Untitled Document

عدد المشاهدات : 2325

الحلقة (186) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (23) و (24) و(25) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة  السادسة والثمانون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات (23) و (24) و(25) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن رجلاً وامرأة من أشراف اليهود من خيبر قد زنيا، وكان في شريعتهم رجم الزاني، ولكن اليهود كرهوا رجمهما لأنهما كانا من أشراف اليهود، فَحَكَمُوا فيهما الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- رجاء أن يحكم عليهما بغير الرجم، ولكن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حكم عليهما بالرجم، فقال له بعضهم: جرت عليهما يامحمد، ليس عليهما إلا التحميم، والتحميم هو أن يُسَّوَد وجه الزاني بالفحم ويطاف به في الأسواق اهانة له، فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- "بيني وبينكم التوراة" قالوا: قد أنصفتنا، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: فمن أعلمكم بالتوارة ؟ قالوا "ابن صوريا الفدكي " فاتوا به، وكان جبريل قد أعلم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بموضع رجم الزاني في التوراة، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لإبن صوريا  اقرأ من موضع كذا، فقرأ "ابن صوريا" حتى اذا بلغ آية الجرم، وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها، وكان في المجلس "عبد الله بن سلام" وكان من أحبار اليهود وكان قد أسلم، فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله قد جاوزها، وقام "عبد الله بن سلام" وأزاح كف "ابن صوريا" ثم قرأ على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وعلى اليهود في المجلس من التوراة أن المحصن والمحصنة اذا زنيا رجما، فغضب اليهود وتركوا المجلس وانصرفوا.   
قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله قد جاوزها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَلَمْ تَرَ) وهذا سؤال على سبيل التعجب، يعنى تعجب أيها السامع من أحوال هؤلاء، كما قال تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ)
كما نقول نحن: أرايت فلان كيف صنع ؟ 
(إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) قوله تعالي (أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) إما لأنهم حرفوا في التوراة، ولم يبق من التوراة الحقيقة التى لم تحرف الا جزءًا منها
أو لأنهم لم يقبلوا من التوراة الا جزء منها ورفضوا الجزء الآخر، كما في سبب نزول الآية حين قبلوا بعض الكتاب ورفضوا آية رجم الزاني.
(يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ) وهو التوارة 
(لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) وقرأت (لِيُحْكَمُ بَيْنَهُمْ) والمعنى واحد.
(ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ)
لم ينسب الله تعالى التولى الى جميعهم، وانما نسبه تعالى إلى فريق منهم، لأن منهم من أسلم ولم يتول مثل عبد الله بن سلام ومخيريق والسيدة صفية وريحانة وغيرهم.
(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) 
ما الفرق بين التولى والإعراض.
التولي يكون بالبدن والاعراض بالقلب.
فاذا ترك الانسان مجلسًا ببدنه، وقلبه معرض عنه، فهذا يعنى أنه يرفضه تمامًا
كما حدث في سبب نزول الآية حين ترك اليهود مجلس الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وهم معرضون عن الحكم الذي جاء به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من التوراة 
فقول تعالى (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) 
كناية عن الرفض الكامل لما جاء في كتاب الله.
(ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وحين نقرا مثل هذه الايات التى تظهر سوءات اليهود لا ينبغي أن تنصرف اذهاننا الى اليهود فقط، ونصب عليهم اللعنات، فان اليهود قد مضوا، ونحن المخاطبون بالقرآن، فالقرآن الكريم حين ينتقد موقفًا من مواقف اليهود، فحتى ينبهنا نحن حتى لا نقع في مثل ما وقعوا فيه من الأخطاء 
فالاية تتعجب من اليهود الذين اخذوا أشياء من التوراة، وتركوا أشياء. 
وكذلك المسلمون الآن يأخذون من القرآن ما يشائون ويتركون ما يشائون 
فمثلًا التى لها ميراث عند أخيها تتكلم عن حق النساء في الميراث، واذا كانت لها بنت تريد أن تحرم العم، 
وتجد رجل حج بيت الله ويتصدق ويذبح الضاحي ويحرم اخته من الميراث
فكل واحد يريد أن يأخذ من القرآن ما يناسبه
فهذه الآية التى قرأنها على  اليهود ينبغي أن نقرأها اليوم على أنفسنا 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)
(ذَلِكَ) يعنى هذا الرفض لكتاب الله أو لبعض آيات كتاب الله، سببه هو استهانتهم واستخفافهم بالعقوبة
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) وكلمة (مَعْدُودَاتٍ) يعنى ايام قليلة، فهم في اعتقادهم أن أقصى مدة ممكن أن يقضيها اليهودي في النار هي أربعين يومًا، وهي مدة عبادة أسلافهم للعجل، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة.
وقال بعضهم لن يعذب يهودي أكثر من سبعة أيام، فهذه الدنيا  سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار، فهي سبعة آيام . 
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
(غَرَّهُمْ) أي خدعهم.
 (فِي دِينِهِمْ) 
(مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ على الله عز وجل، فقالوا أننا لن نعذب أكثر من أربعين يومًا، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: إن آباءنا الأنبياء سيشفعون لنا، وإن الله وعد يعقوب ألا يعذب أبناءه.
هذه الافتراءات على الله تعالى، وهذه الأوهام، هي التى غرتهم أي خدعتهم في دينهم، فجعلتهم يستسهلون العقوبة، ويستسهلون الوقوع في المعاصى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا أيضًا أمر وقع فيه المسلمون، فغالبية المسلمون يعتقون أن مجرد انتسابهم للدين، ومجرد أن اسم أحدهم محمد أو أحمد، وأنه مكتوب في خانة الديانة في بطاقة هويته مسلم، أن ذلك كاف في نجاته من النار ودخوله الجنة.
وهذا الذي يجعل كثير من المسلمين، يتهاونون في الفرائض والطاعات، ويرتكبون المحرمات بلا مبالاة.
اذن –مرة أخري- هذه الايات وان كانت قد نزلت في اليهود، فنحن المسلمون المخاطبون بها والمعنيين بها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)
يخوفهم الله تعالى، ويتوعدهم على هذه الافتراءات، فيقول تعالى:
(فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ) 
يعنى: فَكَيْفَ سيكون حالهم، وماذا سيصنعون حين يجمع الله تعالى الناس في يوم أو (لِيَوْمٍ) أي لحساب يوم (لَا رَيْبَ فِيهِ) يعنى: يوم لا شك في وقوعه، وهو يوم القيامة
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) ووفي الله تعالى كُلُّ نَفْسٍ سواء بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ
(مَا كَسَبَتْ) يعنى مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَر 
(وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) يَعْنِي لا يُنقص من حسناتهم، ولا يزاد على سيِّئاتهم، وإن كان مثقال ذرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فاللهم أرنا عيوب أنفسنا، وجنِّبنا الاغترار في ديننا