تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة السابعة والأربعون بعد المائتين
تدبر الآيات (193) و (194) و(195) من سورة "آلَ عِمْرَانَ"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ) قال المفسرون المنادي الذي يُنَادِي لِلْإِيمَانِ هو الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقيل أن المنادي هو القرآن الكريم.
والمعنى واحد، سواء كان المنادي هو الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو القرآن العظيم فالمعنى واحد.
وقيل أن المنادي هو الآيات الكونية التى ذكرت في الآيات السابقة، قول الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) فهذه الآيات تناديك أن لها ربًا
(أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي ينادي المنادي: أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ.
(فَآَمَنَّا) أي فاستجبنا له واتبعناه وآمنا به.
(رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)
أي فلأننا يا رب آمنا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا.
(وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) أي حين تقبض أرواحنا اجعلنا مع الْأَبْرَارِ وَاحْشُرْنَا مَعَهُمْ، و الْأَبْرَارِ هم الأنبياء والصالحون.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)
(رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ) أي رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى ألسنة رُسُلِكَ، من الثواب والكرامة ودخول الجنة.
(وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي وَلَا تُهنَا ولا تذلنا ولا تفضحنا على رؤس الأشهاد يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) فانك يا رب لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقولهم في دعائهم (مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ) وقولهم (إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) مع أنهم يعلمون أن الله مُنْجِزٌ وَعْدَهُ.
ولكن ذلك يأتي في مقام الضراعة الى الله –تَعَالَي- ، ومن باب الخضوع لله واظهار الحاجة اليه.
وهذا مثل قولُهُ –تعالى (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) وقوله تعالى (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
يقول تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)
الفاء فى قوله ( فَاسْتَجَابَ) تدل على سرعة الإجابة
يقول الإمام جعفر الصادق : من حزبه أمر فقال خمس مرات (رَبَّنَآ) أنجاه الله وأعطاه ما أراد، قيل: وكيف ذلك؟ قال : اقرءوا أن شئتم قوله - تعالى –(الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً ....) إلخ يقول فهؤلاء الأخيار قد نادوا ربهم خمس مرات فأجاب الله لهم دعاءهم .
يقول تعالى (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)
أي: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ لأني لا اضيع عمل أى شخص من الأعمال الصالحة سواء أكان هذا العامل ذكراً أم أنثى .
(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ)
أي أن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر.
لأن بعض النساء قلن: ما لنا لا يذكرنا الله بشيء ؟
فقال تعالى أن الثواب من الله تعالى للذكر والأنثي على سواء، وأنه لا داعي أن يذكر الله تعالى الذكر والأنثي في كل آية، لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، وكلنا من بنى آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم بين -تعالى- الأعمال الصالحة التى استحق بها هؤلاء الأبرار حسن الثواب من الله تعالى فقال تعالى) فالذين هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ)
(فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ)
الذين هَاجَرُواْ أي باختيارهم، وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ أي رغمًا عنهم.
وهذا بسبب ما نالهم من أهل الباطل من ظلم واعتداء.
(وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي أصابهم الأذي في سبيل الله تعالى
(وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) أي وهم يجاهدون في سبيل الله، وفي سبيل الحق.
وهذه اشارة الى أن الثواب ليس فقط لمن يقتل ويستشهد في سبيل الله، ولكن هذا الثواب للقسمين، سواء من يقاتل ويكتب له النصر أو يستشهد في سبيل الله.
كما قال تعالى (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)
وهذه فيها ثلاثة قراءات
(وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) كما في حفص.
(وَقُتِلُواْ وَقَاتَلُواْ)
(وَقَاتَلُواْ وَقُتِّلُواْ) اشارة الى شدة القتل
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) أي: لأمحون ما ارتكبوه من سيئات.
واللام واقعة في جواب قسم محذوف ، أى والله لأكفرن عنهم سيئاتهم .
(وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)
ايضًا أي: وَالله لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أي تجري من تحت قصورها أنهار ماء غير آسن، وأنهار عسل مصطفي، وأنهار لبن لم يتغير طعمه، وأنهار خمر لذة للشاربين.
( ثَوَاباً مِّن عِندِ الله) أضاف الله الثواب الى نفسه، تعظيمًا للثواب وتفخيما لشأنه .
(والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب)
يختم -تَعَالي- الآية بهذه الجملة الكريمة لبيان اختصاصه بالثواب الحسن، كأن كل جزاء للأعمال فى الدنيا لا يعد حسنا بجوار ما أعده تعالى فى الآخرة لعباده المتقين .
ما الفرق بين (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) وَ (كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) ؟
أليس غفران الذنب هو نفس معنى تكفير السيئة ؟
أليس الغفران هو التكفير، والذنب هو السيئة ؟
نقول أن هذه الكلمات متقاربة في المعنى، ولكن هناك فروق دقيقة بين هذه الكلمات.
الغفران والتكفير كلاهما مشتقان من الستر.
ولكن الغفران يكون محض تفضل من الله بغير سبب.
أما التكفير فيكون بسبب عمل من الأعمال الصالحة، فعندنا –مثلًا- كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وهكذا، ونحن نقول: أريد أن أكفر عن ذنبي
وهناك فرق بين الذنب وبين السيئة، فالذنب يتعلق بالمعصية بين العبد وربه، أما السيئة فتكون بين العبد وغيره من العباد.
لأنك حين ترتكب المعصية بينك وبين غيرك من عباد الله، فأنت تسيء اليه، فلذلك أطلقت عليها سيئة.
لأنك حين ترتكب المعصية بينك وبين الله فانك لا تسيء الى الله، لأنك لا تملك أن تسيء الى الله، ولكنك بالمعصية بينك وبين الله تذنب، وهي من الذنب، لأن الذنب تأتي بعده عقوبة.
ولذلك قال تعالى (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) فجعل الله تعالى الغفران مع الذنوب.
لأن الذنوب –كما قلنا- تكون بين العبد وربه، فناسبها الغفران الذي محض تفضل من الله بغير سبب.
وقال تعالى (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) فجعل الله التكفير مع السيئة، لأن السيئة –كما قلنا- تكون بين العبد وغيره من عباد الله، فناسبه التكفير الذي يكون بمقابل، وهذه السيئات التى تكون بين العبد وغيره من عباد الله، سيكون لها مقابل أن يتحملها الله عن عباده يوم القيامة.
كما جاء عن النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي الرجلان يوم القيامة، فيقول أحدهما: يا رب خذ لى مظلمتى من أخي، فيقول له الله تعالى ارفع بصرك فانظر في الجنان، فيرفع رأسه ويقول: يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللةً باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صِدّيقٍ هذا؟ لأي شهيدٍ هذا؟ قال: هذا لمَنْ أعطى الثمن. قال: يا رب ومَنْ يملك ثمنه؟ قال: أنت. قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك. قال: يا رب قد عفوت عنه، قال: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فاذن قال تعالى (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) لأن الذنوب تكون بين العبد وربه، فناسبها الغفران لأن الغفران هو محض تفضل من الله بغير سبب.
وقال تعالى (كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) لأن السيئات تكون بين العبد وغيره من العباد، فناسبها قوله تعالى (كَفِّرْ) لأن التكفير يكون بمقابل، وهذه السيئات سيتحملها الله عن عباده المؤمنين يوم القيامة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
فالمعنى:
(رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) ربنا فأمح ذُنُوبَنَا التى بيننا وبين حضرتك.
(وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) وتحمل عَنَّا سَيِّئَاتِنَا التى بيننا وبين العباد.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|