تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائتين
تدبر الآية (5) من سورة "النِسَاء"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)
قلنا من قبل أن اليتيم يحجر عليه، يعنى يمنع من التصرف في أمواله، وذلك محافظة على أمواله من الضياع، وذلك حتى يبلغ الحلم، وهو ما يطلق عليه في القانون المدني "سن الرشد" والذي يتولي ادارة شئون أمواله حتى يبلغ سن الرشد هو الولى أو الوصي.
وولى اليتيم يختاره الأب قبل وفاته، فاذا لم يحدد الأب الوصى قبل وفاته، فالولى هو الجد للأب، فاذا لم يوجد الجد للأب، أو تنازل عن الوصاية، فتكون الأم سواء تزوجت أم لم تتزوج، فاذا لم توجد الأم فالأخ، ومسئلة الوصي أمر تحدد المحكمة، وفي كل الأحوال تضع الدولة ممثلة فيما يطلق عليه "المجلس الحسبي" يدها على مال اليتيم محافظة عليه، ولا ينفق منه الولى على اليتيم الا بموجب ايصالات رسمية.
فيخاطب الله تعالى في هذه الاية ولى اليتيم ويقول (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يعنى لا تدفع أيها الولي الى اليتيم ماله، وأنت تعلم أنه لا يحسن التصرف في هذا المال وأنه سيضيعه.
وسبب هذا التوجيه من الله تعالى أن ادارة أموال اليتيم مسئولية قد تثقل على الولى، فيريد أن يتخلص من هذه المسئولية بأن يدفع الى اليتيم أمواله قبل أن يبلغ الحلم، أو قبل أن يتأكد من قدرته على الحفاظ على أمواله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) والسفيه في اللغة هو الخفيف، يقال ثوب سفيه يعنى خفيف رديء، ويقال رجل سفيه أي رجل ضعيف العقل لا يحسن التصرف، وقد وصف الله تعالى اليتيم بالسفيه، لأنه صغير السن، كأنه ينبه الولى الى خطورة تسليم اليتيم ماله وهو في هذه السن الصغيرة، كأنه –تعالى- يقول للولى أنت ستسلم المال وتضعه بين يدي سفيه سيضيع هذا المال.
وعبر تعالى عن مال اليتيم بقوله (أَمْوَالَكُمُ) كأن مال اليتيم هو مال الولى، كأن الله تعالى يقول للولى حافظ على مالك اليتيم كأنه مالك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
يعنى قوام حياة اليتيم بعد ذلك ستكون من هذا المال، وبدون هذا المال سيضيع هذا اليتيم.
وهنا يتحدث الله تعالى بصيغة أن المجتمع الايماني وحدة واحدة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
توجيه الى الأنفاق على هذا اليتيم من ماله، وأن تعطيه ما يحي به حياة كريمة
وهناك دقيقة لغوية في هذه الجملة الكريمة، يقول تعالى (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) ولم يقل تعالى (وَارْزُقُوهُمْ منها وَاكْسُوهُمْ)
لو قال تعالى (وَارْزُقُوهُمْ منها وَاكْسُوهُمْ) يعنى الأخذ من اصل المال.
ولكن قوله تعالى (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) أي اجعلوا مال اليتيم مكانًا لرزقهم، يعنى أن تستثمروا لهم أموالهم، وتنفقوا على اليتيم من ريعها وليس من أصلها.
اذن فالله تعالى لا يريد من ولي اليتيم أن ينفق على اليتيم من أصل المال، لأنه لو فعل فسيقل هذا المال عاما بعد عام بسبب الإنفاق منه، والمثل يقول "خذ من التل يختل" وبسبب الزكاة الواجبة على هذا المال، وما بقي من المال فستقل قيمته الحقيقية عامًا بعد عام بفعل التضخم كما تقول القاعدة الاقتصادية "القيمة الحقيقية للنقود أقل من القيمة المستقبلية لها"
وانما يريد الله تعالى من ولى اليتيم أن يستثمر لليتيم ماله، في التجارة أو غير ذلك، حتى اذا بلغ اليتيم رشده، يجد المال قد كثر بدلًا من أن يقل.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
أي يقول ولى اليتيم لليتيم كلامًا طيبًا لينًا.
لأنه لا شك أن اليتيم يفكر أن ماله بيد هذا الوصي، وهو يريد أن ينفق منه، وهذا الوصي يضيق عليه، فوجه الله تعالى الولى الى أن يقول لليتيم صاحب المال كلامًا طيبًا لينًا كأن يقول له: هذا المال مالك، وأنا أحافظ لك عليه، وأنا أنميه لك، وسأعطيه لك في أقرب وقت، وهكذا...
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
كما نقول دائمًا "العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب" فالآية تنهي عن أن تجعل أموالك بيد الشخص السفيه.
بعض كتب التفسير قالت أن المقصود هم الزوجات والأبناء الصغار.
ونحن نقول أن الآية تقول لك: لا تدفع مالك الى الشخص السفيه، لا تدفع مالك الى شخص مبذر، لا تدفع مالك الى شخص لا يحسن التصرف، سوءا كان هذا الشخص هو زوجتك أو ابنك أو موظف في شركتك، أو شخص متقدم في السن، أو اي شخص يوصف بالسفه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|