تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائتين (294) (ص 93)
تدبر الآية (92) من سورة "النِسَاء"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) يعنى لا يجوز أبدًا لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا أن يكون ذلك القتل عن طريق الخطأ.
مثل رجل صدم آخر بسيارة، أو عامل يعمل في دور علوي فسقطت منه معدة على رأس مار في الطريق فمات، أو شخص ينظف سلاحه فخرجت منه طلقة فقلت شخص جالس الى جواره.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم بين - سبحانه - حكم القتل الخطأ فقال تعالى (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ( فمن يقتل مسلمًا على سبيل الخطأ، فعليه حقان: حق لله، وحق لأولياء القتيل، فأما حق الله فهو (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) وأما حق أولياء القتيل فهو (دِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الحق الأول: وهو حق الله وهو (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)
لماذا تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ؟ لأن الذي قتل آخر قد حرم المجتمع من حركة شخص كان يخدم هذا المجتمع، فيكفر عن هذا بأن يعمد الى عبد، والعبد حركته محدودة مع سيده، فيعتقه حتى يبسط حركته في المجتمع، فيكون ذلك عوضًا عن الشخص الذي حرم المجتمع من حركته.
وأيضًا لأن الله تعالى يريد أن يفتح مصرفًا جديدًا لحرية الارقاء، لأن الإسلام اراد تصفية الرق، ولكن تصفية تدريجية لا تحدث هزة اقتصادية في المجتمع.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ولماذا يشترط أن تكون هذه الرقبة مُّؤْمِنَةٍ ؟
لأن حركة المؤمن في المجتمع حركة صالحة، بينما حركة الكافر في المجتمع حركة مفسدة، فليس منطقيًا أن يحرم القاتل المجتمع حركة صالحة، ثم يعوضها بحركة مفسدة، بل يجب اذا حرم المجتمع من حركة صالحة أن يعوضها بحركة صالحة أخري.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
الحق الثاني حق أولياء القتيل، وهو الدية، والدية جزاء يجمع بين الزجر لمن قتل بالخطأ، والتعويض لأهل القتيل، لأن هذا القتيل يمكن أن يكون عائلًا لأسرته، فيكون هذا المال عونًا لهم بعد وفاة عائلهم.
ولذلك دية المرأة نصف دية الرجل، لأن المرأة ليست مسئولة عن الانفاق عن أحد، فهي مسئولة عن الانفاق عن نفسها فقط.
والذي يأخذ الدية هم ورثة القتيل، حسب أنصبتهم الشرعية
والذي يدفع الدية هم أقارب القاتل، وليس القاتل نفسه، ويطلق عليهم في كتب الفقه "العاقلة" لأن القتل الخطأ قد يكون بسبب الإهمال، وهو أمر لا يمكن أن يحدده الا أقارب القاتل، فجعل المشرع اقارب القاتل هم الذين يتحملون الدية حتى يأخوا على يده ان كان مهملًا، فلا يتكرر هذا الفعل منه مرة أخري.
فاذا كانت عاقلة القاتل معسرة، فيتحملها القاتل من ماله، فاذا كان معسرًا دفعت من خزينة الدولة، فاذا لم يتيسر ذلك حبس القتال بها.
أما عن قيمة الدية فهي: مائة من الإِبل، ثم اجتهد العلماء في تقويم الإبل الى النقود التى نتعامل بها اليوم، ففي القانون السعودي –مثلًا- دية القتل الخطأ 300 ألف ريال سعودي، وفي الامارات 200 ألف درهم اماراتي، وفي الكويت 10.000 دينار كويتى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ) أى إلا أن يتنازل أهل القتيل عن هذه الدية، أو عن جزء منها.
وعبر تعالى عن هذا التنازل بقوله تعالى (يَصَّدَّقُواْ) ترغيبًا لأهل القتيل، وأن هذا التنازل منهم بمنزلة الصدقة، ولهم ثواب الصدقة، خاصة اذا كان القاتل وأهله يشق عليهم أداؤها.
(فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)
وان كان المقتول مؤمنًا ولكنه ينتمي الى قوم كافرين، وكان هذا يحدث في وقت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان الرجل يأتي الى النَبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويسلم، ثم يعود الى قومه وهم مشركون، ثم يحدث قتال بين المسلمون وبين قومه، فربما يقتله المسلمون وهم لا يعلمون أنه مسلم.
يقول تعالى (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) يعنى عليه تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وليس عليه دفع دية، لأن هذه الدية يمكن أن يستعين بها العدو على حرب المسلمين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وَإِنْ كَانَ القتيل مِنْ قَوْمٍ ليسوا مسلمين، ولكن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أي معاهدة، فحكمه حكم المسلمين، فعلي القاتل أن يدفع الدية الى ورثة القتيل، وأن يعتق رقبة مسلمة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقدم الدية هنا على تحرير الرقبة على العكس مما جاء فى دية المسلم لسببين: الأول: لأن البعض قد يتهاون في دفع الدية اذا كانت لغير المسلمين، فقدمها للإهتمام بها
والسبب الثاني أنه –تعالى- قال بعدها (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) والضَّمِيرِ يعود عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُور، فأخر قوله (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) حتى يعود اليها الضمير في (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)
فلا يأتي أحد فيقول أنا لا أجد دفع الدية فأنا اصوم شهرين، نقول الضمير في (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) يعود على أقرب مذكور وهو (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وليس (صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)
وهذا هو المنطقي لأن الدية حق أولياء القتيل، بينما عتق الرقبة حق الله، ولذلك فاذا لم تجد عتق الرقبة وهو حق الله، فيكود البديل حق آخر لله وهو الصيام شهرين
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) يعنى من لَمْ يَجِدْ رقبة مؤمنة يعتقها –مثل الوضع الآن- فعله صيام شهرين (مُتَتَابِعَيْنِ) يعنى أن تكون أيام الصيام متصلة لا يفرق بينهم بفطر، بحيث لو أفطر يومًا يبدأ الشهرين من جديد، الا أن يكون الفطر بسبب عذر حيض أو نفاس أو مرض واختلفوا في السفر.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) التوبة تكون عن ذنب، وهذا القتل كان خطأ، والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فاين الذنب الذي يتوب الله عنه
نقول أن القتل الخطأ في أحيان كثيرة يكون نتيجة اهمال، مثل رجل يقود السيارة بسرعة، أو شخص يطلق أعيرة نارية في فرح فاصاب شخص، وهذا الاهمال الذي تسبب في القتل يحتاج الى توبة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي عليماً بخلقه حكيماً فيما شرع.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|