Untitled Document

عدد المشاهدات : 1772

الحلقة (346) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات (38) و(39) و (40) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا

تدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (346)
تدبر الآيات (38) و(39) و (40) من سورة "المائدة" (ص 113)

        

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
        

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
قيل أن الآية نزلت في "طعمة بن أبيرق" عندما سرق درعًا من جار له من الأنصار ، وذكرنا قصته في سورة النساء.
والسرقة هو أخذ الشيء في خفاء، ومنه استرق السمع يعنى استمع مستخفيًا دون أن يراه أحد. ومنه استرق النظر. يعنى نظر خفية.
وهو يختلف عن الحرابة، فالحرابة –كما ذكرنا-  أخذ الشيء بالإكراه

        

يقول تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وبدأ بالرجل قبل المرأة
وحين تناول القرآن حد الزاني قال تعالى (الزانية والزاني) فبدأ بالمرأة قبل الرجل. لماذا ؟
بالنسبة للسرقة قدم الرجل على الأنثى لأن السرقة في الرجال أكثر.
 أما بالنسبة للزنا فبدأ بالمرأة قبل الرجل، لأن المرأة هي التي يمكن أن تفتح هذا الباب أو تغلقه، بدليل أن بيوت الدعارة فيها نساء وليس رجال.

        

(فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)
الخطاب موجه لولى الأمر
فلا يجوز لأحد أن يقيم الحد الا ولى الأمر
وقطع اليد يكون من منطقة الرسغ، فاذا سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى.
فاذا سرق الثالثة قال البعض يحبس، وقال البعض بل تقطع يده اليسرى، فان عاد الرابعة تقطع رجله اليمنى.

        

(جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) مقابل هذا الكسب الخبيث 
(نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) البعض يفهم قوله تعالى (نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) أنها عقوبة شديدة يريد أن ينتقم الله بها من السارق، وهذا غير صحيح.
النكال هو المنع، واصله من "النِكْل" بكسر النون ، وهو القيد الشديد، أو هو حديدة اللجام، لكونهما مانعين.
فكانت العرب تقول نكل فلان بفلان يعنى صنع به صنيعًا ليمنع غيره من أن يفعل مثله.
اذن فقوله تعالى (نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) بيان لسبب العقوبة، يعنى سبب هذه العقوبة الرادعة وهي قطع اليد، حتى يكون ذلك مانعًا من ارتكاب جريمة السرقة، لأن السارق اذا علم أنه اذا سرق ستقطع يده، فانه لن يجرؤ على الاقدام على هذه الجريمة.
واذا قطعت يد السارق فانه لن يعود الى ارتكاب هذه الجريمة مرة أخري، لأنه سيعلم أنه اذا سرق مرة أخري فستقطع رجله، وسيري الناس السارق يده مقطوعة فيعلمون أنه سارق فيحتاطون في تعاملهم معه.
اذن هذا رد على من يقول ان حد السرقة فيه وحشية، نقول لأنك لم تفهم معنى قوله تعالى (نَكَالًا مِنَ اللَّهِ)
ليس معنى (نَكَالًا مِنَ اللَّهِ) أنها عقوبة شديدة يريد بها الله أن ينتقم من هذا السارق، بأن أقطع يده.
ولكن معناها أنها عقوبة يريد بها الله أن يمنع السارق من السرقة، فلا يعاقبه لا بقطع اليد ولا بالسجن ولا أي عقوبة.
فكما أن القتل أنفي للقتل، فكذلك القطع أنفي للقطع

        

(وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) العزيز هو القوي الذي لا يغلب، يعنى لا يعتقد السارق أنه يأخذ شيئًا لم يكتبه الله له، بل هو لو لم يسرق لأتاه ما سرقه دون أن يسرق.
والحكيم هو الذي يضع كل شيء في موضعه، فهو تعالى حَكِيمٌ في شرعه حين حكم بقطع يد السارق، لأننا صنعة الله، والله هو الأعلم بما يصلح صنعته.

        

روي ان الأصمعي وهو أحد الأئمة في اللغة كان يقرأ هذه الآيات في سور المائدة، فبدلًا من أن يقول في آخر الآية (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قرأ (وَٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وكان يسمعه رجل أعرابي، فاستوقفه الأعرابي، وقال له: كلام من هذا ؟ قال كلام الله، فقال الأعرابي: ليس هذا كلام الله ! فقال الأصمعي: هل تحفظ هذه الآية ؟ قال: لا ، ثم قال له الأعرابي: أعد، فأعاد الأصمعي، فلما أعاد تنبه الى أن تذييل الآية (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال الأعرابي: الآن أصبت. فقال له الأصمعي: كيف عرفت يا هذا ؟ وأنت لم تسمع الآيات من قبل. قال الأعرابي: عز فحكم فقطع، ولو رحم وغفر لما قطع.
        

(فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) 
قوله تعالى (وَأَصْلَحَ) يعنى رد ما سرقه.
وهذا تأكيد لنقطة هامة، فشروط التوبة ثلاثة: ترك وندم وعزم: ترك للذنب في الحال، وندم على ارتكابه في الماضي، وعزم أكيد على عدم العودة للذنب مرة أخري.
أما اذا كان الذنب يتعلق بحق من حقوق العباد، فهناك شرط رابع، وهو رد هذه الحقوق.
فمن سرق شيئًا فيجب عليه أن يردها الى أصحابها، حتى لو سبب له ذلك في الاحراج او الفضيحة.
ورد سؤال من رجل كان مقيم في أحد الدول الأوروبية، يقول تعودت السرقة من المحلات الجارية، لأني كنت بعيد عن الله، وكنت أعتقد أن السرقة من غير المسلم ليست حرامًا، فلما عاد الى بلده علم أنه لا فرق في الذنب بين السرقة من المسلم وغير المسلم، فماذا يفعل، فكانت الاجابة أن يعود الى البلد التي كان فيها، وأن يرد جميع هذه المسروقات لأصحابها.
اذا كان لا يعلم بالضبط قيمة الأموال التي سرقها فانه يقدرها.
أما اذا كان لا يعلم أصحابها فانهيتصدق بالأموال التي سرقها  بالنية عن أصحابها.
اذا كان قد سرق قبل البلوغ فلا يأثم ولكن يجب عليه رد هذه المبالغ
اذا كان لا يملك المبالغ التي سرقها فتكون دينًا عليه يجب عليه أداؤها.
(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تذييل الآية يتناسب مع الآية.


        

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
يعنى لماذا يسرق السارق ؟ هو يريد مالًا، فاذا كنت تريد مالًا فاسأل الملك يعطيك ما تريد، لأنه تعالى يملك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
سألته ولم يعطيني ؟ اذن لا يصلحك هذا المال، استجابة الله لدعائك أن يعطيك ما يصلحك، لا أن يعطيك ما تطلبه.
وأنت اذا سرقت أو ضاع من مالًا، فلا تحزن لأن هذا المال ليس رزقك

        

امرأة لا زوج لها ذبحت شاة وطهتها ثم تركتها وقالت لعلى آكلها غدًا، ثم دخل عندها سارق ليسرق، فوجد الشاة وسمع المرأة تصلى فندم وتاب الى الله، وطلب من المرأة أن تعفو عنه ومضى.
فلما كان الغد ذهبت المرأة الى الرسول ﷺ وقال: يا رسول الله انظر أحد أصحابك يزوجني، فقال لها الرسول ﷺ لعلنا نجد لك زوجًا، ثم دخل عليه الرجل الذي كان قد دخل ليسرق المرأة وقال له: يا رسول الله اني رجل سوء وقد تبت الى الله، فنادي الرسول ﷺ المرأة فلما رأت الرجل عرفته، فزوجها له، فلما دخل عليها وجد الشاة التي كان سيسرقها بالأمس فأكلا منها.

فالسارق سرق الرزق الذي كتبه الله له، ولكنه أخذ بالحرام، ولو لم يسرق لأتاه دون أن يسرق.
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)
وهذه من الآيات القليلة التي قدم الله فيها العقوبة على المغفرة 
لأن المقام مقام ترهيب وليس ترغيب


        

شروط حد السرقة:
تطبيق حد السرقة له شروط، ذكر لها العلماء لها 19 شرط منها:
1-    أن يكون السرق بالغًا عاقلًا.
2-    أن تثبت السرقة اما بشهادة عدلين أو اقرار السارق مرتين.
3-    ألا يكون السارق مضطر كمن يسرق ليشتري طعامًا أو دواءًا لنفسه أو من يعول، عندما سرق غلمان لحاطب بن أبي بلتعة ناقة، فقال الغلمان لعمر: كنا جوعي، فكاد عمر أن يقطع يد حاطب نفسه، ثم قال له: وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غارمة توجعك، ثم قال لصاحب الناقة: بكم ناقتك، قال بأربعمائة، فقال عمر لحاطب فاذهب فأعطه ثمانمائة، ولذلك عندما أرسل "عمر بن الخطاب""عمرو بن العاص" واليًا على مصر سأله وقال له: لو جاءك سارق فماذا تفعل به؟ قال عمرو بن العاص: أقطع يده، فقال له عمر بن الخطاب: لو جاءني فقير من مصر لقطعت يدك.
4-    ويلحق بذلك ألا تكون هناك في البلاد ظروف استثنائية كمجاعة أو حرب أو طاعون أو غير ذلك، لأن هناك قاعدة فقهية هامة وهي أن تدرأ الحدود بالشبهات، فاذا كانت هناك ظروف استثنائية فهناك شبهة، وهذا هو السبب في أن "عمر بن الخطاب" أوقف حد السرقة عام كامل عندما كان هناك جفاف وجوع في الجزيرة حتى عرف هذا العام بعام الرمادة. 
5-    أن يكون المال في حرز، يعنى في مكان مقفول عليه، وليس متاحًا للجميع، كأن يكون في خزينة أو درج أو داخل منزل.
6-    أن يبلغ المال نصابًا، وهو ربع دينار ذهب أو أربعة دراهم فضية، يقول النبي ﷺ في حديث رواه البخاري "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا" فاذا كان المبلغ المسروق أقل من هذا النصاب، فلا يقام عليه الحد، وهذا النصاب حتى يدرأ شبهة أنه سرق لحاجة ضرورية، لأن الربع دينار يكفي لطعامه وطعام عياله، ومادام النصاب محدد بالذهب فانه سيتناسب مع كل وقت، والدينار الذهب قيمته 4.25 جرام ذهب عيار 21 وهو حوالى 30 دولار أمريكي، حوالى 500 جنيه مصري، 120 ريال سعودي، 10 دينار كويتي، 200 يوان صيني.
7-    ألا يكون السارق مصاب بمرض السرقة، وهو ما يطلق عليه: هَوَسُ السّرِقَة أو جُنُونُ السّرِقَة، وهي حالة مرضية شديدة الندرة، يكون فيها المصاب عاجز عن مقاومة السرقة، ويسرق أشياء ربما لا يحتاج اليها، ولا هو عاجزًا عن شرائها، وكثيرًا ما يتخلص منها بعد ذلك، أو يعيدها الى صاحبها، ولا شك أن الذي يحدد اذا كان السارق مريض أم سارق عادي هو الطبيب النفسي، ويجب في هذه الحالة اخضاع المريض الى العلاج النفسي رغمًا عنه.  

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇