Untitled Document

عدد المشاهدات : 1955

الحلقة (198) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات من (59) الى (63) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُن

تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الثامنة والتسعون بعد المائة الأولى
تدبر الآيات من (59) الى (63) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)
قلنا أن هذه الآيات من سورة آل عمران نزلت في وفد نصاري نجران، الذين قدموا الى المدينة، وظلوا بها عدة أيام يجادلون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمر عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- 
وقد روي انهم قالوا في جدالهم للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا شَأْنُكَ تَزْعُمُ أن عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ‏!‏ فَقَالَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :‏ أَجَلْ، إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ‏.‏ فقالوا: أرنا عبدًا خُلِق من غير أب. ‏فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
فاذا كنتم تعتقدون أن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- إله أو ابن إله لأنه قد خلق من غير أب، فالأولى بذلك هو آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- لأنه خلق من غير أب ولا أم.

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) لم يقل تعالى (ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فكان) بالفعل الماضي، وانما قال (كُنْ فَيَكُونُ) بالفعل المضارع
لأن التعبير بالفعل الماضي يفيد تحقق الأمر في الماضي وانتهائه، أما التعبير بالفعل المضارع فانه يفيد الاستمرار، يعنى الموضوع ليس خاصًا بخلق آدم فقط، ولكن كلما أراد الله تعالى شيئًا فانه يقول كن فيكون حتمًا

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أيضا قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ)لم يقل تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ مِثَلِ آَدَمَ)
يقول علماء النحو أن الكاف زائدة لا محل لها من الإعراب، وهذا في علم النحو والإعراب، أما في كتاب الله فلا يوجد حرف زائد.
هذه الكاف تعطي اشارة دقيقة من اشارات كتاب الله تعالى:
إذا قمنا بعدّ حروف العبارة الأولى: (مَثَلَ عِيسَى) سوف نجد عدد حروف هذه العبارة هو 7 أحرف، واذا قمنا بعد حروف العبارة الثانية (كَمَثَلِ آَدَمَ) نجد انها أيضاً 7 أحرف
ليس هذا فحسب بل ان عدد الآيات التي ذكر فيها اسم عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- في القُرْآن العَظِيم 25 مرة، وذكر اسم آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- في القُرْآن العَظِيم 25 مرة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)
يعنى هذا الذي أخبرت به من شأن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- هو الحق 
يقول العلماء أن قوله تعالى (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) اكرام للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقل -تعالى- (الْحَقُّ مِنْ الله)
(فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)المراء يعنى الشك، ويعنى أيضًا المراء أو الجدال.
والمعنى قريب لأن الشك يؤدي الى المراء أو الجدال.
والمراء مأخوذ من قول العرب مريت الناقة أو الشاة يعنى حلبتها، فسمي الجدال بالمراء لأنه يستخرج الغضب، كما أن الحَلب يستخرج اللبن.
فقوله تعالى (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يعنىفَلَا تَكُنْ مِنَ الشاكين في أمر عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- ولا تجادل في أمر عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- 
والخطاب وان كان موجه الى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الا أن المقصود به جميع المخاطبون بالقرآن العظيم

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)
قلنا أن وفد نصاري نجران ظل في المدينة عدة أيام يجادلون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمر عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- جدالًا عقيمًا، وبرغم من أن القرآن العظيم، وبرغم أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جاء لهم بالحجج الواضحة على أن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- ليس اله ولا ابن اله ولا ثالث ثلاثة، وأنه عبد الله ورسوله، الا أنهم ظلوا على عنادهم وجدالهم، فنزلت هذه الآية الكريمة، وهي آية المباهلة
والمباهلة تعنى اذا كان هناك خلاف بين اثنين أو بين مجموعتين  أن يجتمعوا ويقولوا: لَعْنَةُ الله على الظالم منا .
لأن المباهلة تعنى الملاعنة، كانت العرب تقول: بَهَلَه الله، أي لعنه الله، أو عَلَيْهِ بُهْلَةُ اللهِ، أي: عليه لعنة الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) أي فمن جادلك بعد ذلك في أمر عيسي عَلَيْهِ السَّلَام-  
(مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) من بعد هذه الآيات التي نزلت لترد عليهم 
(فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)روي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أخذ بيد الحسن والحسين وقال للسيدة فاطمة اتبعينا، وذهب للنصارى ودعاهم الى المباهلة.
(ثُمَّ نَبْتَهِلْ)كما قلنا أن المباهلة يعنى الملاعنة.
(فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ندعو الله ونقول: لَعْنَةُ الله على الظالم منا .
فلما فعل الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ذلك قال كبير القساوسة: أنتم تعلمون أنه ما باهل قومًا نبي قط الا هلكوا، وهذا يدل على أن المباهلة كانت مشروعة في الأديان السابقة، وهذا يدل على أنهم يعلمون أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبي
فأحجم الوفد عن المباهلة، وتركوا المدينة وعادوا الى ديارهم بعد أن أقروا بدفع الجزية الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
والسؤال هل المباهلة مشروعة الآن ؟ يقول العلماء نعم المباهلة مشروعة، وليست خاصة بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن يشترط أن تكون بعد اقامة الحجة على المخالف، وأن تكون هناك ضرورة، يعنى لا تكون المباهلة في أمور فرعية، أو تكون في أمور فيها آراء علماء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)
(إِنَّ هَذَا) يعنى هذا الذي قصصناه عليك، من شأن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- وأنه عبد الله ورسوله، وانه -عَلَيْهِ السَّلَام- لم يقتل ولم يصلب وانما رفعه الله -تَعَالى- اليه.
(لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) الْقَصَصُ من قص الأثر اي تتبع الأثر، أي أن هذا الذي ذكرناه لك، هو ما حدث فعلًا.
(وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ) ليس هناك معبود بحق الا الله تعالى، وهذا رد على من ادعي الألوهية لعيسي -عَلَيْهِ السَّلَام-
(وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
قلنا أن "الْعَزِيزُ" هو القاهر الذي لا يغلب، و"الْحَكِيمُ" هو الذي يضع كل شيء في موضعه.
وتذييل الآية باسم الله "الْعَزِيزُ" له تعلق بموضوع الآيات، لأنكم تَدَّعُون أن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- اله، أو ابن اله، وتدعون في نفس الوقت أنه قد أخذ وضرب وجلد وصلب، فكيف يكون الاهًا ولا يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه، أو ابنه.
أما اسم الله "الْحَكِيمُ" فله تعلق باسمه تعالى "الْعَزِيزُ" لأن العزيز أي القاهر الذي لا يغلب، فاذا لم تكن هناك حكمة تضبط هذه القوة القاهرة، فستكون قوة ظالمة غاشمة     
ولذلك نجد أن اسم الله "الْعَزِيزُ" ورد في القرآن 82 مرة، واقترن بأسماء أخري، مثل العزيز العليم، والعزيز الرحيم، والعزيز الحميد، والعزيز الغفور، ولكن أكثر ما اقترن، اقترن باسم الله تعالى "الْحَكِيمُ" فذكر قول الله تعالى (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 42 مرة

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) فان أعرضوا يا محمد عن اتباعك، ورفضوا اتباعك، بعد كل هذه الآيات الواضحة، والحجج الدامغة التي ذكرتها لهم.
(فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) يعنى فاعلم أن توليهم واعراضهم ليس الا على سبيل التكبر والعناد، فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم إلى الله، فإن الله -تَعَالى- (عَلِيمٌ) اي ذوعلم بفساد المفسدين، وسيعاقبهم على ذلك العقاب الأليم .

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇