تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة (305)
تدبر الآية (127) من سورة "النِسَاء" (ص 98)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الاية من آيات الأحكام، يقول الإِمام الرازى في علاقة هذه الآية بالآيات السابقة عليها، أن الله تعالى يضع آيات الأحكام وسط آيات الوعد والوعيد، لأن الأحكام شاقة على النفس، فاذا جاءت مقرونة بالوعد والوعيد تقع موقع القبول.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسبب نزول الآية أن العرب في الجاهلية كانوا لا يورثون الصغار ولا النساء، وكانوا يقولون لا نورث الا من يحمل السلاح ويقاتل العدو ويحوز الغنيمة، فلما جاء الاسلام وزع الميراث توزيعا عادلا، فأعطي المرأة وأعطي الصغار، فشق ذلك على الناس، وقالوا أيرث الصغير وترث المرأة كما يرث الرجل ؟ وكثرت أسئلتهم ومراجعتهم للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الأمر، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة:
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) أي يطلبون منك الفتيا في أمر النِّسَاءِ.
(قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) أي أن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي سيتولى بنفسه الفتيا في أمر النساء.
(وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ)
أي ويُفْتِيكُمْ أيضًا في أمر النساء: مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، يعنى ما ذكر من آيات فِي شأن يَتَامَى النِّسَاءِ في أول هذه السورة.
لأنهم راجعوا الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أحكام نزلت، فالله تعالى يقول لهم ارجعوا الى ما ذكر في الايات السابقة، فتدبروها واعملوا بها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ)
يعنى اليتامي من النساء اللَّاتِي تستضعفوهن فلا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنّ سواء التركة اذا كان لها حق في التركة، أو المهور اذا أردت الزواج بها.
(وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)
في اللغة يمكن أن تقول رغب في أو رغب عن، كما يمكن أن تقول ذهب الى أو ذهب عن.
فاذا قلت: وَتَرْغَبُونَ في أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، يعنى تريدون نكاح أو الزواج من هذه اليتيمة.
واذا قال: تَرْغَبُونَ عن أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، يعنى لا تريدون الزواج من هذه اليتيمة.
وكلمة (تَرْغَبُونَ) في هذه الآية جائت محذوفة الحرف الذي بعدها، فلم يقل تعالى (تَرْغَبُونَ في) ولم يقل (تَرْغَبُونَ عن) وذلك حتى تحمل المعنيين:
فقد تكون اليتيمة جميلة أو ذات مال، فيريد وليها أن يتزوجها، ولكنه يستغل ولايته له، فيتزوجها دون أن يعطيها صداقها، أو يتزوجها ويخلط ماله بمالها ويأكل تركتها.
أو لا يريد وليها أن يتزوجها، فيعضلها، يعنى لا يسمح لها بالزواج حتى يظل مالها تحت يديه
ولقد رُوي أن عمر بن الخطاب جاءه رجل يساله عن أمر يتيمة تحت وصايته فقال عمر: ان كانت جميله فالتمس لها من هو خير منك، وان كانت دميمة فخذها فأنت أولى بها.
وقال علي بن أبي طالب لولي يتيمة: تزوجها إن كنت خيرا لها، فإن كان غيرك خيرا لها فألحقها بالخير.
يعنى تبحث لليتيمة التى أنت وصي عليها عن مصلحتها هي وليست مصلتك أنت
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) أي ويفتيكم أيضًا في الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ، فيجب أن تعطوهم نصيبهم من التركة، لأن العرب –كما ذكرنا- كانوا لا يورثون الصبية الصغار، فلما جاء الإسلام أعطي الصغير أكثر من الكبير لأن الصغير أحوج إلى المال.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) يعنى ويأمركم الله تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ أي بالعدل.
أما اذا أردت أن تعطي اليتيم أكثر، فيقول تعالي
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) يعنى يعلمه تعالى وسيجازيكم عليه خير الجزاء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن قوله تعالى (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) وَيطلبون منك –يا محمد- الفتيا في أمر النساء.
(قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) فالله تعالى هو الي سيفتيكم بنفسه في أمر النساء.
(وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ) ويفتيكم في شأن النساء أيضًا ما ذكر من آيات فِي شأن يَتَامَى النِّسَاءِ في أول هذه السورة.
(اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) يعنى النساء اليتيمات اللَّاتِي لا تعطوهن أنصبتهن في التركة ان كان لهن تركة، أو ما يستحقن من مهر ان أردتم الزواج منهن
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) كما يأمركم تعالى بأن تعطوا الصغار الضعفاء أنصبتهم من التركة.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) كما يأمركم الله تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بالعدل.
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) فاذا أردتم أن تعطوا الأيتام والصغار والضعفاء أكثر مما يستحقون، فان الله عليم بما تقدمونه وسيجازيكم عليه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|