Untitled Document

عدد المشاهدات : 2525

الحلقة (220) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (123) الى (127) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِين

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة العشرون بعد المائتين
تدبر الآيات من (123) الى (127) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) 

❇        

(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
قوله تعالى (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) ليس المقصود بالذلة هنا هو ضعف النفس وهوانها، لأن المسلم عزيز لا يذل أبدًا، يقول تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)
ولكن "أَذِلَّةٌ" هنا يعنى ضعفاء وقليلون
يقول الزمخشري: الأذلة جمع قلة 
فالمعنى أن الله -تَعَالي- نَصَرَكُمُ في معركة بدر على المشركين، وأنتم قليلي العدد والعدة.
كان عددالمسلمون في بدر: ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا، وليس معهم الا فرس واحد، ولا يحملون الا سلاح المسافر، وكان عدد المشركين ألف مقاتل، ومعهم مائة فرس، وبكامل أسلحتهم.
أو (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) يعنى وَأَنْتُمْ متذللين الى الله -تَعَالي- 

❇        

(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
هذه الآيات قيل أنها نزلت في غزوة بدر، وقال البعض أنا نزلت في غزوة أحد.
فالذي قال أنها نزلت في بدر -وهو قول أكثر المفسرين-قالوا أن قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) متعلق بقوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) الآية السابقة عليها.
والذي قال أنها نزلت في أحد، قال أن قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) متعلق بقوله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (121) 

❇        

أما سبب نزولها في بدر أنه بلغ المسلمون أن أحد رؤساء قريش واسمه "كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيُّ" سيأتي للمشركين بمدد من قومه، فغم ذلك المسلمين وشق عليهم، فأنزل الله -تَعَالي- (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) يعنى أليس يَكْفِيَكُمْ.
(أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ)
يعنى عدد المشركين ثلاثة اضعاف عدد المسلمين–كان المسلمون ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ مقاتل، والمشركون ألف مقاتل-فالله تعالى سيمدكم بثلاثة أضعاف أعداد المشركين مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

❇        

ثم يقول تعالى في الآية التالية (بَلَى) أي: بَلَى يكفيكم.
(إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) أي إِنْ تَصْبِرُوا في القتال. 
(وَتَتَّقُوا) أي وَتَتَّقُوا الله وتثبتوا ولا تفروا.
(وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا) 
يعنى هذا المدد الذي سيأتي للمشركين يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ 
وَالفور من فوران القدر، وهو يعنى السرعة والغضب.
يعنى هذا المدد الذي سيأتي للمشركين اذا أتوا اليكم مسرعين غاضبين.
(يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) يعنى اذا جاء هذا المدد للكفار، فسيرسل الله -تَعَالي- لكم ممد آخر من الملائكة، خَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
(مُسَوِّمِينَ) أي مُعَلِّمِينَ‏، فكانت للملائكة علامات تميزها، كما ورد في بعض الآثار.
 فالمعنى أن أعدائكم ثلاثة أضعاف عددكم، فسأرسل اليكم ثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أي ثلاثة أضعاف عددهم هم، واذا جاءهم مدد فسأرسل اليكم خَمْسَةِ آَلَافٍ أخري مِنَ الْمَلَائِكَةِ
والذي حدث بعد ذلك أنه لما وقعت الهزيمة بالمشركين في بدر، وبلغ "كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ" الْهَزِيمَةَ فَلَمْ يَمُدَّ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يُمَدَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَمْسَةِ.
وقالوا أنه لا تعارض بين هذه الآية وبين قوله -تَعَالي- في الأنفال "أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ" لأن "مُرْدِفِينَ" يعنى متتابعين، فالله -تَعَالي- أمد المسلمين في بدر بألف، ثم أردفهم وأمدهم بألوف أخري مثلهمحتى صَارُوا ثَلاثَةَ آلافٍ

❇        

وقال البعض أنها نزلت في أحد، ذلك أن المسلمين حين اصطفوا للقتال ورأوا كثرة الْمُشْرِكِين قالوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَنْظُرُونَ الْمُشْرِكِينَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ يَمُدُّنَا اللَّهُ كَمَا أَمَدَّنَا يَوْمَ بَدْرٍ‏ ؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏: (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ) وهو مثل عدد جيش الْمُشْرِكِين 
(بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) 
يعنى وعدهم الله -تَعَالي- بالمدد كما أمدهم في بدر بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ان صبروا، ولكنهم لم يصبروا وَلَمْ يَتَّقُوا وخالفوا أمر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يُمدُّوا بالملائكة.

❇        

وقال البعض أنها نزلت فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ أَمَدَّ اللَّهُ المؤمنين بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ.
وقال البعض أنها نزلت في حصار بنى قريظة.

❇        

نقول أن عدم التحديد في النص القرآني مقصود، لأن قتال الْمَلَائِكَةِ مع المسلمين ليس خاصًا بغزوة بدر ولا أحد ولا حنين، وليست خاصًا بالقتال مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن قتال الْمَلَائِكَةِ في صفوف المسلمين في كل مواجهة للمسلمين مع أعدائهم.
ووضعت الآية شرط قتال الْمَلَائِكَةِ مع المسلمين، فقال تعالى (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) يعنى الصبر في القتال، وتقوي الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه

.❇        

(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
يعنى حضور الْمَلَائِكَةُ للقتال حتى يكون بشارة للمؤمنين بالنصر، وتقوية لقلوبهم، وتثبيتًا لنفوسهم، وإلقاءًا للرعب في قلوب الكفار.
وهذا يعنى أن يري المؤمنون الْمَلَائِكَة فتقوي قلوبهم، ويراها الكفار كذلك فيصيبهم الرعب.
ولكن هل تقاتل الْمَلَائِكَةُ في صفوف المؤمنين ؟
نقول أنه ليس هناك ما يمنع أن تشارك الْمَلَائِكَةُ  في القتال، ولكنه ليس اشتراكًا كاملًا، وانما اشتراكًا رمزيًا –ان صح التعبير-
لأن الْمَلَائِكَةُ لو قاتلت قتالًا كاملًا لانتهت المعركة في لحظة واحدة، فان ملك واحد يمكن أن يهلك جميع أهل الأرض، وقد أهلك جبريل –عليه السلام- قوم ثمود بصيحة واحدة ، وأهلك قري لوط الأربع بطرف ريشة من جناحه -وجبريل له سبعمائة جناح-  فبلغت الأرض السابعة، ثم رفعها الى السماء وقلب عاليها سافلها.

❇        

يقول "مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ" وكان آخر من مات من أهل بدر، وكان قد ذَهَبَ بَصَرُهُ، فقال لأصحابه "لَوْ كُان مَعِي بَصَرِي، لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ"
يقول "أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيِّ" ممن شَهْدَ بَدْرًا‏:‏ إِنِّي لِأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ، إِذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفَتْ أَنَّ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي‏.‏
.
يقول "سهل بن حنيف": لقد رأيتنا يوم بدر وأن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه .
.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ هو "أَبَا الْيَسَرِ كَعَّبَ بْنَ عَمْرٍو" وَكَانَ أَبُو الْيَسَرِ رَجُلًا قصيرًا بدينًا له بطن، وَكَانَ الْعَبَّاسُ طويلًا جَسِيمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الْيَسَرِ‏:‏ كَيْفَ أَسَرْتَ الْعَبَّاسَ أَبَا الْيَسَرِ ‏؟‏‏!‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، هَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا‏!‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏‏لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ‏‏‏.‏
.
حتى في غزوة أحد قاتلت الملائكة مع المؤمنين قبل أن يخالفوا أمر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
.
روي أنه لما قتل "مصعب بن عمير" في أحد، وكان يحمل لواء المسلمين، أخذه ملك في صورة مصعب، فقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقدم يا مصعب، فقال الملك: لست بمصعب، فعرف الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ملك.
.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: كنت أرمي بالسهم فيرده على رجل أبيض حسن الوجه وما كنت أعرفه.

❇        

ثم يقول تعالى:(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) 
يعنى النصر لا يكون بالملائكة، وانما يكون مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (الْعَزِيزِ) الذي لا يغلب (الْحَكِيمِ) الذي يضع كل شيء في موضعه.
كأن الله تعالى يقول أنتم لستم في حاجة الى الْمَلَائِكَةِ كي تنتصروا على أعدائكم، ولكنى أرسل اليكم الْمَلَائِكَةِ فقط ليكون (بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) 

❇        

(لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) 
(لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى ليستأصل طائفة من الكفار، وهذا في يوم بدر بقتل رؤسائهم وقادتهم في الشر، فقتل يوم بدر من المشركين سبعون، وأسر سبعون.
(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أَوْ يُخْزِيَهُمْ ويذلهم بالهزيمة، فمن لم يقتل كُبِّتَ
أصله : يكبدهم أي: يصيب الحزن والغيظ أكبادهم.
(فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ) فيرجع هؤلاء الذين لم يقتلوا الى مكة خَائِبِينَ.
والخيبة تكون بعد الأمل، لأنهم جاءوا الى بدر، وكلهم أمل في الانتصار والقضاء على المسلمين. 
وقوله تعالى (فَيَنْقَلِبُوا) اشارة الى انقلاب مقاصدهم وأهدافهم، فهؤلاء الكفار جاءوا وهم يقصدون القضاء على الاسلام، فكانت النتيجة أن ازداد الاسلام قوة وعزة بعد بدر.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇