Untitled Document

عدد المشاهدات : 1750

الحلقة (323) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآية (164) من سورة "النِسَاء "قول الله -تَعَالي- (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164

تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم
الحلقة (323)
تدبر الآية (164) من سورة "النِسَاء "(ص 104)

❇        

(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) 
❇        

(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) أي أن الله تعالى قص علينا في القرآن بعض الرسل ولم يقص علينا البعض الآخر. 
وهذا رد على سؤال يسأله الملحدون، وربما يتردد في اذهان البعض: لماذا كل الرسل في منطقة الشرق الأوسط ؟ لماذا لم يكن هناك رسل في أوروبا و أمريكا و استراليا و أواسط أفريقيا ؟
نقول: من قال أن الله تعالى لم يرسل رسل الى هذه الأماكن ؟ 
يقول تعالى (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) يعنى أن الله تعالى أرسل رسولًا الى كل جماعة من الناس، وفي أي بقعة من الأرض.
ويقول تعالى في هذه الآية (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) فالله تعالى لم يذكر لنا جميع الرسل، وانما ذكر لنا بعض الرسل، لأن القرآن العظيم ليس كتاب تاريخ، ولا التوراة كتاب تاريخ، ولا الانجيل كتاب تاريخ.
قد يسأل أحد: لماذا لا توجد آثار ولا نقوش تدل على ارسال هؤلاء الرسل ؟ نقول وهل هناك آثار أو نقوش تدل على ارسال غيرهم من الرسل الذين نعرفهم مثل نوح وهود وصالح وابراهيم واسماعيل واسحق وبعقوب ويونس وأيوب، وغيرهم، فنحن لم نعرف هؤلاء الأنبياء الا من خلال نصوص التوراة والانجيل والقرآن، فلما سكتت هذه الكتب المقدسة عن غيرهم من الأنبياء فلذلك لم نعرفهم.
ولم يكن من المعقول أن يذكر الله تعالى في هذه الكتب رسل أرسلوا الى أقوام والى  مناطق غير معروفة عند من أنزلت عليهم هذه الكتب، فكيف يتحدث القرآن مثلًا عن رسول أرسل في قرية في أمريكا الشمالية، أو رسول أرسل الى قرية في أستراليا ؟
واذا لم تكن هناك آثار مادية لرسل أرسلوا السكان الاصليين في مناطق أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، فان الباحثين يقولون أن الموروثات الدينية عند السكان الأصليين لهذه المناطق تشبه في بعضها عقائد الرسالات السماوية  

❇        

أمر آخر أن الله تعالى ذكر بعض الأنبياء، ولم يذكر أماكنهم، مثل القرية التى ذكرت في سورة يس فقال تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) الى آخر القصة، فهذه القرية غير معروفة، بعض كتب التفسير قالت أنها مدينة "أنطاكية" في تركيا، وربما هي قرية في أستراليا أو أمريكا.
وكذلك "أصحاب الرس" وقد ذكرهم تعالى في سورة (ق) و"أصحاب الرس" يعنى "أصحاب البئر" وقد أطلق عليهم ذلك لأنهم قتلوا نبيهم ورسوه، اي ألقوه البئر، يقول ابن عباس أن هذه القرية في أذربيجان، وهي في أورويا، وقد تكون في قرية في أستراليا أو أمريكا الجنوبية.
و يمكن أن القرآن العظيم لم يذكر أماكن هؤلاء الرسل لأنهم في أماكن لم تكن معروفة عند العرب.

❇        

يقول تعالى (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)
وقلنا أن المعنى أن الله تعالى قص علينا بعض الرسل ولم يقص علينا البعض الآخر.
والذين ذكرهم الله تعالى لنا عددهم قليل جدًا بالنسبة لعدد الرسل، لأن الله تعالى لم يذكر في القرآن الا 25 رسول فقط، وقد قال تعالى (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) وهذا يعنى أن الذين لم يذكرهم الله تعالى عددهم كثير جدًا، ولذلك قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حين سأل عن عدد الرسل أنهم (جمّ غفير)
أما عدد الرسل، فلا نعرف بالتحديد، فهناك رواية عن أبي ذر أنه سأل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عدد الرسل، فقال له الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر، ولكن الحديث ضعيف.
سأل ابن باز رحمه الله عن عدد الرسل، فقال –رحمه الله- ليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه ، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جمّ غفير

❇        

ما الفرق بين الرسول والنبي ؟
الرسول هو الذي يرسل بتشريع جديد ؟ 
أما النبي فهو يطبق شرع رسول قبله.
فالأنبياء أرسلهم الله ليكونوا نموذجاً تطبيقياً للشرع السابق عليهم، دون أن يَأتوا بشرع جديد.
ولذلك فالرسول في درجة أعلى من النبي، لأن الرسول يواجه قومه بشرع جديد، فمن الطبيعي أن تحدث مواجهة ومعركة بينه وبين قومه الذين ألفوا القديم، ولهم مصالح مرتبطة مع الأوضاع القائمة، أما النبي فهو فقط يضبط سلوكهم على الشرع القائم عندهم والذين هم يؤمنون به. 
ولذلك قال العلماء كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
وهناك الخلاف بين العلماء هل كان آدم نبيًا أم رسولًا، والجمهور على أنه نبي، نقول كيف يكون نبيًا، والنبي يتبع شرع لرسول سابق، ولم يكن قبل آدم رسول، ولذلك فنقول أنه رسول لأنه جاء بشرع جديد.
أما ما احتجوا به من نصوص مثل ما  أخرجه ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم أنبي هو؟ قال: "نعم، نبيٌ مُكلم" نقول لأن كل رسول نبي، وقد خاطب الله تعالى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القران فقال (يا أيها الرسول) وقال (يا أيها النبي)

❇        

(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)
لماذا أكد الله تعالى الفعل (َكَلَّمَ) بالمصدر (تَكْلِيمًا) ؟
يقول أهل اللغة أنك اذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازًا
فمعنى قوله تعالى (تَكْلِيمًا) أي كَلَّمَ اللَّهُ تعالى نبيه مُوسَى بكلام ليس مجازيًا وانما كلامًا حقيقيًا.
لأن الله تعالى حين تحدث عن كلامه للبشر قال (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) 
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً) يعنى يلقي في روعه، كما أوحي الله تعالى الى أم موسي مثلًا (وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ) وكما أوحي الى النحل (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) فالله تعالى سمي هذا الوحي وهو الالقاء في الروع أو في القلب كلامًا، ولكنه كلام مجازي، وليس كلامًا حقيقيًا
(أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ) يعنى تسمع المتحدث وهو الله، دون أن تراه، وهذا انفرد به موسي.
(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) أو أن يُرْسِلَ رَسُولاً وهو جبريل، كما هو الحال مع جميع الأنبياء، فسمي الله تعالى ارسال جبريل كلامًا، وهو أيضًا كلام مجازي. 
اذن هذه الصور الثلاثة سماها الله كلامًا، فقال تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ) وهذا مثل قول الحسن البصري (من أراد أن يكلمه الله فعليه بالقرآن ومن أراد أن يكلم الله فعليه بالصلاة)
ولذلك عندما تحدث الله عن كلامه تعالى مع موسي، قال تعالى  (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فأكد الله تعالى الفعل (كَلَّمَ) بالمصدر (تَكْلِيمًا) واذا أكد الفعل بالمصدر فلا يكون مجازًا، بل يكون على حقيقته.
كيف هو كلام الله ؟ كل وصف لله ويوجد مثله لخلقه فاننا نأخذه  في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)

❇        

لماذا ذكر اللَّهُ أنه قد كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا في هذا الموضع ؟
لأن هذه الآيات رد على اليهود الذين طلبوا أن ينزل القرآن على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما نزلت التوراة على موسي مكتوبة من السماء، يقول تعالى (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء) فرد عليهم الله تعالى في هذه الآية فقال (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) يعنى أن الله تعالى قد كلم موسي شفاهة كلامًا حقيقيًا وليس مجازًا، وهذه خصوصية لموسي ليست لغيره من الأنبياء، وليس معنى أن الله تعالى قد اختص موسي بهذه الخصوصية أن ذلك قدح في غيره من الأنبياء، فكذلك نزول التوراة على موسي مكتوبة من السماء، لا يمكن أن تكون قدحًا في نبوة غيره من الأنبياء، وليست قدحًا في نبوة الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  

❇        

كم مرة كلم الله تعالى موسي ؟ ذكر القرآن العظيم أن الله تعالى قد تكلم مع موسي مرتين. عند بداية الرسالة، وعند نزول التوراة، البعض يقول أن الله تعالى لم يكلم موسي الا هاتين المرتين فقط، وغير ذلك كان يأتيه جبريل كسائر الأنبياء، وقيل أن الله قد تكلم اليه أكثر من ذلك، الله أعلم لما سال ابن باز –رحمه الله- هذا السؤال قال: قال تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فقد كلم الله موسي شفاهة، ولكن كم مرة كلمه، وكم عدد الكلمات، فلا نعلم، ولا يترتب عليها فائدة.
❇        

يقول وهب بن منبه: وهو من التابعين، وعرف بأنه يأخذ كثيرًا من كتب الاسرائيليات، إن موسى عليه السلام قال : "يا رب بم اتخذتني كليما" ؟ طلب العمل الذي أسعده الله به ليكثر منه ; فقال الله تعالى له : أتذكر إذ ند من غنمك جدي فاتبعته أكثر النهار وأتعبك , ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له : أتعبتني وأتعبت نفسك , ولم تغضب عليه; من أجل ذلك اتخذتك كليما .

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇