Untitled Document

عدد المشاهدات : 4132

الحلقة (187) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الايتين (26) و (27) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ب

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السابعة والثمانون بعد المائة الأولى
تدبر الآيتين (26) و (27) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ورد في بعض كتب التفسير بعض الآثار في فضل هاتين الآيتين الكريمتين، ولكنها آثار ضعيفة، ولذلك لن نذكرها، ولكن هاتين الآيتين ثناء على الله تعالى ومناجاة، يُعَلَّمُه الله تعالى لنا ، وخير الثناء على الله تعالى هو ما كان في القرآن العظيم 
ولذلك نحرص على الثناء على الله تعالى بهذه الآيتين الكريمتين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أخبر صحابته أنهم سيملكون فارس والروم، قيل أن ذلك أثناء غزوة الخندق، وقيل بعد فتح مكة، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة
(قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) يعني محمدا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمته (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) يعنى الروم وفارس (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) محمدا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وأمته (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) يعني الروم وفارس (بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من الملك والعز والذل 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (قُلِ اللَّهُمَّ) 
"اللَّهُمَّ" أصلها "يا الله" حذف حرف النداء "يا" وعوض عنها  بالميم المشددة التى فى آخرها.
ولذلك يقول ابْنِ عَبَّاسٍ أن اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ في هذه الآية، لأن "اللَّهُمَّ" كما قلنا أصلها "يا الله" وقد قلنا من قبل أن جمهور العلماء على أن "الله" هو اسم الله الأعظم، لأنه الإسم الجامع لكل اسماء الله الحسنى، وكل صفات الربوبية
فاذا أردت أن تدعو الله تعالى باسمه الأعظم، فتبدأ دعائك بهذا النداء: "يا الله" أو "اللَّهُمَّ"
(مَالِكَ الْمُلْكِ)
نداء خاشع فيه كل معانى الإحساس بالضعف أمام قدرة الله عز وجل وسلطانه .
فالله تعالى هو الذي يمتلك الْمُلْكِ
(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) "تُؤْتِي" يعنى تعطي، ولكن الإيتاء هو اعطاء بلا تمليك، للتنبيه على أن هذا الملك الذي يعطيه الله تعالى، هو عارية مستردة، وشيء زائل لا يدوم، والمالكية الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين.
 (الْمُلْكَ) هو السلطان
وقيل هو النبوة، لأن بنى اسرائيل كرهوا أن يكون النبي الخاتم من العرب وليس منهم.
يقول الفخر الرازي أن المقصود بقوله تعالى (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) هو كل عطاءات الله تعالى، وهي كل ما يملكه الله تعالى لمخلوق من مخلوقاته، سواء عقل، أو صحة، أو قوة، أو مال، أو أي شيء آخر.
لأن اللفظ عام والتخصيص من غير دليل لا يجوز.
(مَنْ تَشَاءُ) لم يقل "تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تحب" لأن الله تعالى يعطي الْمُلْكَ لمن يحب ولمن لا يحب
(وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) 
النزع هو القلع بشدة، لأن المَلِك يكون متمسكًا بكرسي الملك متشبثُا به، ولا يتركه أبدًا الا اذا نزع منه نزعًا.
(وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ) أن تعزه،  بالملك وغيره.
(وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) أن تذله، بنزع الملك منه وغيره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بِيَدِكَ الْخَيْرُ) 
كان الظاهر ان تقول الآية "بِيَدِكَ الْخَيْرُ والشر" لأنه تعالى قال (تُؤْتِي الْمُلْكَ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ) (وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ) فالظاهر ان تقول الآية "بِيَدِكَ الْخَيْرُ والشر" ولكنه تعالى قال (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ولم يقل "بِيَدِكَ الْخَيْرُ والشر" ليدل على أن الله تعالى لا يأتي الا بخير.
حتى ان نزع الملك منك فهو خير لك، واذا نزع منك المال فهو خير لك، اذا نزع منك الصحة فهذا خير لك، واذا نزع منك المنصب فهو خير لك، واذا نزع منك الولد فهو خير.
يقول "أبو عطاء السكندري" ربما منعك فأعطاك، وربما أعطاك فمنعك
رجل صالح يروي قصته يقول: كنت منحرفًا انحرافًا شديدًا، ما صليت في حياتي ولا صمت، وفجأة أصبت بمرض شديد، ودخلت المستشفي، وناجيت ربي: يا رب ألقاك وأنا عاص ؟ أعطني مهلة يا رب كي أتوب اليك، وأعمل الصالحات، واستجاب الله لدعائه وشفي وخرج من المستشفي، وتاب ولزم دروس العلم والعبادة، وشعر بسعادة لا توصف، فمرة ناجي ربه وقال: يارب لِمَ لَمْ ترسل لي هذه المصيبة قبل عشر سنوات ؟! كأنه عتب على الله أنه لم يصبه هذا المرض من قبل. 
 (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
ثم يدلل الله تعالى ببعض الايات الكونية على قوله تعالى (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقول تعالى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)
يقول تعالى (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) 
عبر تعالى عن إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل في خمسة مواضع من القرآن العظيم
كلمة (تُولِجُ) تعنى‏ تُدْخِلُ
كانت العرب تقول: وَلَجَ فُلَانٌ مَنْـزِلَهُ‏‏، أي دَخَلَ مَنْـزِلَهُ.
والمعنى أن المكان من الأرض الذي يخيم عليه الليل يدخل بالتدريج في المكان الذي يعمه نور النهار، ويدخل الجزء الذي يعمه نور النهار في مكان الجزء الذي يخيم عليه الليل.
وذلك باستمرار منذ خلق الله الكون الى أن يرث الأرض ومن عليها 
ولذلك فان ما ينقص من ساعات الليل يزيد في ساعات النهار، وما ينقص من ساعات النهار يزيد في ساعات الليل. 
وليس هنالك عبارة أدق من هذه العبارة، وهي (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)  للإشارة الى حقيقة كروية الأرض، والى حقيقة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏,‏ لأنه لو لم تكن الأرض كروية الشكل‏,‏ ولو لم تكن الأرض تدور حول محورها أمام الشمس، ما أمكن لليل والنهار أن يتعاقبا بهذه الطريقة التدريجية والمستمرة‏.
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)
يخرج الله تعالى الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ فيخرج النبات الحي من الأرض الميتة، ويخرج تعالى الميت من الحي، بقبضه ارواح الأحياء
وقالوا: يُخْرِجُ الله تعالى المخلوق الْحَيَّ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَيِّتَةِ، وَيَخْرُجُ النُّطْفَةَ الْمَيِّتَةَ مِنَ المخلوق الْحَيِّ‏‏‏.‏
يخرج الأشجار وهي حية من البذور وهي ميتة، ويخرج البذور وهي ميتة من الشجر وهي حية
وقال البعض يخرج البيضة وهي ميتة من الحي، ويخرج الحي من البيضة وهي ميتة.
صحيح أن العلم الحديث أثبت الى أن النطفة فيها حياة، والبذرة فيها حياة، والبيضة فيها حياة، ولكنها حياة يمكن أن نقول عنها "حياة اصطلاحية" يدركها أهل العلم، ولكنها ليست كذلك في العرف العام.
وقال البعض يخرج الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، ويخرج الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ‏.‏
روي أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- دخل على بعض نِسَائِهِ، وعندها امْرَأَةٌ، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: مَنْ هَذِهِ ؟ فقَالَتْ: بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَكَانَتِ المرأة مؤمنة، وَكَانَ أَبُوهَا كَافِرًا، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-  "سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ"
(تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)
(وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 
(وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
الله تعالى يرْزُقُ من يشاء أن يرزقه بِغَيْرِ حِسَابٍ لما ينفقه، لأن خزائنه لا تنفذ ولا حتى تنقص .
وهو تعالى يرْزُقُ من يشاء دون أن يحاسبه أحد على ذلك، فهو تعالى ليس فوقه ملك وليس فوقه أحد يحاسبه على عطائه.