تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة الخامسة والتسعون بعد المائتين (295) (ص 93)
تدبر الآية (93) من سورة "النِسَاء"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية نَزَلَتْ فِي رجل من العرب اسمه "مَقِيسِ بْنِ ضَبَابَةَ"، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَسْلَمَ هو وَأَخُوهُ "هِشَامُ بْنُ ضَبَابَةَ"، وَكَانَا بِالْمَدِينَةِ، فَوَجَدَ مَقِيسُ أَخَاهُ هِشَاماً ذَاتَ يَوْمٍ قَتِيلا فِي الأَنْصَارِ فِي بَنِي النَّجَّارِ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلا مِنْ قُرَيْشِ مِنْ بَنِي فِهْرٍ وَمَعَهُ مَقِيسٌ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ وَمَنَازِلُهُمْ يَوْمَئِذٍ بِقُبَاءٍ ، وأمرهم أن يسلموا قاتل هِشَامُ الى أخيه ان علموه، فاذا لم يعلموه يدفعوا له الدية، فَلَمَّا جَاءَهُمُ َقالُوا: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قالوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلا وَلَكِنْ نُؤَدِّي الدِّيَةَ فَدَفَعُوا إِلَى مَقِيسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ دِيَةَ أَخِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مَقِيسٌ وَالْفِهْرِيُّ رَاجِعِينَ مِنْ قُبَاءٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، عَمَدَ مَقِيسٌ إِلَى الْفِهْرِيِّ فَقَتَلَهُ، وساق معه الإبل وَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، وقال في ذلك شعرًا يفتخر بأنه قد أخذ بثأر أخيه.
فلما كان فتح مكة كان "مَقِيسِ بْنِ ضَبَابَةَ" أحد أربعة رجال أهدر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دمائهم، وقال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، فقتل فعلا يوم فتح مكة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد أجمع العلماء على أن القتل العمد من كبائر الذنوب، بل قالوا أن القتل العمد هو أكبر جريمة في الوجود، والأحاديث في الوعيد لمرتكب هذه الكبيرة كثيرة جدا، منها قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ".
ويقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا"
وعنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ حتى يدنيه من العرش"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقد توعد الله تعالى مرتكب هذه الكبيرة بخمس، فقال تعالى )وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) كأن هناك عذاب عظيم آخر غير عذاب جهنم.
وهذا الوعيد الشديد في حالة عدم التوبة، يعنى اذا مات القاتل دون أن يتوب عن هذا الذنب.
أما اذا تاب القاتل، فأمره الى الله تعالى ان شاء تاب عليه، وان شاء عذبه.
أما حق المقتول فان الله تعالى يعوضه عنه يوم القيامة، كما قال ابن القيم في "مدارج السالكين"
روي أن ابن عباس كان جالسًا في جماعة، فجاءه رجل وقال له: هل للقتال عمدًا توبة ؟ قال نعم. وبعد ذلك بفترة جاءه رجل آخر وقال له: هل للقتال عمدًا توبة ؟ قال: لا ، الا النار. فلما ذهب: قال له جلساءه: كنت تفتينا أن للقاتل توبة. فقال ابن عباس: أما هذا الرجل فقد رأيت في وجهه الغضب، فعلمت أنه يريد أن يقتل نفسًا، فأردت أن أرهبه، وأما الأول فقد كان في وجهه الندم، فعلمت أنه قد قتل نفسًا، فلم ارد أن أقنطه من رحمة الله.
يقول الراوي: فبعثوا في أثر الرجل فوجدوه كذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن هناك قتل خطأ وقد ذكر الله حكمه في الآية السابقة، وهناك قتل عمد وهو الذي يعبر عنه في القانون بسبق الاصرار والترصد، وقد ذكر الله حكمه في سورة البقرة، يقول تعالى (يـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ .... الى آخر الآية)
يقول العلماء هناك نوع آخر من القتل، وهو القتل شبه العمد، وصورته أن يضرب شخص آخر وهو لا يقصد أن يقتله فيقتله، وحكمه اذا كانت الآلة المستخدمة في الضرب تقتل غالبًا، كمن يضرب آخر بحديدة مثلًا، فانه يأخذ حكم القتل العمد وهو القصاص، واذا ضربه بشيء لا يقتل الا نادرًا، كمن ضرب بيده، أو بسوط فيكون حكمه حكم القتل الخطأ وهو الدية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|