Untitled Document

عدد المشاهدات : 1845

الحلقة (204) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (78) و(79) و(80) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ م

تدبر القُرْآن العَظِيم
الحلقة الرابعة بعد المائتين
تدبر الآيات (78) و(79) و(80) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)

❇        

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا) أي وَإِنَّ مِنْ اليهود والنصاري، لَفَرِيقًا وهم أحبارهم وعلمائهم.
(يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ) اللَّى هو اعوجاج الشيء عن الاستقامة، نقول لى ذراعه اذا أدارها، ونحن نقول لمن يتكلف الحديث بالإنجليزية –مثلًا- ليقلد الإنجليز أنه يلوي لسانه 
فهؤلاء الفريق من أحبار اليهود والنصاري كانوا يقرأون النصوص التى قاموا بتحريفها من التوراة والانجيل، بنفس الطريقة التى يقرأون بها التوراة والانجيل، أي بنفس الريتم أو طريقة النغم.
(لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ) وذلك حتى يظن العامة أن هذه النصوص المحرفة هي نصوص من التوراة أو الانجيل.
(وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ) وما هذه النصوص –في الحقيقة- من التوراة أو الانجيل.
(وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي أنهم لم يكتفوا بمحاولة ايهام الناس أن هذه النصوص المحرفة هي من التوراة والانجيل، بأن لووا ألسنتهم بها، وانما صرحوا بذلك ايضًا، وقالوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وذلك لاصرارهم على التحريف، ولفرط جرأتهم على الله تعالى.
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وهذا تشنيع على فعلهم، أنهم يكذبون على اللَّهِ تعالى وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم يكذبون.
وليس هناك ذنب أكبر من ذنب الكذب على الله تعالى، يقول تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)

❇        

نحن نعلم أن هذه الآية خاصة فقط بعلماء اليهود والنصارى، الذين حرفوا في التوراة والانجيل،  لأن الله تعالى حفظ القرآن العظيم من التحريف، ومع ذلك فانه يدخل فيها –أيضًا- علماء المسلمين الذين يتعمدون تأويل الآيات تأويلًا باطلًا لخدمة افكارهم أو أهدافهم، أو لخدمة السلطة الحاكمة، أو غير ذلك.
فهذا أيضًا لىَّ لكتاب الله ولكنه ليس ليًا لألفاظه، وانما ليًا لمعانيه، لأن الله حفظ ألفاظه، ولكن النتيجة واحدة لأن الكلمة تعبر عن المعنى، فاذا حرفت المعنى فكأنك حرفت الكلمة

❇        

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)
نُذَّكِر بأن هذه الآيات من أول سورة آل عمران، حتى الآية (121) من نفس السورة، وهي قول الله تعالى (وإذ غدوت من أهلك) نزلت في وفد نصاري نجران الذين وفدوا الى المدينة وجادلوا النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شان عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- وقد ذكر الله تعالى مع النصاري اليهود في أكثر من آية، لأنهم يشتركون معهم في كثير من الصفات من الجحود والعناد وغير ذلك؟
وقد روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة عن ابن عباس قال: حين اجتمعت الأحبار من اليهود، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أحبار اليهود: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ وقال رجل من وفد نجران: أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا ؟ فقال الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "معاذ الله أن نعبد غير الله أو أن نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك أمرنى ولا بذلك بعثنى" فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة.
(مَا كَانَ لِبَشَرٍ) يعنى لا يصح ولا يعقل لِبَشَرٍ 
(أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ) أي ينزل الله -تَعَالي- عليه كتابًا من السماء، والهدف الأول لجميع الكتب السماوية هو دعوة الناس الى توحيد الله تعالى وترك الشرك.
(وَالْحُكْمَ) أي ويُؤْتِيَهُ الحكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه.
(وَالنُّبُوَّةَ) ويُؤْتِيَهُ النُّبُوَّةَ، والأنبياء هم صفوة خلق الله تعالى، وذكر تعالى النبوة لأن المرسل اليهم يمكن أن يقال أنهم أوتوا الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ.
(ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)
(ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ) الذين أرسل اليهم (كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)
المعنى: كيف يستقيم عقلًا لِبَشَرٍ (أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ) والكتب السماوية تدعو الى توحيد الله تعالى وترك الشرك.(وَالْحُكْمَ) والحكمة هي وضع الشيء في موضعه (وَالنُّبُوَّةَ) والأنبياء هم صفوة خلق الله تعالى.
كيف يمكن بعد كل هذا أن يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟
(وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) يعنى ولكن يأمرهم النَبي الذي أوتي الْكِتَابَ وَالْحُكْمَة أن يكونوا رَبَّانِيِّينَن، أي يكونوا منتسبين الى الله تعالى وحده، وأن تكون عبادتهم خالصة لله تعالى وحده.
(بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)
ثم يرشدهم النبي الى الطريق الموصل الى ذلك، فيقول (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أي الطريق حتى تكون ربانيًا هو تعليم كتاب الله ودراسته

❇        

هذه الآية نزلت –كما ذكرنا- في الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما سألته اليهود والنصارى ان كان يريد أن يُعْبد كما تعبد النصارى عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "معاذ الله أن نعبد غير الله، أو أن نأمر بعبادة غير الله"
والإشارة الدقيقة في هذه الآية الكريمة الى أن عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- يستحيل في حقه هو أيضًا أن يأمر بعبادة غير الله.
كأن الله تعالى يقول أن موقف محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القضية، هو نموذج أمامكم الآن لموقف عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- في نفس القضية.
لأن كلاهما قد أوتي الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، فكان يجب أن تتنبهوا الى حقيقة موقف عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- حينما رأيتم بأعينكم موقف محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

❇        

ولذلك بدأت الآية الكريمة بقوله تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ) للتأكيد على بشرية رسل الله، فهم جميعًا بشر، ودورهم يقتصر على نقل رسالة الله تعالى الى الناس.
وهو أعظم دور يمكن أن يقوم به انسان في الحياة، ولذلك فان جبريل -عَلَيْهِ السَّلَام- هو خير الملائكة، أن وظيفته الأساسية هي نقل رسالة الله -تَعَالي- فالأنبياء هم خير البشر، ولكنهم في النهاية بشر.

❇        

الآية –كما ذكرنا- تتحدث عن اليهود والنصارى، ولكن كما قُلْنَا مرارًا فإننا نحن المسلمون المخاطبون بالقرآن.
نجد في هذه الآية أمر من الله تعالى أن نكون عبادًا رَبَّانِيِّينَ.
وقلنا أن رباني أي منسوب الى الله، ونحن في لغتنا الدارجة نقول "فلان رجل بتاع ربنا" أي متدين، يعنى يأتمر بأوامر الله ويجتنب نواهيه.
والسؤال هو كيف تكون عبدًا ربانيًا ؟ وما هو تعريف العبد الرباني ؟
الآية الكريمة بعد أن أمرتنا أن نكون رَبَّانِيِّينَ، وضعت لنا تعريف العبد الرباني، وارشدتنا –في نفس الوقت- الى الوسيلة حتى نصل الى هذه الغاية، فقال تعالى (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أي أن العبد الرباني هو الذي يعلم كتاب الله ويتعلمه.
لا يكفي حتى تكون عبدًا ربانيًا أن تتعلم كتاب الله، ولكن يجب أن تتعلمه وتعلمه.
العبد الرباني هو الذي يكون كتاب الله هو محور حياته
العبد الرباني هو الذي يكون عاكفًا على دراسة كتاب الله، ولذلك قال تعالى (وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)
أصحاب المقرأة في المساجد من بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس، هؤلاء ربانيون.
ولكن يجب –كما قلنا- لا تكتفي بأن تتعلم، بل يجب أن تتعلم وتعلم.
ولا ينبغي أن تكون المقرأة لتعلم قراءة القرآن الكريم، وأحكام التجويد فقط، بل يجب أن يكون فيها تعلم لتفسير القرآن، اذا لم يكن هناك من يجيد التفسير، نقرأ في كتاب تفسير مختصر، مثل التفسير القويم (دار السحار للطباعة) أو غيره.
أخواتنا وبناتنا وأبناءنا الذين يحفظون كتاب الله تعالى، هذا عمل عظيم –حفظكم الله- ولكن ينبغي ان يكون الحفظ مع تعلم التفسير.

❇        

يقول تعالى (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) كان الظاهر أن يقول تعالى (بِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ) لأن الانسان يَدْرُس أولًا ثم يُعَلِم بعد ذلك، لا أحد يُعَلِم قبل أن يَدْرُس.
الآية تريد أن تقول أن تعلم الكتاب لا سقف له، وليس له نهاية، فأنت حين تُعَلِّم الكتاب فأنت لا تتوقف عن دراسته.
كأن ترتيب الآية: تعلم الكتاب، ثم تعليم الكتاب، ثم تعلم الكتاب مرة أخري ودراسته، كأن الرباني شانه أن يكون متعلمًا للكتاب ومعلمًا له في نفس الوقت، فلا يتوقف عن تعلمه ولا يتوقف عن تعليمه، يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"

❇        

(وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)
(وَلَا يَأْمُرَكُمْ) أي ولا يمكن أن يَأْمُرَكُمْ نبي آتاه الله الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ، مثل عيسي -عَلَيْهِ السَّلَام- (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا) وهذا موجود في عقيدة الثالثوث في المسيحية، أن الله في الآب والابن –وهو المسيح- والروح القدس –وهو جبريل-. 
ثم قال تعالى على سبيل الانكار والتعجب (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقلنا أن جميع الأنبياء جاءوا بالإسلام، ومعنى الاسلام هو الاستسلام الكامل لله تعالى.

 

       

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇