تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة الأولى
تدبر الآية (284) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) كل شيء فِي السَّمَوَاتِ أو فِي الْأَرْضِ ملك لله تعالى، وجميع الخلق ملك لله تعالى، وجميع ارواح الخلائق ملك لله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
اعتقد البعض أن معنى الآية، أن الله تعالى سيحاسبنا على ما في أنفسنا، وعلى خواطر نفوسنا، يعنى أن نفسك اذا حدثتك بالمعصية فان الله تعالى سيعاقبك على حديث نفسك.
ولذلك قالوا أن هذه الآية قد نسختها الآية بعد التالية لها (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
وهذا غير صحيح لأن الله تعالى لم يقل "وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ عليه اللَّهُ"
وانما قال (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) يعنى يحاسبنا بنياتنا، يعنى يحاسبنا على أساس نياتنا، يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"
فلو أن رجلًا تزوج ليعف نفسه فهو مأجور، ومن تزوج طمعًا في مال المرأة فهو معاقب، مع أن العمل واحد، اذن هو تعالى حاسبنا بما في أنفسنا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
ورد في الحديث الصحيح أنه لو كان رجلًا فقيرًا وقال بصدق نية لو أن لى مالًا لعملت بعمل فلان الذي يتقي الله في ماله، فأجرهما سواء
ولو كان رجلًا فقيرًا، وقال لو أن لى مالًا لعملت بعمل فلان الذي لا يتقي الله في ماله، فوزرهما سواء.
اذن هنا حاسبك الله تعالى بما في نفسك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
ورد في الحديث الصحيح أن من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن هم بمعصبية فلم يعملها كتبت له حسنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لو جاء للإنسان خاطر في أمور جنسية فاستعاذ بالله وصرف عقله عنها فهو مثاب علي ذلك
وأما اذا استدعي هذه الخواطر، واسترسل فيها ومضى معها واستغرقته فهو معاقب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولو عزم الانسان على ارتكاب معصية، ثم منعه أمر خارج عن ارادته، فانه معاقب من الله تعالى
وذلك كمن عزم على السرقة، واتخذ الاسباب لذلك، ولكنه لم يستطع تنفيذ السرقة لأسباب خارجة عن ارادته، فهو معاقب على نيته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هناك صور كثيرة، وهناك أحوال كثيرة يحاسبنا الله تعالى على ما في أنفسنا.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما الخواطر التى تأتي على ذهن الانسان فلا تشملها هذه الآية الكريمة، ولذلك لما نزلت هذه الآية على الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشتد ذلك على الصحابة فأتوا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وجثوا على ركبهم، وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها،
فأنزل الله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) رفعًا للحرج، وأن المقصود ليس أن يحاسبنا الله تعالى على خواطر نفوسنا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
قال العلماء أن هذه الآية لها ارتباط بالآية السابقة، لأن الآية السابقة حذر الله تعالى من كتمان الشهادة، فقال تعالى (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ) فقال تعالى في هذه الآية الكريمة (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ) يعنى وان تظهروا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنَ الشَّهَادَةِ، (أَوْ تُخْفُوهُ) أو تخفوا الشهادة (يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)
أو حتى هي متعلقة بآية الدين من أولها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) قدم الله تعالى المغفرة على العذاب، لأن مغفرته تسبق عذابه، ورحمته تسبق غضبه.
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والله تعالى قادر على المغفرة وقادر التعذيب.
|