Untitled Document

عدد المشاهدات : 3896

الحلقة (176) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الايتين (285) و(286) من سورة البقرة، قول الله تعالى: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السادسة والسبعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيتين (285) و(286) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هاتين الآيتين هما خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وقد تحدثنا في الحلقىة السابقة عن فضل هاتين الآيتين الكريمتين، وقلنا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن هاتين الآيتين من خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ.
وذكرنا حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ"
يعنى كَفَتَاهُ من كل شر وسوء وأذي
و كَفَتَاهُ شر الشياطين
و كَفَتَاهُ أوأجزءتاه عن قيام الليل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة لها سبب نزول، وهو أنه لما نزل قول الله تعالى في الآية السابقة )لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284(
اشتد ذلك على الصحابة فأتوا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجثوا على ركبهم، وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها. 
فقال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، وجعل الصحابة يرددون هذه الجملة الكريمة، فأنزل الله تعالى هذه الآية يمدح الله تعالى فيها، ويثنى فيها على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى المؤمنين من أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال تعالى  (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) 
وهذه الآية مناسبة لأن تختم بها سورة البقرة، لأن سورة البقرة فيها الكثير من الحدود والأحكام في الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد والقصاص والطلاق والعدة والربا والدين، فناسب أن تختم السورة بتصديق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنون بما جاء في هذه السورة من أحكام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (آَمَنَ الرَّسُولُ) أي صدق الرسول وهو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
(بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) وهو الوحي سواء القرآن العظيم أو السنة.
وروري أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نزلت عليه هذه الآية قال  "وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ."
وتصديق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقرآن والسنة هو العمل بما جاء في القرآن والسنة، و الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أكثر الناس التزمًا بما جاء به الوحي، وهو الكتاب والسنة.
(وَالْمُؤْمِنُونَ) أي وكذلك الْمُؤْمِنُونَ آمنوا بالقرآن العظيم، والسنة. 
(كُلٌّ آَمَنَ) أي كُلٌّ من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنُونَ، وهذا الجمع بين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنُونَ، فيه تكريم وتشريف للمؤمنين   
(بِاللَّهِ( والإيمان بالله يتضمن ثلاثة أمور: ايمان بوجود الله تعالى، وايمان بألوهية الله تعالى، يعنى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وايمان بأسمائه وصفاته 
(وَمَلَائِكَتِهِ) والايمان بالملائكة، هو الايمان بوجود الملائكة، لأن الملائكة غيب، لم نعلم عنهم الا بأخبار الله تعالى لنا 
(وَكُتُبِهِ) وقرأت (وكِتَابِهِ ) والمعنى أن نؤمن بجميع الكتب التى أنزلها الله تعالى على عباده من رسله وأنبيائه، وهذه الكتب نحن لا نعرف عددها بالتحديد، وقد قال العلماء ان كل رسول أنزل معه كتاب، والذي نعرفه منها هو ما ذكره القرآن العظيم: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى
ومعنى الايمان بالكتب، أي نؤمن بأن الله تعالى أنزل القرآن على محمد، وأنزل التوراة على موسى، وأنزل الإنجيل على عيسى، وآتى داود الزبور، وأنزل صحفاً على إبراهيم، وأنزل صحفاً على موسى
ولكن نؤمن كذلك أن التوراة التي بأيدي اليهود اليوم، والإنجيل الذي بأيدي النصارى اليوم قد حرفوا فيها وبدلوا وكتموا الحق. 
(وَرُسُلِهِ) ونؤمن بجميع أنبياء الله ورسله 
(لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) والتقدير: يقولون: لا نفرّق بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ 
والمعنى: أي لَا نُفَرِّقُ بالإيمان بين أحد من رسل الله، منذ آدم حتى محمد -صلوات اللَّهُ وسلامه عليهم جميعًا- سواء الذين قصهم الله أو لم يقصصهم الله، ولا نفعل مثل أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، لأن رسالة جميع الأنبياء واحدة، وهي رسالة الاسلام، وان اختلفت الشرائع حسب ظروف الزمان والمكان لكل رسول.
وهناك قراءة (لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)
(وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) 
(سَمِعْنَا) ليس المقصود سماع الأذن، ولكن المراد سماع القبول، كمن يقول اسمع كلامي
(وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) هذا هو قول المؤمنين في استقبال أوامر الله تعالى 
(غُفْرَانَكَ رَبَّنَا) أي‏:‏ نسألك غفرانك رَبَّنَا، وهذا‏ تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ للمؤمنين الدعاء.
عن ابن عباس اذا قرأت (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا) قال الله تعالى: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
(وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) هذا إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
عن جابر قال: لما نزلت هذه الآية على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال جبريل: يا محمد إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) 
فاستجاب الله تعالى لدعاء رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا ما تستطيعه وتتحمله وتطيقه، وإذا كانت بعض التكاليف فيها مشقة، كالجهاد والصيام والحج مثلًا، فإنها مشقة محتملة وفي وسع الإِنسان وقدرته وطاقته.
.
وهذه الآية هي التي رفع بها الله تعالى الحرج عن المؤمنين لأنه لما نزل قول الله تعالى )لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284(
اشتد ذلك على الصحابة فأتوا الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجثوا على ركبهم، وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها. فأنزل الله تعالى قوله )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يعنى ليس المقصود بقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) أنه تعالى سيحاسبنا على حَدِيثُ النَّفْسِ، لأن حَدِيثُ النَّفْسِ أمر ليس في طاقة الإنسان ولا وسعه.
.
قوله تعالى )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يعنى أن اي تكليف من الله تعالى فهو في وسعك وقدرتك وتستطيع أن تتحمله
والبعض يفهم هذه الآية فهمًا خاطئًا، ويستدل بها في غير ما أريد بها.
تقول لأحدهم: عليك أن تصلى الفجر في وقته قبل شروق الشمس، فيرد عليك: لآ أستطيع )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
نقول الآية دليل عليك وليس لك، لأن المعنى طالما أن الله تعالى أمرك بالصلاة في وقتها، فلابد أنك تستطيع ان تفعل ذلك، والدليل هو قوله تعالى )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
تقول لأحدهم عليك بغض البصر، فيقول لا أستطيع، ويستدل بقوله تعالى )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
نقول أن الآية دليل عليك وليس دليل لك، اذا كان الله تعالى قد أمر بغض البصر، فلابد أنه باستطاعتك أن تغض بصرك، والا لما كلفك الله به.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) 
أي لها ثواب ما كسبت من حسنات بسبب أعمالها الصالحة، وعليها عقاب ما اكتسبت من سيئات بسبب أعمالها السيئة .
وهنا قال تعالى في الخير "كسب" وفي الشر "اكتسب" كأن الخير أمر لا يحتاج الى تكلف لأنه يتوافق مع فطرة الانسان، أما الشر فهو يحتاج الى تكلف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)
(لَا تُؤَاخِذْنَا) أي لا تعاقبنا. وقرأت (لَا تُواخِذْنَا)
(إِنْ نَسِينَا) النسيان هو الذهول عن الشيء، كمن نسي صلاة في وقتها حتى خرج الوقت. 
(أَوْ أَخْطَأْنَا) الخطأ هو أن تفعل خلاف الصواب بسبب الجهل، كم اراد صيد طائر، فقتل انسان.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)
"الإِصر" في اللغة هو الثقل والشدة، مأخوذ من "أصر" بمعنى حبس، كأن الثقل والشدة تحبس صاحبها في مكانه فلا يتحرك. 
والمعنى ربنا ولا تلقي علينا تكاليف شديدة، نعجز عن أدائها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)
يعنى كما كلفت بعض الأمم التي سبقتنا
مثل بنى اسرائيل الذين كلفهم الله تعالى بتكاليف شاقة عليهم، عقابًا لهم على تعنتهم وفسوقهم، فكانت عليهم خمسين صلاة في اليوم، وحرم عليهم شحوم الغنم، ولحوم الإبل، ولحوم كُلّ ذِي ظفر، وقرض موضع النجاسة.
9
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)
الطاقة هو ما يمكن أن يفعله الانسان بمشقة، وهو من الطوق المحيط بالإنسان.
والمعنى لا تكلفنا من الأعمال الشاقة ما يكون فعلها بأقصى القدرة والقوة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) 
(وَاعْفُ عَنَّا) أي تمحو ذنوبنا.
(وَاغْفِرْ لَنَا) أي استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا بها.
فالعفو المسامحة، والمغفرة المسامحة مع الستر.
ربما أقول لك أمام الناس: أنت فعلت كذا وكذا وكذا وأنا سامحتك، هذا عفو
أما المغفرة فاسامحك دون أن يعلم أحد اي شيء
(وَارْحَمْنَا) وأن تشملنا برحمتك.
(أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
أنت يا رب الذي تتولى أمورنا، فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
وقد ورد في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن الله - تعالى - قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات : قد فعلت " .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَنْـزَلَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ‏.‏
عَنِ الضَّحَّاكِ لما نزل جبريل بقول الله ‏(‏رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏) فقالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ جِبْرِيلُ‏:‏ قَدْ فَعَلَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏‏فلما قال جِبْرِيلُ (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏) فقالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏‏ فَقَالَ‏ جِبْرِيلُ: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ‏)‏، فَقَالَهَا‏) فقالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏‏ فَقَالَ‏ جِبْرِيلُ: (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏)  فقالها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ يَا مُحَمَّدُ‏.‏‏
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في تفسير الطبري:  جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا هذه الآية فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما صعد في ليلة المعراج، حتى جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل: إني لا أجاوز هذا الموضع، ولا يجاوز هذا الموضع أحد غيرك، فجاوز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ الموضع الذي شاء الله , فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربك, فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: التحيات لله والصلوات والطيبات .
قال الله تعالى : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
فقال جبريل وأهل السموات كلهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
ثم قال الله تعالى يمدح نبيه: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"
فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" 
فقال له ربه كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها ؟ وهو قوله : "إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" 
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"
فقال الله تعالى عند ذلك: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
لها ما كسبت  وعليها ما اكتسبت" 
فقال جبريل عند ذلك : سل تعطه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"
فقال له جبريل: قد أعطيت ذلك قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان .
فسل شيئا آخر فقال : "رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا" 
ثم قال: "رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" فاستجيبت دعوته .