تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائتين
تدبر الآيات (161) و(162) و(163) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أصل كلمة الغلول هو "الغَلَلُ" وهو دخول الماء بين الشجر خفية، فسميت الخيانة غلولاً لأنها تكون في خفاء.
ونحن نقول تغلغل في الشيء يعنى دخل فيه واختفي داخله.
ومنه الغل وهو الحقد، لأنه يكون كامن في الصدر.
ولذلك فمطلق كلمة غلول تعنى الخيانة.
والغلول شرعًا: هو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها.
وهذه الآية نزلت في الرماة الذين تركوا أماكنهم يوم أحد طلبًا للغنيمة، لأنهم فعلوا ذلك خوفًا من ألا يقسم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغنائم بين اصحابه.
فعاتبهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وقال لهم "ظننتم أنَّا نَغُلُّ، ولا نَقْسِم لكم"
فقال تعالى (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) يعنى لا يجوز الغلول في حق اي نبي من أنبياء الله تعالى.
وهناك قراءة (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ) وهذا نهي يعنى أياكم والغلول وخيانة نبيكم في الغنيمة.
اذن فالقراءة الأولى اخبار عن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يمكن أن يغل، والقراءة الثانية نهي وتخويف من الوقوع في خيانة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
يبين الله -تَعَالي- عقوبة الغلول، فيقول تعالى
(وَمَنْ يَغْلُلْ) يعنى مَنْ ياخذ من الغنيمة سرًا قبل قسمتها
(يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
يأت بما أخذه يوم القيامة يحمله، فيعذب بحمله وتكون فضيحة له على رؤس الخلائق.
وقيل أنه يُلْقي بالغنيمة في قعر جهنم، ثم يُكَلف صاحبها بأن يَأْتِيَ بها مِنْ أَسْفَلِ دَرْكِ في جَهَنَّمَ.
وقد أجمع العلماء على أن الغلول من كبائر الذنوب، عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ قال نَفَرٌ: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: "كَلاَّ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ، فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وذهب العلماء الى أنه يدخل في الغلول الأخذ من أموال الدولة بصفة عامة بغير وجه حق.
يقول الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول". (رواه أبو داود)
فيدخل في الغلول، استعمال أدوات العمل، في الأغراض الشخصية، كالتصوير والاسكانر، والأقلام وغير ذلك.
ويدخل فيها استعمال تليفون العمل في الأغراض الشخصية، ويدخل فيها استعمال سيارة العمل في الأغراض الشخصية، ويدخل فيها استغلال المرؤس في المصالح الشـخصية، ويدخل فيها من تأخذ معاش أبيها المتوفي وهي متزوجة، فلا توثق عقد الزواج حتى لا ينقطع المعاش.
ويدخل فيها الهدايا التى يتلقاها الموظف في دائرة عمله، أورد البخاري تحت باب "هدايا العمال" يقول
استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلا على صدقة: فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه وقال ألا هل بلغت ثلاثًا"
وهذا هو معنى قوله تعالى (يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعنى يأت يحمل ما سرقه في خفاء فوق ظهره وعنقه.
وقد ذكر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البعير والبقرة والشاة، لأن الصدقة التى جاء بها هذا العامل كانت منهم.
وذكر الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصواتها، لأن هذه الأصوات ستلفت الناس اليه، وتكون فضيحة له، لأنه سرق ما سرقه في خفاء خوفًا من الفضيحة بين الناس، فيكون عقابه أن يفضح بين الخلائق
يقول الشعراوي -رحمه الله- اذا كانت الناس لا تطيق الفضيحة بين الخلق، والخلق محدودون لأنهم المعاصرون، فما بالك بالفضيحة التي ستكون لعموم الخلق من أول آدم إلى أن تقوم الساعة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ)
(تُوَفَّى) يعنى تأخذه وافيًا كاملًا غير منقوص.
(مَا كَسَبَتْ) أي مَا كَسَبَتْ من خير وشر.
(وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) يعنى لن يظلم أحد في مثاقل ذرة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)
وقرأت (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رُضْوَانَ) بضم الراء.
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) فِي تَرْكِ الْغُلُولِ.
(كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) في فِعْلِ الغُلول.
ويقول ابن عباس (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) وهم المهاجرين والأنصار الذي اتبعوا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أمرهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالخروج الى الحرب في يوم أحد.
(كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) وهم المنافقون الذين تخلفوا عن الحرب يوم أحد. وهم "عبد الله بن ابي" عندما عاد بثلث الجيش، فهؤلاء باءوا أي رجعوا بِسَخَطٍ وغضب مِنَ اللَّهِ.
والآية على عمومها
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) بطاعة الله تعالى فيما أمره ونهاه
والتعبير كأن اتخذ ما يرضى الله -تَعَالي- من فعل وترك إماما يتبعه.
(كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) كَمَنْ تحمل سَخَطٍ اللَّهِ -تَعَالي- وغضبه بمعصيته
(وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
الدرجة هي الرتبة والمنزلة.
والمعنى أن المؤمن والكافر لا يستويان في الدرجة.
فالمؤمن في الجنة والكرامة والثواب العظيم.
والكافر في النار والمهانة والعذاب الأليم .
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم المؤمنون يختلفون في درجاتهم, فالبعض في درجة أعلى من بعض، وكذلك الكفار يختلفون في دركاتهم.
يقول العلماء أن الدرج الى أعلى، بينما الدرك الى أسفل.
لذلك فالجنة فيها درجات، والنار فيها دركات
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|