يعنى هذا العقاب الذي نزل بهم
(بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)
كان القياس أن يقولوا: إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعُ. لأنهم الكلام عن الرِّبَا، ولكنهم قَالُوا (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) وهذا أيضًا يدل على اضطرابهم في الحديث
والمعنى: قَالُوا كما أحل الله الْبَيْعُ أحل الله الرِّبَا
لأن الربا زيادة في نهاية الأجل، أما البيع فيمكن زيادة السعر في أوله
يعنى لو أخذ الرجل الدرهم درهمين في نهاية الأجل، هو مثل رجل اشتري شيئًا قيمته درهم برهمين.
فيرد الله تعالى على هذه الشبهة، فيقول تعالى:
(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) رد من الله تعالى عليهم
بأن الله تعالى أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
فالبيع شيء والربا شيء آخر
البيع زيادة مقابل سلعة
أما الربا فهو زيادة في مقابل وقت، أي زيادة في مقابل لا شيء.
(فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) يعنى من علم بنهي الله تعالى عن الربا
(فَانْتَهَى) يعنى كف عن الربا وتاب منه.
(فَلَهُ مَا سَلَفَ) يعنى له ما قبضه من ربا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وليس عليه أن يرده، ولكن ليس له ما اتفق عليه ولم يقبضه، لأن الله تعالى سيقول بعد ذلك (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ)
(وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) يعنى أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ فيما يأمره وينهاه، ويحل له وحرم عليه، وليس إليه من أمر نفسه شي.
(وَمَنْ عَادَ) يعنى وَمَنْ عَادَ الى التعامل بالربا بعد أن علم نهي الله تعالى عن التعامل بالربا (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ) يعنى الملازمون للنار (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هل مرض الصرع المعروف الآن يكون بفعل الشيطان ؟
الذين يقولون أن الصرع يكون بفعل الشيطان وأن علاجه يكون بالرقية الشرعية، يأخذون من قول الله تعالى في هذه الآية الكريمة (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) دليل على أن الصرع يكون بفعل الشيطان.
والذين يقولون أن الصرع ليس بفعل الشيطان، وانما هو أمر له اسباب عضوية، يقولون أن قوله تعالى (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) هو على سبيل التشبيه وليس الحقيقة
ونقول كما قال الامام محمد عبده أن الآية لا تثبت ذلك ولا تنفيه، والمسألة فيها خلاف بين العلماء.
وربما تكون –والكلام للإمام محمد عبده- الشياطين من أسباب الصرع للناس المستعدة أجسامهم للصرع.
وقد قسم ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد الصرع إلى قسمين:
الأول: صرع بتشنج الأعصاب؛ وهو ما نطلق عليه الآن "خلل في بعض خلايا المخ" وهذا أمر يقرر الأطباء ويعالج بالأدوية.
الثاني: صرع من الشيطان؛ وذلك لا علم للأطباء به؛ ولا يعالج بالأدوية الطبيبة، وانما يعالج بقراءة القرآن والأدعية النبوية الواردة في ذلك.
يقول الأطباء أن الصرع سببه هو "خلل في بعض خلايا المخ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)
يَمْحَقُ يعنى: يُنْقِصُ ويذهب.
وكانت العرب تطلق على نُقْصَانٍ القَمَرِ المحاق
فمال الربا ترفع منه البركة، فيظل في نقصان حتى يذهب المال كله.
يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُل."
"إن الربا وإن كثر فان عاقبته تصير إلى قل"
(وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يعنى ويزيد الصَّدَقَاتِ وذلك بالبركة التى تكون في المال، لأن الربا –كما ذكرنا- هو الزيادة
ينميها في الدنيا بالبركة
اذن مال الربا يقل، ومال الصدقة يزيد.
مع أن الظاهر أن الرِّبَا يزيد المال، والصَّدَقَاتِ تنقص المال.
أنت أقرضت رجلًا مائة جنيه، وردهم لك مائة وعشرة جنيهات، هذا ربا، والظاهر أنه زاد المال.
وآخر معه مائة جنيه تصدق بعشرة جنيهات، وأصبح معه تسعون جنيهًا، فالظاهر أن ماله قد قل.
هذا هو القانون المادي، أما القانون الألاهي، فهو (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) الرِّبَا هو الذي سيقل، والصَّدَقَة هي التى ستزيد.
يقول أحد العلماء ما رأيت مرابيًا الا مات مفلسًا
كلمة زكاة: تعنى لأنها تطهر المال، وتعنى أيضًا: النماء والزيادة
(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) يَعْنِي : وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ (كَفَّارٍ) يعنى مُصِرٍّ عَلَى الكفر (أَثِيمٍ) يعنى مُتَمَادٍ فِي الْإِثْمِ والمعصية، ومصر على أَكْلِ الرِّبَا.
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هناك الكثير من القصص عن عَاقِبَةَ الرِّبَا، كان هناك في بعض نَوَاحِي بِلادِ الْحَبَشَةِ رَجُلٌ يُرَابِي، مَعْرُوفًا بِالْمُرَابَاةِ وكَانَ فِيهِ تَجَبُّرٌ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الرَّجُلُ فَصَارَ يَطْلُعُ مِنْ قَبْرِهِ الدُّخَانُ، وأخذ أَهْلُهُ يسألون الْمَشَايِخَ، فَقَالَ لَهُمْ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتَسْمِحُوا لَهُ النَّاسَ الَّذِينَ كَانَ يعطيهم الْمَالَ بالربا، فَصَارُوا يَدُورُونَ عَلَى النَّاسِ وَيَقُولُونَ لهم سامحوا فلان، وظلوا كذلك حتى انْقَطَعَ هَذَا الدُّخَانُ مِنْ قَبْرِهِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
تقدم الحديث عن هذه المعاني
ولكن جائت هذه الآية في ذلك الموضع، لأن الله تعالى تحدث عن أحوال المرابين، فذكر تعالى ضدهم ليبين ما بين الحالين.
وهذه هي عادة القرآن العظيم، أنه تعالى اذا ذكر الوعيد، فانه يذكر بعده الوعد، فلما ذكر تعالى الوعيد للمرابي أتبعه بهذا الوعد للَذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)
(اتَّقُوا اللَّهَ) يعنى اخشوا الله وخافوا الله
(وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) يعنى واتركوا ما لكم عند الناس من ربا
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) هذا حض على الامتثال للأمر
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) فَإِنْ لَمْ تَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا، واصررتم على التعامل بالربا
(فَأْذَنُوا) يعنى فاعلموا، وهي مشتقة من "الأذن" لأن الأذن هي آلة الإعلام الأولى.
(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعنى فاعلموا أنكم محاربون لله ورسوله، وهذا وعيد عظيم لم يأت مثله في شيء من المعاصي، اذا جعل الله تعالى آكل الربا كمن يحارب الله ورسوله، وهو يدل على عظم هذا الذنب.
يقول الشعراوي –رحمه الله- حرب الله لا نقول فيها إلا قول الله: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) فلا يستطيع أحد أن يحتاط لها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ.
وفي الحديث الصحيح يقول -صلى الله عليه وسلم -:اجتنبوا السبع الموبقات -يعنى المهلكات- قالوا: وما هن يا رسول الله؟! قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف -يعني: يوم الحرب- وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) وَإِنْ تُبْتُمْ عن التعامل بالربا
(فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) فَلَكُمْ فقط أَمْوَالِكُمْ التى أقرضتموها دون زيادة
(لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ
لَا تَظْلِمُونَ بأخذ أموال زائدة على أَمْوَالِكُمْ، وَلَا تُظْلَمُونَ بأن ينقص من أموالكم، والتى هي أصل الدين
لأن من الجائز أن يأتي المدين الذي أخذ منه الربا سابقًا، ويريد أن ينقص من أصل الدين، بدعوي أن الدائن قد أخذ منه قدرًا زائدًا من المال من قبل، وبذلك يكون قد ظلم من ظلمه، ويريد الله تعالى أن ينهي الظلم على إطلاقه، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم.
وهذه قضية هامة، عندما تأتي نظرية جديدة في المجتمع، فانها لا تكتفي بأن تكف الظالم عن ظلمه، ولكن تمكن المظلوم من أن يظلم من ظلمه، فيحدث الاجحاف في المجتمع
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قلنا أن الربا يؤدي الى أزمات مالية عالمية، وتخبط اقتصادي في العالم كله، ما السبب في ذلك ؟
السبب هو أن الربا هو السبب الرئيسي للتضخم، والتضخم هو الارتفاع في المستوى العام للأسعار وما يترتب على ذلك من تدهور في القوة الشرائيّة للنقود، وبالتالي يؤدي هذا التضخم الى ما يطلق عليه في الاقتصاد بالكساد أو الانكماش الاقتصادي.
لماذا يؤدي التعامل بالربا الى التضخم ؟ لأن أي سلعة محملة بتكاليفها، مثل المواد الخام وأجور العمال ... الخ، وهذا ما يطلق عليه في الاقتصاد "التكاليف التشغيليّة"
فاذا اضفت الى هذه "التكاليف التشغيليّة" فوائد القروض -20% مثلًا- فسيؤدي ذلك ولاشك الى ارتفاع المستوي العام للأسعار، أي الى التضخم، وبالتالي الى الكساد.
ولذلك ظهرت في اقتصاديات الغرب الآن ما يطلق عليه "سياسة سعر الفائدة صفر" يعنى عدم التعامل بالربا، وهذه السياسة الاقتصادية تؤدي الى تحفيز الاستثمار، وزيادة الانتاج، وانخفاض البطالة، وانخفاض التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي.
وأول من طبق هذه السياسة هي اليابان في تسعينيات القرن الماضي، ثم قلدتها الولايات المتحدة، ثم دول الاتحاد الأوروبي، وتحاول الصين وكوريا تطبيق هذه السياسة
بل لجأت اليابان وبعض الدول الأوربية الى خفض سعر الفائدة عن الصفر، وهو ما يطلق عليه "أسعار الفائدة السلبية"
|