تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة السابعة والتسعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات من (55) الى (58) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
انتهينا في الحلقة السابقة عند قول الله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
وقلنا أن المكر هو التدبير بخفاء.
وقلنا أن قوله تعالى (وَمَكَرُوا) يعنى مكر قوم عيسي -عَلَيْه السَلاَم- من بَنِى اسْرَائِيل بتدبيرهم لقتله
(وَمَكَرَ اللَّهُ) بأن دبر الله تعالى تدبيرًا أفسد ما دبروه من قتل عيسي -عَلَيْه السَلاَم-
ثم تبدأ هذه الآية الكريمة بقوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى) فتتناول الآية كيف كان مَكَرَ اللَّهُ -تَعَالي- بهم، وكيف نجاه الله -تَعَالى- منهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
استطاع أعداء عيسي -عَلِيْه السَلام- من اليهود أن يوغروا صدر الحاكم الروماني الذي كان يحكم المنطقة على عيسي، وصدر القرار بأخذه وصلبه، وكان الصلب هو أبشع طرق القتل عند الرومان، فلماعلم عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- بذلك هرب وكان معه أصحابه من الحواريون، واختبؤا في أحد البيوت، وأخذ الجنود الرومان يبحثون عنه، حتى وشي بعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- أحد أصحابه، وأسمه "يهوذا الإسخريوطي" مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، ودل الجنود على البيت الذي كان فيه عيسي -عَلِيْه السَلام- فأحاط الجنود بالبيت، فقال عيسي لأصحابه الذين كانوا معه داخل البيت: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب هو أصغرهم سنًا، فقال: أنا، فقال له عيسي: اجلس . ثم أعاد عليهم: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي في الجنة ؟ فقام ذلك الشاب، وقال أنا. فقال عيسي: اجلس، ثم أعاد الثالثة، فقام الشاب، وقال: أنا، فقال عيسي: أنت هو ذاك، فألقي عليه شبه عيسي، ورفعت الملائكة عيسي -عليه السلام- من فتحة صغيرة في جدار البيت الى السماء، ودخل الجنود، فأخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبه عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- وصلبوه، وهم يعتقدون أنهم قد صلبوا عيسي -عليه السلام-
وهناك رواية أن من القي عليه شبه عيسي هو "يهوذا الإسخريوطي" نفسه الذي دل على عيسي، فقبض عليه الجنود الرومان وأخذ يصرخ: أنا لست هو، أنا الذي دللتكم عليه، ثم صلبوه
الله أعلم أي رواية هي الصحيحة، لأنه لم يرد نص من قرأن أو سنة صحيحة ليبين تفاصيل ما حدث، وتعيين الرجل الذي صلب بدلًا من المسيح، ليس له فائدة، ولا يترتب عليه شيء.
استطاع أعداء عيسي أن يوغروا صدر الحاكم الروماني على عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
في العقيدة المسيحية فان المسيح قد قبض عليه وتم ضربه وجلده واهانته ثم صلب، وبعد فترة من النزاع على الصليب أسلم الروح ومات، واختلفت الأناجيل الأربعة بل تناقضت في تفاصيل الأحداث
وصلب المسيح -عَلَيْهِ السَّلَام- من أساسيات العقيدة المسيحية، لأنه وفق اعتقادهم فان المسيح عندما صلب فانه يرفع بالآمه خطايا العالم.
وهذه العقيدة عقيدة باطلة وغير صحيحة، يقول تعالى في سورة النساء (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)
وهناك بعض الناصري يقولون ان المسيح قد صلب ولكن أتباعه استطاعوا انزاله من على الصليب وتهريبه وعاش بعد ذلك سنوات ثم مات ميتة طبيعية.
وهذا ايضًا غير صحيح، والآية الكريمة التى ذكرناها ترد حتى على هذا الاعتقاد، فيقول تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوه)
3
في العقيدة المسيحية فان المسيح قد قبض عليه ثم صلب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)
(مُتَوَفِّيكَ) التوفي هو: أخذ الشيء وافيا تاما.
كما نقول: استوفي الثمن، أو: استوفي حقه، أو استوفي الموضوع.
واستعمل التوفي في القرآن بمعنيين:
المعنى الأول النوم، يقول تعالى (وهو الذي يتوفاكم بالليل)
فعلى هذا المعنى يكون عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- قد القي عليه النوم، ثم رفعته الملائكة الى السماء، وهو الآن نائم في مكان رفيع عند الله –عز وجل- ، حتى ينزل الى الأرض مرة أخري في آخر الزمان.
والمعنى الثاني للتوفي هو الموت، يقول تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها) ويقول تعالى )قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم)
فعلى هذا المعنى فان الله تعالى قد أمات عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- ثم رفع الى السماء، وهو الآن -عَلَيْهِ السَّلَام- ميت، حتى ينزل الى الأرض مرة أخري في آخر الزمان.
وهناك من قال أن الله تعالى قد توفي عيسي –عليه السلام- بأن رفعه الى السماء بجسده وروحه، لأن التوفي هو أخذ الشيء وافيًا، فهو الآن حي في السماء حتى ينزل الى الأرض.
وهناك من قال أن هناك تقديم وتأخير في الآية، يعنى أن الله تعالى قد رفعه أولًا ثم قبض روحه في السماء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهذا نري أن الجميع قد اتفق على أن المسيح -عَلَيْهِ السَّلَام- سينزل آخر الزمان، وسيكون وقت نزوله بعد المسيخ الدجال، وقبل ظهور الشمس من مغربها، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ليعلن بطلان عقيدة النصاري، ويدعو الى الإسلام، وَيُقَاتِلُ عَلَى الإِسْلامِ، حتى لا يبقي دين ولا ملة في الأرض الا الاسلام، ويظل في الأرض سبع سنوات يحكم فيها بالعدل، فيسود الأمان في الأرض كلها، ولا يكون بين أي اثنين عداوة، ويفيض المال حتى لا يجد من يأخذه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هناك أربعة آراء في قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ):
الأول: أن الله توفاه وفاة نوم ثم رفع جسده الى السماء في مكان رفيع عند الله -تَعَالى- .
الثاني: أن الله توفاه وفاة موت ثم رفع جسده الى السماء
الثالث: أن الله قد رفعه الى السماء، ثم قبض روحه في السماء.
الرابع: أن الله قد رفعه الى السماء، بجسده وروحه معًا وأنه حي في السماء ولم يمت.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والراجح عندي أن الله -تَعَالى- قد توفاه وفاة موت، ثم رفع جسده الى السماء، لأن المعنى الأقرب للتوفي هو الموت وليس النوم، فاذا قال لك أحد أن أحدهم قد توفي، فانك ستفهم أنه قد مات، ولن يأتي الى ذهنك أنه قد نام، ولا يوجد أحد اذا أراد النوم أن يقول أن ذاهب لأتوفي، ولكن يقول أنا ذاهب لأنام.
وقول البعض أن الله اذا كان قد أماته فانه لن يميته موتة أخري، ولن يجمع عليه موتتين، لأنه -تَعَالى- أخبرنا أنه يخلقنا ثم يميتنا ثم يحيينا، يقول تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) نقول أن الآية تتحدث عن جميع الخلق، ولا يمنع أن تحدث خوارق لهذا الناموس الألاهي، بدليل أن الله تعالى قد أمات العزير -عَلَيْهِ السَّلَام- مائة عام ثم بعثه، فجمع عليه موتتين.
اذن فمعنى قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أن الله تعالى أمات المسيح -عَلَيْهِ السَّلَام- ثم رفع جسده الى السماء، في مكان لا يعلمه الا الله، حتى يبعثه آخر الزمان، فينزل الى الأرض ليستكمل مهمته التى خلق لها.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أن الله تعالى سيخلصه وينجيه ويبعده عن هذا المجتمع المتعفن المليء بالكفر والشر والفساد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
هذه الآية الكريمة تستشكل على الكثير، ويكثر فيها السؤال، ويعتقد من يقرأ هذه الآية الكريمة لأول وهلة أنها تعنى أن النصاري سيكونون فوق غيرهم الى يوم القيامة، وخصوصًا أنهم يجدون الدول التى يدين معظم سكانها بالنصرانية هي أكثر الدول تقدمًا وقوة عسكرية واقتصادية في العالم.
نقول أنه ليس معنى الاية أبدًا أن النصاري سيكونون فوق غيرهم من الأمم، لأن الله تعالى قال (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) فهل النصاري الآن متبعون لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- ؟ هل يكفي أن يكون اسمي حنا أوبطرس أو ايريني حتى أكون متبعًا للمسيح ؟ لا ! لقد قال عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- أنه عبد الله ورسوله، وهم يقولون أنه أله، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، اذن فهم غير متبعون له.
وقد قلنا أن المسيح -عَلَيْهِ السَّلَام- سينزل في آخر الزمان ليكسر الصليب ليعلن بوضوح فساد عقيدة النصاري.
اذن النصاري الموجودون الآن ليسوا أتباع لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- وليسوا هم –أبدًا- المعنيين بقوله تعالى (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ)
أما المتبعون لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- فهم الذين يؤمنون بنبوته، ويؤمنون بأنه عبد الله ورسوله، ويؤمنون بالنبي الذي بَشَّر به وهو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم المسلمون.
اذن قوله تعالى (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) المقصود به هم المسلمون.
والسؤال هل المسلمون طوال تاريخهم الطويل لأكثر من أربعة عشر قرنًا وحتى الآن فوق غيرهم من الأمم ؟ هذا غير صحيح، وقد مر المسلمون بهزائم كثيرة طوال تاريخهم وحتى الآن.
نقول: كما قلنا أنه لا يكفي أن يكون اسمك بطرس أوحنا حتى نقول أنك متبع للمسيح، نقول أنه لا يكفي أن يكون أسمك محمد أو أحمد حتى نقول أنك مسلم، فالمسلمون عندما يعودون الى دينهم، ويستقيمون على طريق الله، ويكونون مسلمون بحق، يتحقق لهم وعد الله تعالى بأن يكونوا فوق الذين كفروا، وقد جاء هذا في غير موضع من القرآن العظيم.
يقول تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)
وقال -تَعَالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
وقال -تَعَالى- (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الى غير ذلك من المواضع.
والتاريخ الاسلامي كله يشهد على ذلك منذ عهد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحتى الآن، بل ان هذا هو ما سيحدث عندما ينزل المسيح -عَلَيْهِ السَّلَام- في آخر الزمان ويقتل الدجال، وَيُقَاتِلُ عَلَى الإِسْلامِ، حتى لا يبقي دين ولا ملة في الأرض الا الاسلام، ويظل في الأرض سبع سنوات يحكم فيها بالعدل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن الإشكال الذي في هذه الآية الكريمة (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) في أمرين:
(وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) نقول أن النصاري الآن غير متبعون لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- والمتبعون لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- هم المسلمون
الاشكال الثاني أن المسلمون طوال تاريخهم وحتى الآن مروا بفترات ضعف، وفترات هزيمة ولم يكونوا فوق الذين كفروا، نقول أن المسلمون عندما يكونون مسلمون بحق، ويكونون متبعون لعيسي بحق، فانهم يكونون فوق الذين كفروا، والتاريخ على مدار أربعة عشر قرنًا شاهدًا على ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)
ثُمَّ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، أي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، يعنى أَقْضِي (فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) مِنْ أَمْرِ عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)
ثُمّ يخبر اللَّه- عَزَّ وَجَلّ- عن منزلة الفريقين فِي الآخرة، فيقول: (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) هم الذين كفروا بعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- أو نسبوا اليه ما ليس له -عَلَيْهِ السَّلَام-
(فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)
الأصل أن الله تعالى –من هوان الدنيا عليه- لم يجعل الدنيا لا ثوابًا لمؤمن ولا عقابًا لكافر، ومع ذلك فقد أخبرنا تعالى أن هناك عقابًا للكافر في الدنيا، يقول تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) وهنا يقول تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ)
ومن بلاغة القرآن العظيم أن أكد العذاب بعدة تاكيدات، فقد أكد العذاب بالمصدر، فقال (عَذَابًا ) ووصف العذاب بالشدة، فقال (عَذَابًا شَدِيدًا) ونسب العذاب اليه، فقال (فَأُعَذِّبُهُم (ثم أخبرهم أنه لن ينصرهم من عذاب الله أحد فقال (وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)
(وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا) وهم الذين آَمَنُوا بعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- وأنه عبد الله ورسوله
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) في الآية السابقة علق العذاب على الكفر وحده، أما دخول الجنة، فلابد من الايمان وعمل الصَّالِحَاتِ، فلابد أن يقترن عمل الصَّالِحَاتِ بالإيمان.
(فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) وقرأت (فَنوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) بالنون، والمعنى واحد.
وقد قلنا أن "التوفية" هو أداء الحق كاملًا من غير نقص، فالمعنى أنه -تَعَالى- يعطيهم أُجُورَهُمْ كاملة يوم القيامة.
يقول أحدهم أن توفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة بحسب الأعمال، وأما دخول الجنة نفسها فبفضله الله تعالى ورحمته ومنته على عباده.
(وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
وهذه اشارة الى الذين كذبواعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- أوالذين افتروا عليه من بَنِي إِسْرَائِيلَ، وكذلك الذين زعموا أنه -عَلَيْهِ السَّلَام- اله، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، كل ذلك من أفحش أنواع الظلم الذين أخبر تعالى أنهم لا يحبهم، فقال -تَعَالى- (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
(ذَلِكَ) اشارة الى ما ذكره تعالى في شأن امرأة عمران، والسيدة مريم، وزكريا ويحي وعيسي –على نبينا وعليهم الصلاة والسلام-
(نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ) أي نقصه عليك من العجائب والمعجزات
(وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أي القرآن المشتمل على الحكم، وقيل أن الذِّكْرِ الْحَكِيمِ هو اللوح المحفوظ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|