Untitled Document

عدد المشاهدات : 1602

الحلقة (288) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (77) من سورة "النِسَاء" قول الله -تَعَالي- )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِي

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الثامنة والثمانون بعد المائتين (288) (ص 90)
تدبر الآية (77) من سورة "النِسَاء"

        

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)


هذه الآية الكريمة نزلت في جماعة من صحابة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت قريش تؤذيهم وهم في مكة قبل الهجرة، فاستأذنوا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قتال كفار قريش سرًا، أي يقوموا بعمليات قتل انتقامية سرية، فلم يأذن لهم الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال لهم: "إنِّي أُمِرتُ بالعفوِ فلا تُقاتِلوا القومَ" ثم أمرهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلتزموا فقط بما أمرهم الله به من اقامة الصلاة وايتاء الزكاة، لأن العبادة هي التي تقوي النفس على الجهاد عندما يأمروا–بعد ذلك- بالجهاد، يقول تعالى )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)
وهذه فيها فائدة هامة، وهي: اذا كان المسلمون مضطهدون أو مستضعفون في أي مجتمع فيجب عليهم ألا يندفعوا في عمليات انتقامية غير محسوبة، يمكن أن تعود بالضرر عليهم، نقرأ أحيانًا عن عمليات انتقامية قام بها مسلمون نتيجة تعرضهم للإيذاء، فتكون نتيجة هذه العمليات زيادة الاضطهاد والإيذاء للمسلمين، وتكون نتيجتها تشويه صورة الاسلام والمسلمين ووصمهم بالإرهاب، فيجب أن يكون الأساس في أي تصرف هو مصلحة الدعوة وليس الانتقام للنفس.

        

يقول تعالى (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) أي فلما أمرهم الله تعالى بالقتال –الذي طلبوه هم- وذلك بعد هجرة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة الى المدينة.
يقول تعالى (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) أي أن بعض منهم قد تراجع وجبن عن القتال.
ولم يقل تعالى (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يرفضون القتال) أو ما شابه، وانما قال (إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) وذلك حتى يُنَفَّرَ المؤمنين من الخوف من القتال، كأن الله تعالى يقول لهؤلاء انظروا الى قبح خوفكم من القتال، فأنتم –في الحقيقة- حين تخافون من القتال فأنتم تخافون النَّاسَ كخوفكم من الله تعالى أو أشد خوفًا من الله، لأن الله تعالى هو الذي أمر بالقتال.

        

وقوله تعالى (إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ) يعنى البعض من الذي طلبوا القتال في مكة أصابهم الخوف، بينما لم يصب الخوف البعض الآخر بل بقي على شدته وصلابته.
وهذا يدل على خطأ ما ذهب اليه بعض المفسرون حين قالوا أن المقصود بهده الآية هم المنافقون، نقول لو كان المقصود بها المنافقون لكان جميعهم قد جبن عن القتال، ولكن الله تعالى قال (إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ) يعنى أن الذي قال هو من المؤمنين ثم اعتري بعضهم ما يعتري بعض البشر من الضعف.
والرواية التي ذُكِّرَت عن ابن عباس أن من الذين استأذنوا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القتال وهم في مكة "عبد الرحمن بن عوف" و"سعد بن أبي وقاص" فلا يعنى ذلك أنهما –رضى الله عنهما- من الفريق الذين خشي من القتال بعد أن فرض بعد ذلك.

        

وقوله تعالى (يَخْشَوْنَ النَّاسَ) توبيخ لهم، يعنى الذين تخشونهم ناس مثلكم.
وقوله تعالى (أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً)أي: بل أَشَدَّ خَشْيَة، وهذهزيادة في توبيخهم وذمهم.
وهذه أيضًا فيها فائدة هامة وهي أنك اذا ارادت نفسك فعل طاعة فاجتهد في أن أدائها، وأعلم أن الشيطان سيحاول أن يخذلك عن أداء ما عزمت عليه، فاعقد العزم على أن تتغلب على شيطانك وأن تتغلب على هوي نفسك وأن تفعل ما اردت وما عزمت على أدائه.

        

(وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) أي وَقَالُوا في أنفسهم جزعًا من القتال: لِمَ يا رب فَرَضْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ‏؟‏
(لَوْلَا أَخَّرْتَنَاإِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) يعنى هَلَّا أَخَّرْتَ فرض الجهاد علينا قليلًا حتى نكثر ونقوى.
وهذا هو ما يطلق عليه التسويف، وهو أحد أهم جنود الشيطان.

        

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) المتاع هو ما يتمتع بعه الانسان.
يعنى الدنيا التي تحرصون عليها، وتشفقون من فقدها، نعيمها بالنسبة للآخرة قليل جدًا سواء في ذاته أو في مدته. 
قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح وتركها (
قَرَأَ الْحَسَنُ البصري: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) ثم قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً صَحِبَهَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، مَا الدُّنْيَا كُلُّهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا إِلا كَرَجُلٍ نَامَ نَوْمَةً فَرَأَى فِي مَنَامِهِ بَعْضَ مَا يُحِبُّ، ثُمَّ انْتَبَهَ.
روي أن عمار بن ياسرٍ كان عند "عليُّ بن أبي طالبٍ" فتحدثا عن الدنيا فتنهد عمار، فقال على: يا عمار على ماذا تنفسك،لَا تَحْزَنْ عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّ الدُّنْيَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ: مَطْعُومٌ ؛ وَمَشْرُوبٌ ؛ وَمَلْبُوسٌ ؛ وَمَشْمُومٌ ؛ وَمَرْكُوبٌ ؛ وَمَنْكُوحٌ، فألذ ما أكل فيها العسل، وهو قيء حشرة، وألذ ما شرب الماء، ويَسْتَوِي في شربه ابن آدم والكلب، والخنزير، وأحسن ما لبس الحرير، وهو لعاب دودة، وأحسن ما اشتم المسك، وهو دم حيوان، وأعز مَرْكُوبهَا الْفَرَسُ وَعَلَيْهِ مصارع الرِّجَالُ، وَأَمَّا الْمَنْكُوحُ فَالنِّسَاءُ وَهُوَ مَبَالٌ فِي مَبَالٍ.
يقول عمار: فوالله ما حزنت على شيء بعدها أبدا.

        

(وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ من الدنيا، لِمَنِ اتَّقَى، أي لمن أتقي المعاصي. لأنها شر لمن لم يتقي 
كما قال تعالى في سورة يس (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) 
(وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي وَلَا تُظْلَمُونَ مقدار الفتيل، والفتيل هو الشعرة التي تكون في شق النواة، ويضرب بها المثل في الشيء اليسير الحقير.
والمعنى لن تظلموا بنقص حسنة أو زيادة سيئة ولو بشيء يسير جدًا.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇