تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات (49) و(50) و(51) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قلنا أن هذه الآيات تتناول قصة ولادة السيدة مريم، ثم قصة ولادة يحيي -عليه السلام- ثم قصة ولادة المسيح -عليه السلام- وبدانا في الحلقة السابقة في تناول قصة ولادة المسيح -عليه السلام- وقلنا أن جبريل -عليه السلام- خاطب السيدة مريم –عليها السلام- فقال (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)
ويستكمل جبريل -عليه السلام- حديثه للسيدة مريم فيقول:
(وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) نبي الله عيسي -عليه السلام- هو أحد أنبياء بنى اسرائيل، وهو آخر أنبياء بنى اسرائيل.
وهذا النص يشير الى ان عيسي -عليه السلام- أرسل الى قومه فقط من بنى اسرائيل
وبعض النصاري يقولون أن دعوة المسيح -عليه السلام- هي دعوة عالمية لجميع البشر، وهذا غير صحيح بدليل نصوص في الاناجيل نفسها، في انجيل متى –مثلا- يقول المسيح -عليه السلام- "لم أرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي أنه سيقول الى بنى اسرائيل الذين أرسل اليهم: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. والمراد بالآية هنا المعجزات التى ارسله الله بها.
ثم ذكر تعالى ثلاثة معجزات أرسله الله –تعالى- بها، فقال (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) يعنى أصور لكم من الطين مثل صورة الطير، ثم أنفخ فيه فيكون طيرًا حقيقيًا،( بِإِذْنِ اللَّهِ) أي بأمر الله –تعالى- وارادته.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) والْأَكْمَهَ هو الذي ولد كفيفًا
أما الْأَبْرَصَ فهو اما أنه المقصود به مرض البهاق، وهو بقع بيضاء تظهر في مناطق مختلفة في الجسم، أو مرض المُهق والذي نطلق عليه "عدو الشمس" بحيث يظهر البياض في كل أنحاء الجسم، والاثنين أمراض جلدية، تكون نتيجة نقص مادة الميلانين المسئولة عن اللون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول ابن كثير –في تفسير- أن الله تعالى بعث كل نبي بمعجزة من جنس ما نبغ فيه قومه، لأنه لو جاء بمعجزة في أمر لم يعرفوه ولم يدرسوه، لقالوا ربما لو عرفناه ودرسناه لفعلنا مثلما فعل، ولكن اذا كانت المعجزة من جنس ما نبغوا فيه، وهم يعلمون أن النبوغ بين البشر محصور فيما بينهم، فهذا دليل على أن ما جاء به ليس من عند نفسه.
ولذلك جائت معجزة موسي -عليه السلام- بأمور تشبه السحر –هي ليست سحرًا لأن السحر لا يغير طبيعة الأشياء- فالعصا تتحول الى حية، واليد تخرج بيضاء تنير المكان، لأن المصريين في ذلك الوقت كانوا نابغين في السحر
والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أرسل الى العرب وكانوا أهل اللغة والفصاحة والبلاغة، فتحداهم بالقرآن الكريم وفصاحته، أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله
وارسل عيسي -عليه السلام- في منطقة الشام، وكانت خاضعة للروم في ذلك الوقت، وكان الروم نابغين في الطب، ومع نبوغهم ذلك كانوا عاجزين أمام هذين المرضين: الذي يولد كفيفًا، ومرض البرص، ثم تتسامي المعجزة، فيعيد الحياة الى الميت، والانسان اذا مات فقد خرج عن دائرة العلاج والطب.
البُهاق
المُهق "عدو الشمس"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)
قيل أن عيسي -عليه السلام- أحي أربعة أنفس، فكان مما احياهم -عليه السلام- صديق له اسمع "عازر" وكان قد مرض فأرسلت أخته الى عيسي -عليه السلام- وقالت له ان أخاك العازر يموت، فسار اليه، وكان بينهما مسيرة ثلاثة ايام، فلما وصل اليه قالت له أخته قد مات يا رسول الله، فقال لها دليني على قبره، فأتي قبره ودعا الله تعالى فقام باذن الله وعاش وولد له ولد.
وكان مما أحياهم ابن العجوز، ذلك أن عيسي -عليه السلام- مر به وهو محمول على سريره ليدفن، فدعا له عيسي -عليه السلام- أن يقوم باذن الله، فنزل من على أكتف الرجال وارتدي ملابسه، وحمل سريره على ظهره وعاد الى بيته.
وقيل أن فعل ذلك مع أحد الملوك، وقيل أنه فعل ذلك مع صبية صغيرة، فعاشت وتزوجت وأنجبت.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وذكر أن مما أحياهم عيسي -عليه السلام- باذن الله تعالى، أن عيسي -عليه السلام- مر برجل يكثر الجلوس عند قبر في المقابر، فقال له عيسي يا عبد الله أراد تكثر القعود على هذا القبر ؟ فقال له الرجل: يا روح الله امرأة كانت لى، وكان من جمالها وموافقتها لى كذا وكذا، فدعا عيسي -عليه السلام- ربه فخرج من القبر رجل أسود كأنه جذع محترق، فقال له عيسي: من أنت ؟ فقل: يا رسول الله أنا في عذاب منذ أربعمائة سنة، يا رسول الله لو ردني الله الى الدنيا لا أعصيه أبدًا، فدعا عيسي ربه، وقال للرجل امضى فمضي، ثم قال الرجل الذي كان جالسًا على القبر: يا رسول الله لقد غلطت بالقبر، انما قبرها هذا، فدعا عيسي ربه فخرج من القبر شابة جميلة فأخذها زوجها ومضى وجلس معها تحت شجرة، ونام الرجل تحت الشجرة، ثم مر بهما ابن ملك، فنظر الى المرأة وأعجبته وأعجبها، وأشار اليها فتركت زوجها نائمًا وتبعت الأمير، فلما استيقظ زوجها بحث عنها حتى وجدها وقال للأمير: هذه زوجتى ؟ فقال الأمير: هي جاريتي، ومر بهم عيسي فقال للمرأة: ردي عليه ما أعطيناك، فسقطت ميتة.
فقال عيسى: "هل رأيتم رجلًا أماته الله كافرًا ثم بعثه فآمن! وهل رأيتم امرأة أماتها الله مؤمنة ثم أحياها فكفرت!".
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لكن بعض بنى اسرائيل قالوا لعيسي -عليه السلام-: إنك تحيي من كان موته قريب، فلعلهم لم يموتوا بل أصيبوا بإغماء أو سكتة، فأحيي لنا سام بن نوح، وكان لسيدنا نوح عليه السلام أربعة أبناء: ثلاثة أسلموا ونجوا معه في السفينة وهم: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب، وحام ابو الأفارقة، ويافث أبو الروم، والإبن الرابع وهو كنعان مات في الطوفان.
وكان سام ابن نوح قد مات منذ أربعة آلاف سنة، فقال لهم عيسي -عليه السلام- : أتعلمون اين قبره ؟ قالوا هو في وادي كذا وكذا، فذهب اليه، ودعا الله تعالى فخرج من قبره ينفض التراب عن وجهه، وقد شاب راسه، ولم يكن في زمن نوح شيب، فقال له عيسي -عليه السلام- لم شاب شعرك، ولم يكن في زمنكم شيب ؟ فقال: يا روح الله، دعوتني فحسبت أن القيامة قد قامت فشاب راسي، ثم قال: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، فَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ ، ثم قال له عِيسَى: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ مَعِي، فقال: يَا عِيسَى ، أَكْرَهُ سكرات الموت، مَا ذَاقَ الذَّائِقُونَ مِثْلَ الْمَوْتِ، فأمن البعض بعيسي، وقال البعض أن هذا سحر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وكان بنى اسرائيل هم الذين طلبوا هذه الآية، فقالوا لعيسي -عليه السلام- أخبرنا بما أكلنا في بيوتنا وما ندخر للغد ؟ فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وادخرت كذا وكذا، ويا فلان أنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا.
(وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
يعنى هذه المعجزات دلائل وعلامات تدل على صدق نبوة عيسي -عليه السلام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
يتحدث عيسي -عليه السلام- عن طبيعة رسالته فيقول:
(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) يعنى مؤمنًا بالتوراة التى أنزلت على موسي -عليه السلام- وعاملًا بها
وقوله (لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ) أي التى جائت قبلي، لأن المتقدم يكون بين يدي القادم.
(وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) يعنى وجئتكم لأحل لكم بعض الأشياء التى كانت محرمة عليكم فى شريعة موسى.
لأن الله –تعالى- حرم على بنى اسرائيل بعض الطيبات بسبب ظلمهم وبغيهم وكثرة سؤالهم، مثل لحوم الإبل والشحوم وبعض الطيور وبعض الأسماك، يقول تعالى (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ( فجاء عيسي -عَلِيْه السَلام- فأحل لهم هذه الطيبات.
(وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) يذكرهم مرة أخري بالمعجزات التى جاء بها لتدل على نبوته، وحض لهم على تقوي الله وطاعة رسوله.
اذن –كما قلنا- فان عيسي -عليه السلام- يتحدث عن طبيعة رسالته فيقول أنه لم يأت ناسخا للتوراة، بل مصدقا لها عاملا بها، ولكنه نسخ أو خفف بعض أحكامها .
وهذا بخلاف جميع أنبياء بنى اسرائيل بعد موسى -عَلِيْه السَلام- لأن جميع أنبياء بنى اسرائيل بعد موسى جاءوا على شريعة التوراة، دون أن تغيير فيها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)
ثم يقرر عيسي -عليه السلام- أن هذه المعجزات الباهرة التى جاء بها لن تخرجه عن أن يكون عبدًا لله -تَعَالي- فيقول -عليه السلام- (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
(وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يروي أن عيسي -عليه السلام- كان بصحبته رجل من اليهود، وكان معهما ثلاثة أرغفة، فلما أرادا أن يتناولا طعامهما، وجد عيسى أنهما رغيفان فقط، فسأل اليهودي: أين الرغيف الثالث ؟ قال: والله ما كانا إلا اثنين فقط، فسكت عيسي وسارا معاً حتى أتيا رجلاً أعمى فوضع عيسى -عليه السلام- يده على عينيه ودعا الله له فرد الله عليه بصرَه، فقال اليهودي متعجباً: سبحان الله! فقال له عيسي: بحق من شافا هذا الأعمى ورد عليه بصره، أين الرغيف الثالث ؟ فقال: والله ما كانا إلا اثنين.
ثم سارا حتى مرا على رجل مشلول، فوضع عيسي عليه يده، ودعا الله تعالى، فقام الرجل يمشي، فقال اليهودي: سبحان الله، فقال عيسي: بحق من شفي هذا الرجل، أين الرغيف الثالث ؟ قال: والله ما كانا إلا اثنين.
ثم سارا حتى أتيا نهرًا، فقال اليهودي: كيف سنعبره ؟ قال عيسي: قل باسم الله واتبعني، فسار عيسي على الماء وسار الرجل خلفه على الماء، فقال اليهودي متعجبا: سبحان الله!
فقل عيسي: بحق من سيرنا على الماء أين الرغيف الثالث؟ قال اليهودي: والله ما كانا إلا اثنين.
فلما وصلا الضفة الأخرى، جمع عيسي ثلاثة أكوام من التراب، ثم دعا الله أن يحولها ذهباً، فتحولت إلى ذهب، فقال اليهودي: سبحان الله لمن هذه الأكوام من الذهب ؟!
قال عيسي: الأول لك، والثاني لي وسكت، فقال اليهودي: والثالث ؟ قال عيسي: الثالث لمن أكل الرغيف الثالث ! قال اليهودي: أنا الذي أكلته. قال عيسى: هي كلها لك ، ثم مضى وترك اليهودي غارقاً في لذة حب المال والدنيا.
ولم يلبث اليهودي الا قليلًا حتى مر به ثلاثةُ فرسان، فلما رأوا الذهب قلتوا اليهودي شر قتلة، وأخذ كل واحد منهم كومة من الذهب .
ثم قال أحد الفرسان لصاحبه: لم لا نقتل صاحبنا ويزيد كل واحد منا نصف كومة ؟ قال نعم، فنادوا صاحبهم: وطلبوا منه أن يشتري طعامًا قبل أن ينطلقوا، فمضى لشراء الطعام، وفي الطريق حدثته نفسه أن يقتل صاحباه ويأخذ الأكوام الثلاثة، فاشتري الطعام ووضع فيه السم، فلما عاد لصاحبيه استقبلاه بالطعنات وقتلاه، ثم جلسا يتناولان الطعام المسموم الذي جاء به، فماتا.
فلما عاد نبي الله عيسي –عليه السلام- وجد الذهب كما هو، ووجد الى جواره اربعة جثث، فقال: هكذا تفعل الدنيا بأهلها.
|