تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة العاشرة بعد المائتين
تدبر الآية (96) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) البيت هو المكان الذي يبيت فيه الانسان، أي ينام فيه في الليل، ولذلك فالكلمة تشعر بالسكينة، كما نقول نحن "ما حدش بيرتاح الا في بيته"
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ)
ليس المقصود أول بيت على العموم، فقد كانت قبله بيوت كثيرة
ولكن المقصود هو أن الكعبة هي أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تعالى .
بدليل أن الله تعالى قال (وُضِعَ لِلنَّاسِ) أي لكل الناس، وغير ذلك من البيوت يكون كل بيت مختص بواحد من الناس أو عائلة وليس كل الناس.
ومشهور عند كثير من الناس أن إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- هو الذي بنى الكعبة، وهذا غير صحيح، يقول تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) أي أن الله تعالى دل ابراهيم وعرفه على مكان البيت، ثم قال تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) أي أن إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- قام باعادة بناء الكعبة على قواعد القديمة .
فقيل أن الذي بنى الكعبة هو آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-
وقيل أن الكعبة نزلت مع آدم حين أهبط الى الأرض
وقيل أن الملائكة هي التى بنت الكعبة قبل نزول آدم الى الأرض، وكانت تطوف به.
وقيل أن الكعبة خلقت مع الأرض
وقيل أن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة، ثم خلقت الأرض من تحتها.
ولذلك فان من أسماء الكعبة هو "البيت العتيق" أي البيت القديم، كما أنه يوجد في مصر الآن حي اسمه "مصر القديمة" كان يطلق عليه قديمًا "مصر العتيقه".
وقد ورد في الصحيح أن عَنْ أَبو ذَرٍّ سأل الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلٌ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قَالَ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَة.
ولذلك فالأقرب –كما جاء في بعض الآثار- أن آدم -عَلَيْهِ السَّلَام- هو الذي بنى الكعبة بأمر من الله تعالى، ثم بعد بناء الكعبة بأربعين سنة قام -عَلَيْهِ السَّلَام- ببناء البيت المقدس.
ثم تهدمت الكعبة بعد ذلك وتهدم بيت المقدس، اما بفعل طوفان نوح، أو بفعل عوامل الزمن، حتى دل الله تعالى ابراهيم على مكان البيت، وأعاد بناءه على قواعد البيت الذي بناه آدم ،
وكذلك دل الله -تعالى- سليمان بن داود على مكان بيت المقدس، فأعاد بناء بيت المقدس في نفس مكان بيت المقدس القديم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(لَلَّذِي بِبَكَّةَ) اي لهو البيت الذي بِبَكَّةَ.
قيل أن بَكَّةَ هي اسم من اسماء مكة، ومكة لها عدة أسماء مثل: أم القري، القرية، البلد، البلد الأمين، معاد. وهكذا..
وقيل –وهذا هو الأصح- أن بكة هو المسجد الحرام، أي الكعبة والمنطقة المحيطة بها، أما مكة فهي كل الحرم، أي داخل حدود الحرم فهو كله مكة، فيدخل فيه منى والحديبية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكلمة "بَكَّةَ" مشتقة من "البك" وهو الازدحام ، كانت العرب تقول: "بَكَّ فُلَانٌ فُلَانًا" يعنى زَحَمَهُ، أو "تباك القوم" أي ازدحموا.
فسميت "بَكَّةَ" لأن الناس يتباكون أي يزدحمون عندها.
اذن هذا أمر قدره الله تعالى لهذا المكان، أن يكون مزدحمًا دائمًا، فقديمًا كانت الكعبة محاطة بالجبال فكانت الناس تزدحم في هذا الوادي الضيق، وبعد أن تقدم العلم وامتلكنا الآلات واستطعنا ازالة هذه الجبال وتوسعة الحرم، كانت الأعداد قد زادت جدًا وظلت مكة مزدحة كما هي بل وأكثر.
قدر لهذا المكان أن يكون مزدحمًا دائمًا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل أنها سميت بكة، لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة، أي تدق أعناق الجبابرة، وتقصم أعناق الجبابرة اذا أرادوها بسوء، كما حدث مع أبرهة الحبشي حين ارسل الله -تَعَالي- عليه وعلى جيشه طيرًا أبابيل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (مُبَارَكًا) أي: كثير الخير.
وبركة مكة كثيرة جدًا لا حصر لها
فمن بركة مكة أن من يحج اليها يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن بركتها مضاعفة الأجر الى مائة ألف، ومن بركتها الهداية التى يجدها كل من يزور البيت حاجًا أو معتمرًل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) أي هداية للناس
أعرف رجلًا مصريًا كان يعمل في مكة، وكان بعيد كل البعد عن الدين، وكان حتى لا يصلى، وفي يوم كان لا يجد ما يفعله فقرر أن يذهب الى المسجد الحرام، بهدف المشاهدة وقتل الوقت، كما يفعل السائح عندما يذهب لمشاهدة أحد الآثار، فلما دخل المسجد الحرام وجد الناس تطوف، فقال في نفسه لماذا لا أفعل مثلهم، وبعد شوط واحد من الطواف شعر بشيء في داخله يتغير، ثم الشوط الثاني والثالث، وبعد ثلاثة أشواط كاملة تحول الى انسان جديد، وهو الآن يعمل في له مؤلفات دينية، وداعية اسلامي في كندا، وأسلم على يديه الكثير.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية الكريمة كانت رد على اليهود الذين أقاموا الدنيا ولم وأقعدوها عندما نزل الأمر من الله –تعالى- بتحويل القبلة، فطعنوا في نبوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا أن بيت المقدس وضع قبل الكعبة، وهي أرض المحشر، وقبلة جميع الأنبياء، واذا كان كذلك فان بيت المقدس أفضل من الكعبة وأحق بالإستقبال
فرد الله –تعالى- بأن الكعبة وضعت قبل بيت المقدس (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وذكر تعالى أن فيه من الفضائل ما ليس لبيت المقدس، فقال (مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا)
اذن فالآية رد على اليهود، وهي أيضًا تلفتنا نحن المسلمون الى فضل الكعبة المشرفة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|