Untitled Document

عدد المشاهدات : 1463

الحلقة (356) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (61) الى (63) من سورة "المائدة" قول الله -تَعَالي- (وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (356)
تدبر الآيات من (61) الى (63) من سورة "المائدة" (ص 118)

❇        

(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) 
❇        

(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)
ما زالت الآيات تتحدث عن اليهود.
وتتحدث هذه الآية عن نفاق بعض اليهود. 
فيقول تعالى
(وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) وهذه هي صفة المنافقين، فهم يقولون أنهم آمنوا بأفواههم، وهم يضمرون الكفر في نفوسهم. 
(وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) كما نقول خرجوا كما دخلوا.
يعنى كان المفروض اذا دخلوا على الرسول ﷺ بالكفر، أن يتأثروا بما يقوله الرسول ﷺ من عظات، وأن تؤثر فيهم.
وهذا هو الفرق بين المنافق وبين المؤمن، فالمنافق لا تؤثر فيه الموعظة، بخلاف المؤمن فان المواعظ تزيد ايمانه ويقينه.

عندما قال حَنْظَلَةُ لأبي بكر: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فقالَ له أبو بكر: سُبْحَانَ اللهِ ما تَقُولُ؟ قالَ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِه نَسِينَا كَثِيرًا.
❇        

بل ان البعض كان يكفيه أن يري الرسول ﷺ حتى يؤمن يقول عبد الله بن سلام -وكان من أحبار اليهود- لمَّا قدمَ النَّبيُّ ﷺ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ، فَجِئْتُ في النَّاسِ لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ.
❇        

كان فضالة بن عمير الليثي، يكره الرسول ﷺ كراهية شديدة، حتى عندما تم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، قرر فضالة أن يقتل الرسول ﷺ وكان مع الرسول ﷺ في فتح مكة عشرة آلاف مقتال، يعنى اذا قتله فانه سيقتل لا محالة، ومع ذلك من شدة كراهيته للرسول ﷺ قرر أن يقتله، فأخذ سيفه وأخفاه تحت ملابسه، وبينما الرسول ﷺ يطوف بالكعبة أخذ يقترب من النبي ﷺ فلما اقترب من الرسول ﷺ التفت اليه الرسول ﷺ وقال له: أفضالة ؟ قال: نعم فضالة يا رسول الله، فقال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فتبسم الرسول ﷺ وقال له: استغفر الله يا فضالة، ثم وضع يده على صدر فضالة ، يقول فضالة: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.
❇        

ومن دقة الأداء القرآني أنه تعالى عبر عن دخولهم فقال: 
(وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) وعبر عن خروجهم فقال (وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) فأضاف الضمير (هُمْ) للإشارة الى أنهم عند خروجهم كانوا أشد كفرًا منهم عند دخولهم.

❇        

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ) أي والله تعالى يعلم ما كانوا يكتمونه قبل دخولهم على الرسول ﷺ من الكفر والنفاق والخداع، وهذا وعيد لهم على كفرهم ونفاقهم.
❇        

 (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)
(وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ أي من اليهود.
وقوله تعالى (وَتَرَى) يدل على أنهم يرتكبون هذه المنكرات علانية، وأنهم لا يستحون من المجاهرة بهذه المعاصي. 

 (يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) يعنى يبادورن ويتهافتون على الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
و
(الْإِثْمِ) هي المعاصي المتعلقة في حق الله تعالى، مثل ترك الصلاة والصيام. 
(وَالْعُدْوَانِ) هي المعاصي المتعلقة في حق المخلوقين، مثل الغيبة والسب والسرقة.
(وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) يعنى أكلهم المال الحرام، مثل الرشوة والسرقة والغصب والغش والربا وغير ذلك.
وسمي سحتًا، لأنه يسحت المال يعنى يهلكه، كما قال تعالى (وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ) 

(لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) اللام لام القسم، وبئس أداة ذم، والمعنى بئس هذا العمل الذي كانوا يعملونه، من المسارعة في الاثم والعدوان وأكل السحت.

❇        

وقال تعالى (يُسَارِعُونَ فِي) ولم يقل (يُسَارِعُونَ الى) للإشارة الى أنهم من بداية الأمر في الإثم، وأنهم مغمورون في الآثام، وأنهم ينتقلون فيها من حال الى حال أخري شر منها.
❇        

 (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
(لَوْلَا يَنْهَاهُمُ) يعنى أفلا يَنْهَاهُمُ (الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ) 
و
(الرَّبَّانِيُّونَ) يعنى المنتسبون للرب، وهم العباد الزهاد.
(وَالْأَحْبَارُ) وهم كبار علمائهم.
(عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) يقولون المفسرون أن المقصود هو شهادة الزور، أو أن (قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) هو الطعن في نبوة الرسول ﷺ
(وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) وَأَكْلِهِمُ المال الحرام. 
(لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) يعنى لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ هؤلاء العباد وهؤلاء العلماء، في تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

❇        

وهذه الآيات لم تفرق بين مرتكب المعصية، ومن ترك النهي عن ارتكاب المعصية.
فقال تعالى في حق مرتكب المعصية (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال في حق من ترك النهي عن ارتكاب المعصية (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
ولذلك كان العلماء تزلزلهم هذه الاية،
يقول ابن عباس "هي أشدّ آية في القرآن"
ويقول  الضحاك "ما فـي القرآن آية أخوف عندي منها".
جاء في الخبر أن مَلَكاً أُمِر أن يخسف بقرية فقال الملك: يا رب فيها فلان العابد، فأوحى الله تعالى إليه: به فٱبدأ فإنه لم يَتَمَعَّر وجهه فيّ ساعة قط.

❇        

ومن دقة الأداء القرآني أنه قال في في حق مرتكب المعصية (يَعْمَلُونَ) وقال في حق العلماء (يَصْنَعُونَ)
لأن العمل يكون من أي أحد، أما الصناعة فتكون بعد التدرب على العمل والتمكن منه، فناسب العوام لفظ (يَعْمَلُونَ) لأنه فعل قد يكون على جهل، وناسب العلماء (يَصْنَعُونَ) لأنهم متمكنون من معرفة الحلال والحرام.

       

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇