Untitled Document

عدد المشاهدات : 1804

الحلقة (279) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (51) الى (55) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي س

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائتين (279) (ص 86-87)
تدبر الآيات من (51) الى (55) من سورة "النِسَاء"

       

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)
       

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)
سبب نزول الآية أنه بعد معركة أحد خرج وفد من يهود المدينة، وكان عددهم ثلاثين وعلى رأسهم "كعب بن الأشرف" سيد بني النضيرو"حي بن أخطب" شاعر بنى النضير، وذهبوا الى مكة، وكان هذا في بداية تحريض القبائل، وتجميعهم لحرب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-والتى انتهت الى غزوة الأحزاب، فقال أبو سفيان لكعب بن الأشرف: أنتم أهل كتاب، فنحن أهدي أم ما عليه محمد ؟ فنحن نقري الضيف، ونفك العاني، ونسقي الحجيج، ونطعمهم ونحن، أهل الحرم، ومحمد قطع الرحم وفارق الحرم. 
فقال كعب: أنتم واللَّه أهدى مما عَلَيْه محمد، وهذا هو قول الله تعالى (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا)

       

ولذلك بدأت الآية بالتعجب والاستنكار، يقول تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ) يعنى أنتم أهل كتاب، ومع ذلك تقولون أن دين المشركين افضل من دين المسلمين.
لو جاءك مسيحي وقال لك أيهما أفضل ديني أم من يعبد البقر ؟ ستقول دينك.
وسألك يهودي وقال لك ديني أفضل أم من يعبد النار، ستقول دينك أفضل.
حتى عندما كان يقع قتال بين الفرس والروم، كانت قلوب المسلمين مع الروم، لأن الروم أهل كتاب، والفرس مجوس يعبدون النار، قال تعالي في سورة الروم (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)

       

وقد قد شهد بقبح ذلك الموقف كاتب يهودي هو الدكتور "إسرائيل ولفنسون" يقول فى كتابه "تاريخ اليهود في بلاد العرب" معلقا على هذه القصة:
وكان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في هذا الخطأ الفاحش ، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي، وبذلك ناقضوا تعاليم التوراة التي توصيهم بالنفور من عبدة الأصنام، والوقوف منهم موقف الخصومة، وقد كان بنى إسرائيل لمدة قرون حاملي راية التوحيد في العالم بين الأمم الوثنية، وقد نكبوا بنكبات لا تحصى من تقتيل واضطهاد بسبب إيمانهم بإله واحد في عصور شتى."

       

يقول تعالى (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) 
الجبت هم السحرة والكهان
والطاغوت هي الأصنام التى كانوا يعبدها أهل الشرك.
وقد روي أن وفد اليهود قد سجدوا لأصنام قريش ارضاءًا وتملقًا لهم.
وقيل أن أبو سفيان زعيم قريش توجس منهم، وخشي أن يكون هناك اتفاق بينهم وبين الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطلب منهم أن يسجدوا لأصنامهم ففعلوا.
المهم أن اليهود سجدوا لأصنام المشركين وأتوا عملًا من أعمال الكفر حتى يصلوا الى غايتهم.

       

وهذه أحد سمات الشخصية اليهودية وهي النفاق، والتحايل، والوصولية، ولذلك قالوا "السياسة هي فن الكذب" وقالوا "الغاية تبرر الوسيلة" 
هناك أحد أسفار التوراة اسمه سفر "يَهُودِيتُ" وفي هذا السفر قصة امرأة اسمها  "يَهُودِيتُ" استخدمت جمالها في اغراء قائد الأعداء، حتى قتلته، فأصبحت هذه المرأة قديسة في التوراة المحرفة.
هناك قصة عن أحد اليهود الروس حصل على تصريح بالهجرة الى اسرائيل، وفي أثناء تفتيش حقائبه في مطار موسكو، وجد الموظف تمثال للينين من الذهب بين الملابس، فساله: ما هذا ؟ قال اليهودي: هذا لينين العظيم، الذي أرسى دعائم الاشتراكية، وجلب الخير للشعب الروسي، وأنا أصطحبه معي للبركة" فتأثر الموظف الروسي وقال له تفضل بالمرور.
وعندما وصل الى مطار تل أبيب رأي موظف التفتيش التمثال، فقال له: ما هذا ؟ قال هذا تمثال لينين المجرم الذي تركت روسيا بسببه، أصطحبته معي كي أنظر في وجهه كل يوم، وأكيل له اللعنات" فتأثر الموظف الاسرائيلي وقال له تفضل بالمرور.
وعندما وصل الى اسرائيل، وضع التمثال في بيته، ورآه يومًا أحد أبناء أخيه، فقال له من هذا ؟ قال له اليهودي: هذه سبيكة من الذهب وزنها 10 كيلو جرام جلبتها من روسيا بدون جمارك. 

       

وقد قلنا مرارًا أن القرآن العظيم مليء بأخطاء بنى إسرائيل ليس بهدف التشنيع عليهم، ولكن حتى نتعلم نحن من أخطائهم فلا نقع فيها.
الآن نجد من المسلمين من يذم المسلمين ويثنى على الكافرين، ويذم المؤمنين ويثنى على العصاة.

       

(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) 
(أُولَئِكَ) يعنى هؤلاء اليهود الذين (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا) 
(لَعَنَهُمُ اللَّهُ) 
وأصل اللعن في كلام العرب الطرد والإبعاد
كانت العرب تقول للذنب: لعين، وللرجل الطريد لعين.
فمعنى (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي طردهم الله تعالى من رحمته ومن خيره ومن عطائه.
وهذا اللعن في الدنيا، وفي  الآخرة، وهوفي  الآخرة أعظم.
ولذلك فاللعن هي أكبر عقوبة من الله تعالى.

       

(وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)
وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فلن يجد من ينصره من الله.
فهؤلاء اليهود ذهبوا الى قريش وهم يعتقدون أن القوة معهم، فرد الله تعالى عليهم بأنهم قد استحقوا اللعن بأفعالهم، ومن يلعنه الله فلن يجد من ينصره من الله.

       

(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) استفهام استنكاري للتقريع، يعنى لَوْ كَانَ لَهُمْ–هؤلاء اليهود- نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، أي من ملك الله
(فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا)
والنقير هو الثقب الصغير كرأس الدبوس يكون فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ‏، وهي التي تنبت منها النخلة.
يعنى لن يعطوا الناس أي شيء من ملك الله، وذلك لعظم بخلهم وحسدهم وقلة خيرهم.
وقد يكون المقصود بالملك هو الملك في الدنيا، فاذا صار لهم ملك في الدنيا، فان من شأنهم ألا ينتفع منهم غير اليهودي، ولَا يعطون الناس أي قدر من حقوقهم عليهم،  وهذا ما حدث بالفعل عندما أنشأوا دولتهم في فلسطين، فهم يسعون الى ان يطردوا منها المسلمين والنصاري، ولا يعطوهم منها الا النقير.


       

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) 
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) اي بل يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
وقوله تعالى (مِنْ فَضْلِهِ) أي النبوة
والمعنى أنهم قد حسدوا العرب لأنهم كانوا يعتقدون أن نبي آخر الزمان الذي يجدونه في كتبهم، والذي بشر به موسى وعيسي عليهما السلام سيكون من بنى اسرائيل، لأن كل الأنبياء بعد ابراهيم كانوا من نسل اسحق، ولم يأت أي نبي من نسل أخيه اسماعيل، فلما جاء النبي الذي ينتظرونه من ولد اسماعيل، حسدوا العرب على ذلك، فقال تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى: بل يحسدون العرب بسبب أن نبي آخر الزمان جاء منهم.

       

(فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)
يعنى عطاء الله تعالي هو لجميع آَلَ إِبْرَاهِيمَ يعنى اسماعيل وذريته واسحق وذريته، وليس عطاء الله تعالى لإسحاق وذريته وحدهم.
يقول تعالى (فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ) يعنى أعطينا كل ذرية ابراهيم، سواء من اسماعيل أو من اسحق.
(الْكِتَابَ) يعنى الكتب السماوية، مثل صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ والتوراة والانجيل وَالزَّبُورِ
(وَالْحِكْمَةَ) وَالْحِكْمَةَ هي سنة كل نبي في زمنه 
(وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) وهو ملك داود، ثم ملك سليمان –عليهما السلام- ثم محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك.
اذن فالمعنى بل تحسدون العرب لأن نبي آخر الزمان جاء منهم، فاعلموا أن الله تعالى قد أعطي الله النبوة والكتب السماوية والملك لجميع آل ابراهيم، يعنى اسماعيل وذريته واسحق وذريته، وليس عطاء الله تعالى لإسحاق وذريته وحدهم.

       

(فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)
(فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ)
أي فمن اليهود من آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
(وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) وَمِنْهُمْ من أعرض عنه ولم يؤمن .
(وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) تكفيهم جهنم تسعر عليهم.
يقول الطبري في تفسيره لما نزل قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) كان هذا الْوَعِيدَ مِنَ اللَّهِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ عليهم فِي الدُّنْيَا اذا أقاموا جَمِيعِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، فلما آمن بعض اليهود، رفع الله عنهم هذا الوعيد فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَأُخِّرَتْ عُقُوبَةُ الْمُقِيمِينَ عَلَى التَّكْذِيبِ إِلَى الْآخِرَةِ، فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ كَفَاكُمْ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا‏.‏

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇