Untitled Document

عدد المشاهدات : 1797

الحلقة (235) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (156) و(157) و158) من سورة "آلَ عِمْرَانَ" قول الله -تَعَالي- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائتين
تدبر الآية (155) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"

❇        

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
❇        

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)
ما زالت الآيات تتناول غزوة أحد والأحداث بعد غزوة أحد، فيقول تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) 
(لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) المقصود بقوله تعالى "الَّذِينَ كَفَرُوا" هم  المنافقين في المدينة، وهي عامة لكل الكفار.  
وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى هذا القول لا ينبغي أن يصدر عن مؤمن
(وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ) أي قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ والنفاق. 

❇        

(إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) 
أي خرجوا في سَفَرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ثم ماتوا في سفرهم هذا، كما حدث في مأساة "بئر معونة" عندما أرسل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعين من أصحابه لتعليم بعض القبائل الإسلام، فغدروا بهم وقتلوهم.
(أَوْ كَانُوا غُزًّى) 
أو خرجوا للغزو في سبيل الله وقتلوا في أثناء القتال. 
و"غُزًّى" جمع غازٍ، يقول أهل اللغة أنها من الجموع النادرة.
(لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) 
يعنى قالوا: لو لم يخرجوا للسفر، أو لم يخرجوا للقتال مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا.
وهذا دائمًا ظن واعتقاد وكلام من لا يؤمن بقضاء الله وقدره. 

❇        

(لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) 
اللام يطلق عليها لام الصيرورة أو لام العاقبة، أي لِيَجْعَلَ الله -تَعَالي- هذا الظن –وهو أنهم اذا لم يخرجوا لم يقتلوا- حَسْرَةً أي حزنًا شديدًا وندمًا وألمًا فِي قُلُوبِهِمْ.
لأن من لا يؤمن بقدر الله وقدره، دائمًا يلوم نفسه، ويجلد ذاته، ويلوم الظروف، ويقول لو لم أفعل كذا لما حدث كذا، ولو لم يحدث كذا لحدث كذا.
أما المؤمن بقضاء الله وقدره، فهو يعلم أن ما حدث مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الأرض وماعليها.
ولذلك اذا اصابته مصيبة فانه لا يلوم نفسه، ولا يلوم الظروف، لأنه يعلم أن هذا أمر كتبه الله عليه قبل أن يخلق الأرض وما عليها.
كما قال تعالى في سورة الحديد (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
أصيب "عروة بن الزبير" من التابعين في رجله واضطروا لقطعها، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا، فلئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ.
وبعد ايام قليلة رفس فرس ابن له فمات، وكان له سبعة ابناء، فقال: اللهم لك الحمد، أخذت واحدًا وأبقيت ستة، فلئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ.
ظلت سيدة اثنى عشر عامًا لا تنجب، ثم رزقها الله بولدين توأم، ولكن شاء الله أن تفقد بصرها، فقالت كان عندي عينين اثنين فأعطاني الله أربعة، وظلت راضية بقضاء الله، وبعد أربعة سنوات رد الله لها بصرها مرة أخري.

❇        

(وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) تأكيد من الله -تَعَالي- لهذه القضية، أن الموت والحياة بيد الله تعالى.
وهذا رد على قول العرب: "القتال يقطع الآجال". 
وهم قد سموا السيف بالحسام لأنه يقطع الأجال، كانت العرب تقول: حسم الشيء اي قطعه، فسموا السيف حسام لأنه يقطع الآجال.
فرد الله عليهم بقوله (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) فقد يحي الله المقاتل، ويميت القاعد في بيته
ولذلك يقول خالد بن الوليد - رضي الله عنه – وهو على فراش الموت: لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربةُ سيف، أو طعنة رمح، أو رمية سهم، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.

❇        

 (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) والخطاب للمؤمنين يعني لا تكونوا مثلهم، فاذا كنتم مثلهم فان اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
وقرأت (وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)  فيكون وعيد للذين كفروا.
يقول أهل التفسير (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ولم يقل (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ سَمِيع) مع أن الذي ورد منهم كلام، لأنه كلام يترتب عليه فعل، وهم نيتهم عدم الخروج للقتال أو للسفر اذا أمر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك.

❇        

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)
للام في)  لَئِنْ) يطلق عليها: لام القَسَم. 
كأن تقدير الكلام: والله لَئِنْ قُتِلتُمْ في سبيل الله أَوْ مُتُّمْ، وجواب القسم: لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ) وقرأت (أَوْ مِتُّمْ) بكسر الميم ، وهي لهجة أهل الحجاز.
(لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وقرأت (تَجْمَعُونَ)
(خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من حطام الدنيا.
وأطلق عليها حطام الدنيا، لأن الحطام هو ما يتكسر من الشيء، وحطام النبات هو ما ييبس من النبات، فسمي متاع الدنيا بحطام الدنيا لأنه يفني ويذهب ولا يبقي منه شيء  

❇        

اذن قوله تعالى (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)
يعنى القضية ليست ما الذي يحمينى من القتل أو الموت هل هو القعود أو الخروج
يا ريت تقتل أو تموت في سبيل، لأن من يقتل أو يموت في سبيل الله فالمغفرة من الله والرحمة خير له من الدنيا
كما يقول فضيلة الشيخ الشعراوي: الخير في حياتك على قدر حركتك، أما اذا لقيت الله شهيدًا فهذا يكون على قدر ما عند الله من عطاء، فأنت تضيع على نفسك الفرق بين قدرتك، وبين قدرة الله.

❇        

وبعد ذلك يقول تعالى: (وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)
(وَلَئِنْ مُّتُّمْ) أي في سبيل الله 
(أَوْ قُتِلْتُمْ) في القتال 
(لإِلَى الله تُحْشَرُونَ) أي سواء مُّتُّمْ على فرشكم أو أَوْ قُتِلْتُمْ في سبيل الله، فستكون النهاية واحدة، وهي أن تحشر الى الله تعالى، فخير لك –ولا شك- أن تقتل في سبيل على أن تموت على فراشك.
 والحشر‏ هو الجمع مع سوق‏.
وقال تعالى (لإِلَى الله تُحْشَرُونَ) ولم يقل "تُحْشَرُونَ إلى الله" وهذا يفيد الحصر، أي أن إلى الله يحشر العالمون لا إلى غيره، فيوم القيامة ليس هناك مالك ولا حاكم ولا ضار ولا نافع إلا الله، كما قال تعالى (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

 ❇