تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة عشر بعد المائتين
تدبر الآيات من (106) الى (109) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ ﴿١٠٦﴾
الآية تتناول مشهد من مشاهد يوم القيامة، يقول تعالى:
(يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ) وهي وجـوه أهل الايمان والطاعة (وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ) وهي وجوه أهل الكفر والمعصية والظلم
كما قال تعالى في سورة عبس (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)
(فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ) وهم الكفار وأهل المعصية والظلم.
(أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ)
يقول بعض المفسرون: المعنى أن هذه العلامة وهي سواد الوجه يوم القيامة، تكون لمن ارتد عن الاسلام، أي كان مؤمنًا ثم كفر بعد ذلك.
وقال البعض أن هذه العلامة للمنافقين.
وقيل هي لأهل الكتاب من اليهود والنصاري، لأن هؤلاء كانوا مؤمنين بموسي وعيسي ومؤمنين بالنبي الخاتم ويبشرون به، فلما بعث الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفروا به.
وقال بعض المفسرون بل أن هذه العلامة، وهي سواد الوجه هي لجميع الكفار يوم القيامة، وأن المقصود بالإيمان في قوله تعالى (بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ) هو العهد الذي أخذه الله تعالى على الناس وهم في صلب أبيهم آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-.
يقول تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ )
فالذي يكفر كان مؤمنًا في صلب أبيه آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-، وكان مؤمنًا بفطرته، ثم كفر بعد هذا، ولذلك استحق أن يسود وجهه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
بعض الضالين يقولون أن قول الله تعالى (يَوۡمَ تَبۡيَضُّ وُجُوهٞ وَتَسۡوَدُّ وُجُوهٞۚ) فيه عنصرية ضد اللون الأسود.
ونحن نرد على ذلك ونقول أن هذه الآية لا تعنى فضلًا للأبيض على الأسود أو الأصفر أو الأسمر.
كيف ؟
بداية نقول أن أغلب الثقافات في العالم ومنذ القدم تفضل البشرة الفاتحة، وفسر بعض الباحثين هذا الأمر بأن الطبقه الفقيره كانت تعمل خارج البيوت فاصبحت بشرتهم داكنة نتيجة التعرض للشمس، بينما كانت الطبقه العاليه تبقى في الداخل مما أدى لامتلاكهم بشره فاتحه، وبالتالي أصبحت البشرة الداكنة مرتبطة بطبقة العمال، بينما البشرة الفاتحة ارتبطت بالمكانة الاجتماعية العالية .
اذن أغلب الثقافات تفضل البشرة الفاتحة، وتعتبر هذا من مقاييس الجمال، حتى أن مبيعات منتجات تفتيح البشرة في عام 2018 بلغت 20 مليار دولار.
فاختار تعالى أن يكون أهل الجنة على الهيئة التى يفضلها الناس، واختار أن يكون أهل النار على الهيئة التى لا يفضلها الناس.
اذن أنتم أيها الناس الذين تفضلون البشرة الفاتحة، وأنتم الذين جعلتم البشرة الفاتحة من مقاييس الجمال، وأنتم الذين تنفقون المليارات في سبيل امتلاك بشرة فاتحة
فالله تعالى يقول سوف يكون أهل الجنة على الهيئة التى تحبونها، وسأجعل أهل النار على الهيئة التى لا تفضلونها.
فتاة سمراء تحلم طول عمرها ببشرة فاتحة، فيقول تعالى سأدخلك الجنة على الهيئة التى كنت تتمنينها في الدنيا.
فالأمر ليس فيه عنصرية لا من قريب ولا من بعيد.
أمر آخر: أن سواد وجه الكافر والعاصى يوم القيامة لا يشبه سواد البشرة الذي نراه في الدنيا، لأنه لا شيء في الدنيا الآن يشبه ما سيكون يوم القيامة، يقول تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) فاذا كانت الأرض ستبدل بارضًا أخري، والسماوات ستبدل بسماوات أخري، فكذلك الألوان في الآخرة لا تشبه ألوان الدنيا الا في الإسم فقط
ولذلك يقول (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) فهل وجوههم سوداء أم زرقاء ؟
فهذا يدل أن لون وجوه أهل الكفر والمعصية والظلم يوم القيامة، لون ليس من ألوان الدنيا
ففي اللغة العربية هناك عدة أسماء للون الأسود على حسب درجة اللون، فهناك الأسود الداكن، والأسود الفحمي، والأسود الغربيب، والمدلهم والسحكوك، وقاتم وغيهب وغيهم، وغير ذلك، وهذه ليست مترادفات، ولكنها درجات اللون
ولكن ليس من أسماء درجات اللون في العربية، الأسود الذي يمكن أن نصفه كما ذكرت الآية (زُرْقًا) اذن هو لون ليس موجودًا في الدنيا، ولم نره على بشرة أحد، ولكن الله تعالى يقرب المعنى فيقول هذا أبيض وهذا أسود على حسب اللون الذي يفضلونه البشر في الدنيا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم المؤمنون
(فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ) أي في جنة الله
وقال تعالى للجنة (رَحْمَةِ اللَّهِ) اشارة الى أنً العبدَ لا يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى لا بعمله..
روى مسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم "لن يدخل أحد منكم عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة"
فالجنة شيء عظيم، لا يمكن أن ينالها المرء بعمله أبدًا، وانما ينالها فقط برحمة الله -تَعَالي- وفضله
ولذلك لما ذكر الله تعالى العذاب، علله بفعلهم فقال تعالى (فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسۡوَدَّتۡ وُجُوهُهُمۡ أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ)
أما حين ذكر الجنة فلم يعللها بفعلهم، وانما ذكر ان ذلك برحمة الله تعالى.
(هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أَيْ: بَاقُونَ فِيهَا أَبَدًا لا يموتون.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)
(تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ) أي الآيات التى سبق ذكرها في هذه السورة، وغيرها من سور القرآن العظيم
(نَتْلُوهَا عَلَيْكَ) أي نقرؤها عليك يا محمد، وأضاف الله -تَعَالي- القراءة الى نفسه، مع أن الذي يتلوها على الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو جبريل -عَلَيْهِ السَّلَام- وذلك للإشارة الى شرف هذه الآيات، وشرف القرآن العظيم.
(بِالْحَقِّ) فالقرآن العظيم نزل مشتملًا على الحق، سواء في أخباره أو أوحكامه.
(وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) أي أن هؤلاء الذين اسودت وجوههم لم يظلمهم الله تعالى، ونفي الله -تَعَالي- الظلم على نفسه بأبلغ وسيلة، فهو -تَعَالي- لم ينف فقط الظلم عن نفسه، وانما نفي عن ذاته ارادة الظلم.
فهناك فرق بين أن أقول: أنا لم أضرب فلانا، وبين أن أقول أنا لا أريد أن أضرب فلان، فالجملة الثانية أبلغ لأنها لم تنف الحدث، وانما نفت ارادة الحدث.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) أي كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ملك لله تعالى، ولذلك فهو ليس في حاجة الى أن يظلم
لأن الذي يظلم يأخذ شيئَا ليس من حقه، ولذلك فالله -تَعَالي- لا حاجة عنده للظلم لأن كل مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ملك له -تَعَالي-
(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) اي يوم القيامة
وهناك قراءة (وَإِلَى اللَّهِ تَرْجَعُ الْأُمُورُ) بفتح التاء
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|