Untitled Document

عدد المشاهدات : 1558

الحلقة (258) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (8) من سُورَةِ "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائتين
تدبر الآية (8) من سورة "النِسَاء"

        

وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)
        

(وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ) يعنى اذا حضر تقسيم التركة 
(أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ) وهم الأقارب الذين لا ميراث لهم في التركة.
(وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ) يعنى يتامى ومساكين لا قرابة بينهم وبين المتوفي.
(فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ) أي أعطوهم شيئًا من التركة، وهذا علي سبيل المروءة والصدقة.
ولكن اذا كان بين الورثة طفل أو صبى لم يبلغ فلا يجوز الاعطاء من نصيبه، ولا يجوز لأمه أو وليه أن يتصدق من نصيبه.
(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) أي تقولون لهؤلاء الأقارب وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ كلامًا طيبًا لينًا تستطيبون به نفوسهم.

        

يقول ابن كثير في تفسيرهذه الآية: المعْنَى أَنّهُ إِذَا حَضَرَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء مِنْ الْقَرَابَة الّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَالْيَتَامَى وَالمسَاكِين، قِسْمَة مَال جَزِيل، فَإِنّ أَنْفُسهمْ تَتُوق إِلَى شَيْء مِنْهُ، إِذَا رَأَوْا هَذَا يَأْخُذ وَهَذَا يَأْخُذ، وَهُمْ يَائِسُونَ لَا يُعْطُونَهُ شيئاً، فَأَمَرَ اللّه تَعَالَى -وَهُوَ الرّءُوف الرّحِيم- أَنْ يعطي لَهُمْ شَيْء، يَكُون بِرّا بِهِمْ، وَصَدَقَة عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَاناً إِلَيْهِمْ، وَجَبْراً لِكَسْرِهِمْ.
        

ويمكن أن يكون حضور هؤلاء الذين ذكرتهم الآية الكريمة لقسمة التركة حضورًا حقيقيًا لاعتقادهم أن لهم نصيب في التركة، فقد يحضر الخال وهو يعتقد أن له نصيب في التركة، فاذا وجد أنه لن يرث، وربما كان في حاجة الى المال، فانه سيمشي مكسور الخاطر.
ويمكن أن يحضر الْيَتَامَى وَالمسَاكِين القسمة بمعنى أنهم موجودون وأحوالهم معروفة، وليس شرطًا أنهم جلوس مع الورثة وقت القسمة، لأن قسمة المال تكون عادة بين الورثة فقط.
كما تقول "أنا كنت حاضر وقت الحرب" فهذا لا يعنى أنك شاركت في الحرب، ولكنها تعنى أنك كنت موجودًا وقت الحرب.
اذن فقوله تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) يشمل من كان جالسًا مع الورثة وقت تقسيم التركة، ويشمل كذلك من لا يكون جالسًا وقت تقسيم التركة، ولكن الورثة يعلمون بوجوده، ويعلمون أحواله. 

        

وقد بدأ تعالى بذوي القربي لأنهم أولى بالصدقة لقرابتهم، ثم قدم –تعالى- اليتامى على المساكين، لضعفهم وشدة حاجتهم.
        

وذهب البعض أن هذا الأمر للوجوب، والجمهور على أن هذا الأمر على سبيل الندب والاستحباب
        

قال البعض أن هذه الآية منسوخة، نَسَخَتْهَا آيات الْمَوَارِيثُ، أي أبطلت حكمها آيات الْمَوَارِيثُ، وهي الآيات 11 و 12 و176 من سورة النساء  (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ (
ولكن الجمهور على أن هذه الآية محكمة وليست بمنسوخة، لأن الروايات القائلة بأنها محكمة ثابتة في صحيح البخاري، ولأنه أثر عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفعلون ذلك ويأمرون به، ولأن هذه الآية الكريمة لا تتعارض مع آية المواريث، فهذه الآية –كما رأينا- تحث على الصدقة من التركة، وصلة الأقارب الذين لا يرثون. 

        

يقول سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏‏:‏ هَذِهِ الْآيَةُ يَتَهَاوَنُ بِهَا النَّاسُ‏، وبالفعل هذه من الفضائل التى غفل عنها الكثيرون، لذلك نقول عندما يرث أحد، فان أول شيء يفعله هو أن يخرج صدقة من هذا المال، وذلك شكرًا لله تعالى لأن هذا المال جاءه من غير كدّ ولا تعب.

        

يقول أهل العلم أن هذه الآية يؤخذ منها أنه اذا تطلع وتشوف أحد الى شيء بيدك فأعطه منه ما تيسر لك، كما قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ"
كما قال تَعَالَى (كُلُوا مِنْ ثَمَره إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقّه يَوْم حَصَاده)

        

(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
ليس معنى أن تتفضل على اليتيم أو المسكين بشيء من التركة أن تقول له كلامًا يجرحه، مثل "خذي أنا عارف انتي شايلة على قلبك قد كده" أو "خد ولو انك ما تستحقش" أو  "خد يا عم أحمد ولو ان المرحوم ما كنش بيطيقك" بل تقول له كلامًا طيبًا مثل: لو هناك أكثر كنا أعطيناكم أكثر.
أو لو تعذر اعطائهم من التركة لشدة احتياجك الى المال مثلًا، أو كانت التركة ليتيم لا يجوز التصدق منها، يعتذر اليهم بكلمات طيبة، وفي الحديث "الكلمة الطيبة صدقة".

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇