Untitled Document

عدد المشاهدات : 1816

الحلقة (224) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" - تدبر الآيتين (137) و (138) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّ

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائتين
تدبر الآيتين (137) و (138) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)

❇        

(قَدْ خَلَتْ (أي مضت.
(مِن قَبْلِكُمْ) 
(سُنَنٌ) السُنة هي الطريقةُ التي يكونُ عليها الإِنسانُ ويلازِمُها، كما نقول سنة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعنى طريقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهي من قولهم "سن الماء" إذا صبه صبًا متواليًا
والمقصود بالسنن في هذه الآية الكريمة، يعنى سنن الله تعالى يعنى: القواعد الثابتة التي  يسير عليها قدر الله في خلقه وفي كونه، بما يحقق مصلحة ذلك الكون.
هذه القواعد الثابتة هي انه في صراع الخير والشر، والحق والباطل، لابد أن ينتصر أهل الحق على أهل الباطل، وأن أولياء الله لابد أن ينتصروا على أعداءه، وأن جند الله هو الغالبون.
فاذا علا الباطل على الحق، فانه يكون امهالًا واستدراجًا لأهل الباطل، وتمحيصًا وابتلاءً لأهل الحق.
ثم لا يلبث أن يذهب الباطل، ويستقر الحق، كما قال تعالى في سورة الرعد الآية 17 (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) 

❇        

(فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
يعني: انظُرُواْ في أسفاركم الى الآثار التى تركها وخلفها الْمُكَذِّبِينَ لرسلهم، وانظُرُواْ عَاقِبَةُ كفرهم وتكذيبهم، أي نتيجة كفرهم وتكذيبهم
وقوله تعالى (فَانظُرُواْ) تعنى النظر بالعين مع التفكر وأخذ العبر.
يقول ابن عرفة في تفسيره أن السير قد يكون حسي بالسفر، وقد يكون معنويًا، وذلك بمطالعة كتب التاريخ والسير.

❇        

والحديث في هذه الآية الكريمة للمؤمنين وللكافرين.
فهي للكافرين تخويف وتحذير، فالله تعالى يقول لهم أنه له –تعالى- سنن في كونه، يعنى قواعد ثابتة يسير عليها قدر الله في خلقه وفي كونه، فانظروا -وأنتم في أسفاركم- الى عاقبة أمثالكم من الْمُكَذِّبِينَ لرسلهم من الأمم السابقة أمثال قوم عاد، وقوم ثمود، وقوم لوط وغيرهم من الأمم، فكما حدث لهؤلاء المكذبين سيحدث لكم ايضًا لا محالة.
وهذا مثل قوله تعالى في سورة الصافات (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) يعنى أنتم تمرون في أسفاركم من المدينةالى الشام ومن الشام الى المدينة على قري قوم لوط، وترون بأعينكم ما حل بهم من عذاب.

❇        

والحديث أيضًا للمؤمنين، فالله تعالى يطمئنهم ويقول لهم لا تحزنوا بسبب هذه الهزيمة فهي هزيمة مؤقتة عابرة، لأن سنن الله في كونه أن العاقبة ستكون لكم.
❇        

لم يقل تعالي في أي موضع من القرآن "سِيرُواْ على الأَرْضِ" بل دائمًا كان يقول (سِيرُواْ فِي الأَرْضِ) لأن الهواء المحيط بالأرض، وهو ما يطلق عليه الغلاف الجوي، هو جزء من الأرض، فعندما يسير الانسان فانه يسير في الأرض وليس على الأرض، 
أما اذا قال تعالى (سِيرُواْ على الأَرْضِ) فمعنى ذلك سيروا على الغلاف الجوي، ولذلك فهو تعبير غير دقيق وغير صحيح، ولذلك لم يقل الله –تعالى- (سِيرُواْ على الأَرْضِ) في أي موضع من القرآن العظيم، وانما يقول دائمًا (سِيرُواْ فِي الأَرْضِ) وهذا من دقة الأداء اللغوي في القرآن العظيم.
❇        

❇        

هنا يقول تعالى (فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
وفي سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ)
في الآية التي معنا استخدم القرآن حرف العطف الفاء (فَانظُرُواْ) 
وفي سورة الأنعام استخدم حرف العطف (ثُمَّ) فقال (ثُمَّ ٱنْظُرُواْ) 
ما الفرق بين الاثنتين ؟
نحن نعلم أن الفاء و(ثُمَّ) كل مهما يفيد الترتيب، ولكن (ثُمَّ) تفيد التراخي، بينما الفاء لا تفيد التراخي
فالانسان قد يسير في الأرض يعنى يسافر للتجارة أو للتعليم أو للعلاج أو لغير ذلك من المنافع.
وقد يسير في الأرض لأخذ العبرة.
فاذا سار الانسان للمنفعة أو المصلحة، فان القرآن يوجهه الى أن يأخذ العبرة من ضمن المنفعة، فيقول (فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ) فاستخدم حرف العطف الفاء، الذي يفيد السرعة. 
أما اذا سار لأخذ العبرة فقط، فان عنده الوقت للنظر والتأمل واعادة النظر، ولذلك استخدم حرف العطف (ثُمَّ) الذي يفيد التراخي، فقال (سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ثُمَّ ٱنْظُرُواْ)

❇        

(هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)
قال بعض المفسرون أن (هَذَا) يعنى ما مضى من آيات قريبة.
ولكن جمهور المفسرون أن (هَذَا) أي هَذَا الْقُرْآنُ.
(بَيَانٌ لِّلنَّاسِ) أي بَيَانًا لجميع الناس.
كانت العرب تقول: بان الشيء‏ أي‏ اتضح
وعندما يصدر البيان فانه يأخذ قوته ممن أصدر هذا البيان، فاذا حدث ثورة في أحد البلدان، فعندما يصدر البيان رقم (1) فان الدنيا تقوم ولا تقعد، وهذا بيان صادر من بشر، فما بالك بالبيان الصادر من الله تعالى.
(وَهُدًى) الهدي هو الطريق الموصل للغاية المرجوة.
فالقرآن العظيم هو الذي سيأخذك الى الطريق الموصل الى الغاية من هذه الحياة، وهو دخول الجنة.
قال المفسرون أن هذه الآية قسمت القرآن الى قسمين: قسم أول بيان لكل الناس، والقسم الثاني هُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، لأن المتقون هم الذين ينتفعون بالهُدًى وَالمَوْعِظَةٌ.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇