Untitled Document

عدد المشاهدات : 3247

الحلقة (179) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (7) و(8) و(9) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات (7) و(8) و(9) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) أي هُوَ الله الذي أنزل عليك يا محمد الْكِتَابَ، وهو القرآن العظيم.
(مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) 
قسم الله تعالى آيات القرآن العظيم إلى قسمين: آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ، وآَيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ، أو كما نقول: محكم ومتشابه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نتحدث أولًا عن معنى (آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)
مادة الحاء والكاف الاميم، تأتي بمعنى المنع، فمنه الحاكم لأنه يمنع الظلم، والحكمة تمنع من الجهل، وحكمة الفرس، هي الحديدة التى تكون في لجام الفرس لتمنعه من الجموح، واحكم الشيء أي أتقنه فمنع تطرق الخلل اليه.
فمعنى (آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) يعنى آَيَاتٌ واضحة المعنى، بحيث أنها تمنع اي رأي خلاف المقصود منها.
اذن (آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) يعنى آَيَاتٌ بينة وواضحة المعنى 
مثل قوله تعالى (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ) 
أو قوله تعالى (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)
أو قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)
أو قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ)
وهذه الآيَاتٌ المُحْكَمَاتٌ تكون في أساسيات العقيدة، والحلال والحرام والحدود والفرائض، لأن هذه الأمور يجب فيها الوضوح ولا تحتمل اللبس
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)
اذا تشابه اثنان، فاذا كان التشابه تام يطلق عليه "تماثل" كما نقول توأم متماثل
واذا كان التشابه كبير نطلق عليه "متشابه" يعنى التشابه كبير لدرجة أن يحدث لبس بين الإثنين. كما في قوله تعالى (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا( يعنى جميع البقر يشبه بعضهم بعض
فالآيات المتشابهة، هي الآيات التى ألفاظها تشبه ألفاظ أخري مختلفة في المعنى، فيحدث الالتباس في المعنى عند بعض الناس.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ونضرب مثال على الايات المحكمة والآيات المتشابهة
نذكر مثال على نص غير قرآني، لو قلت لأحدهم أعطي فلان ألف جنيه، فهذا نص محكم لأن رقم الألف لا يختلف عليه أحد.
لكن لو قلت أعطي فلان ألف جنيه ونصف، فقد يفهمها البعض بأنك تقصد ألف جنيه ونصف الألف يعنى ألف وخمسمائة، وقد يفهمها البعض الأخر بأن المقصود ألف جنيه ونصف جنيه، فهذا نص متشابه، يعنى كلمة واحدة، وهي كلمة نصف، ولها معنيين.
نذكر مثال من نص قرآني: يقول تعالى (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) كلمة واحد لفظ محكم لأنه لا يحتمل أي معنى آخر
 في سورة التوبة (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) لفظ (فَنَسِيَهُمْ) لفظ متشابه لأن النسيان يأتي بمعنى الغفلة، ويأتي بمعنى الترك، اذن هما كلمتان، اللفظ واحد ولكن المعنى مختلف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ)
الأم يعنى الأصل، كما نقول الأم بمعنى الوالدة، أو كما نقول أمهات الكتب، يعنى أصول الكتب التى نرجع اليها
فالآيات المحكمة هي أُمُّ الْكِتَابِ، يعنى هي الآيات التى نرجع اليها اذا التبس علينا فهم أي آية.
فاذا كانت هناك آيات متشابهة نفهمها على أساس الآيات المحكمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) والزَيْغٌ هو الميل عن الاستقامة والميل عن الحق.
(فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) فيبحثون وينقبون عن الآيات المتشابهة، لأن هذه الآيات المتشابهة هي التى يمكن أن يحرفونها الى مقاصدهم الفاسدة، أما الآيات المحكمة فانهم يتعمدون تجاهلها لأنهم لا يستطيعون أن يحرفونها الى مقاصدهم الفاسدة، ولأنها حجة عليهم.
(ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) 
الإبتغاء هو الطلب بشدة.
فهم يفعلون ذلك بهدف فتنة الناس واضلالهم
(وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) التأويل هو صرف الشيء عن ظاهره، مثل شخص يري رؤيا طيور تطير، فهي تؤول بغير ظاهرها بالرزق والخير.
فاذن قوله تعالى (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) تعنى بهدف صرفه عن مراده.
مثل قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ) قال أحدهم فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا يعنى قطع السارق عن المجتمع، وهو السجن.
وما من فرقةٍ ضالةٍ إلا اعتمدت على معنىً من معاني المتشابهات التي ما أرادها الله عز وجل.
مثل رجل ادعي النبوة، عندما قالوا له أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو خاتم الأنبياء بدليل قوله تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ( يقول لك ليس معنى (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) أنه آخرهم والا توقف الهداية والرحمة الربانية، ولكن (خَاتَمَ النَّبِيِّينَ) يعنى زينة الأنبياء 
اذن هؤلاء عندهم مرادات سابقة، ويؤلون الآية عليها، بهدف فتنة الناس واضلالهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ)
الرسوخ هو الثبات والتمكن في الموضع
فهؤلاء الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وهم اهل الحق، فانهم (يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعنى يؤمنون بالآيات المحكمة والآيات المتشابهة، لأن مصدرها واحد وهو الله تعالى.
وهؤلاء –بمفهوم المخالفة- لا يفعلون مثل (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)  
ولكنهم يردون المتشابه الى المحكم
فيجعلون المحكم هو مرجعهم لفهم المتشابه.
أي يفهمون المتشابه في ضوء المحكم
اي ان المحكم هو الذي يفسر المتشابه
اذن رسوخهم في العلماء ليس معناه أنهم علماء كبار وقفوا حياتهم على طلب بالعلم، ولكن رسوخهم في العلم أنهم قالوا (آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وردوا المتشابه على المحكم
.
مثل صفات الخالق التى في القرآن الكريم أو في السنة الصحيحة، كقوله تعالى (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أو قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) أي ساق الرحمن، كل هذه آيات متشابهة تفهم على أساس وفي ضوء وفي اطار الآية المحكمة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)
.
مثل قوله تعالى في سورة فاطر (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) هذه آية محكمة، ويقول تعالى في سورة المؤمنون (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) هذه آية متشابهة، فهذه الآية نردها الى الآية المحكمة لتحكمها (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)
.
يقول تعالى في سورة طه (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) هذه آية محكمة، ويقول في سورة التوبة (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فيقول الذين في قلوبهم زيغ أن الله ينسي، فنقول له ارجع الى الآية المحكمة (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) فتعرف أن المقصود من (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي فتركهم في العذاب.
ولذلك قال أهل العلم لو رد أهل النظر المتشابه الى المحكم لأصبحت كل الآيات محكمة، ولاذلك قال تعالي في سورة هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسنذكر امثلة أخري على الذين فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، وأمثلة لأهل الحق وهم الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الذين يردون المتشابه الى المحكم.
أوضح مثال هو سبب نزول الاية، فالآيات –كما ذكرنا في الحلقات السابقة- نزلت في وفد نَّصَارَى نجران قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحٌ مِنْهُ ؟ قَالَ: بَلَى. قَالُوا: فَحَسْبُنَا. 
لأن الله تعالى قال في سورة النساء (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) فأخذوا من ذلك أن عيسي هو جزء من الله فادعوا له الألوهية، وتركوا المحكم وهو قول الله تعالى في شأن عيسي في سورة الزخرف (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ)
اذن هم اتبعوا المتشابه لينزلوه على مقاصدهم الفاسدة، وتركوا الآية المحكمة
أما أهل الحق وَهم الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، فيردون المتشابه الى المحكم، ويقولون أن الروح أضيفت الى الله تشريفًا لعيسي عليه السلام، كما نقول (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ) أو (بيت الله)
مثال ثاني: قوله تعالى: (إنا نحن نحيي الموتى). وقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وغير ذلك مما أضاف الله فيه الشيء إلى نفسه بصفة الجمع، فيتبع النصاري هذا المتشابه ويقول: إن الله ثالث ثلاثة، لأن الله تعالى تحدث عن نفسه بصيغة الجمع وأقل الجمع ثلاثة، وترك المحكم الدال على أن الله واحد يقول تعالى (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو)
وأما الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فيردون هذا المتشابه الى المحكم فيحملون الجمع على التعظيم.
مثال ثالث : يقول تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في كتابه العظيم (إنك لا تهدي من أحببت) ثم يقول (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) فيقول من في قلبه زيغ: في القرآن تناقض.
وأما الراسخون في العلم فيقولون: لا تناقض في الآيتين فالمراد بالهداية في الآية الأولى هداية التوفيق، وهذه لا يملكها إلا الله وحده فلا يملكها الرسول ولا غيره، والمراد بها في الآية الثانية هداية الدلالة وهذه تكون من الله تعالى، ومن غيره فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهناك متشابه لا يعلمه الا الله تعالى، حتى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لا يعلمونه مثل صفات الخالق، كقوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أو قوله تعالى (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أو قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ولذلك عندما جاء رجل الى الإمام مالك في مجلسه وسأله عن هذه الآية قال له )الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) 
وهذه يستقبلها كذلك (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بقولهم (آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولذلك هناك مذهبين في الوقف، وهذا الموضع من أشهر مواضع الخلاف في الوقف: 
الأول: مذهب الجمهور، وهو الوقف على قوله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ)
الثاني مذهب كثير من السلف وهو الوقف عند قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) 
فالراي الأول يعنى أن هذا المتشابه لا يعلم تأويله الا الله، والجملة التى بعدها جملة جديدة، والواو بعدها واو استئنافية 
والرأي الثاني أن المتشابه يعلم تأويله الله تعالى وكذلك الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يعلمونه، فالواو بينهما واو عاطفة
.
ونحن نقول أنه لا ينبغي أن يكون هناك خلاف في الوقف في هذا الموضع، وينبغي أن يكون الوقف جائز بعد قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) 
لأن الوقف يحمل معنى، والوصل يحمل معنى آخر، والآية تحمل المعنيين
اذا وقفت بعد قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ) فالمراد به المتشابه الذي لا يعلمه الا الله تعالى، حتى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لا يعلمونه مثل قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وهذه الايات يستقبلها (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بقولهم (آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)

أما اذا قرأت على الوصل (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فالمراد هم أهل الحق وأهل العلم الذين يردون المتشابه الى المحكم، ويفتح الله تعالى عليهم بفهم المتشابه.
ولذلك كان يقول ابن عباس " أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله "
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ما الحكمة في الآيات المتشابهة في القرآن الكريم.
نقول لو كان كل القرآن محكم، لتوقف الأخذ من القرآن
فجعل الله تعالى المتشابه حتى لا يتوقف الأخذ من القرآن الى يوم القيامة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ملخص تدبر الآية الكريمة أن الله تعالى يخبرنا أن القرآن الكريم قسمين: آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ، وآَيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ، فالآيات المُحْكَمَاتٌ يعنى آيات واضحة المعنى، والآيات المتشابهات هي آيات لها أكثر من معنى.
فأما أهل الضلال (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) فانهم يبحثون عن الآيات المتشابة، فيفسرونها بما يخدم مقاصدهم الفاسدة، ويتجاهلون الآيات المحكمة.
وأما أهل الحق (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فانهم يردون المتشابه الى المحكم، فيفهمون المتشابه في اطار المحكم وفي ضوء المحكم، لأن مصدر جميع الآيات واحد وهو الله تعالى 
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة هامة جدًا لأن هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بأن (فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) موجودون في كل زمان، قديمًا وحديثًا، ونجدهم الآن يتحدثون في الفضائيات ليلًا ونهارًا أو عبر مواقع التواصل عبر النت، والتى يطلق عليها سوشيال ميديا، ويحملون لقب "مفكر اسلامي" أو"كاتب اسلامي" وهو اما انه ملحد منافق يدعي الاسلام، أو أن الشيطان قد غره وهو يعتقد بالفعل أنه مفكر اسلامي، وأنه قد أتي بما لم يأت به أحد.
ولذلك ختم الله تعالى هذه الآية الكريمة بقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ) يعنى أصحاب العقول، يعنى هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم، ويحسبهم بعض الناس مفكرون، هم في الواقع لا عقل لهم.
ولذلك نصيحتى لمن يلتبس عليه أمر من هذه الأمور المتشابهة، أن يرده الى المحكم في القرآن العظيم، ويقول (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) أو أنه يسأل أهل العلم، كما قال تعالى ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )
ولذلك نجد في الآية التالية هذا الدعاء العظيم (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) 
وهذا دعاء (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) كأنهم عندما رأوا أحوال (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ) خافوا على أنفسهم أن تزيغ قلوبهم عن الحق، فقالوا هذا الدعاء (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) والزيغ هو الميل عن الاستقامة (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) 
ولذلك كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر من هذا الدعاء (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ‏) ثم يقرأ هذه الآية
يقول العلماء أكثر من هذا الدعاء في موسم الطاعات، في رمضان وفي العشر الأوائل من ذي الحجة، وعندما يفتح الله لك في أي عبادة
واسم الله تعالى (الْوَهَّابُ) ذكر في القرآن العظيم ثلاث مرات، ومعنى (الْوَهَّابُ) يعنى كثير الهبات والعطايا، وهو الذي يعطي بجود بدون مقابل وبدون استفادة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)
(رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ) يعنى جَامِعُ النَّاسِ للحساب والجزاء يوم القيامة، ولذلك من أسماء يوم القيامة "يوم الجمع" لأن الله تعالى يجمع فيه الأولين والآخرين ويجمع جميع المخلوقات في هذا اليوم.
(لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ) يعنى لا شك في وقوع هذا اليوم وهو يوم القيامة.
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) كأن تقدير الكلام: فاغفر لنا يارب في هذا اليوم وأدخلنا الجنة كما وعدتنا فانك يا رب لا تخلف الْمِيعَادَ.
قيل أن من ضاع منه شيء يقرأ هذه الاية ثم يقول بعد قراءتها: (يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين كذا إنك على كل شيء قدير)