تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (365)
تدبر الآيتين (87) و(88) من سورة "المائدة" (ص 122)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
قال تعالى في آية سابقة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82(
وقلنا أن المعنى أن أقرب الناس مَّوَدَّةً ومحبة للمؤمنين هم النصاري، وذكر تعالى من سبب ذلك أن مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، فكان من مقتضى هذا أن يرغب المؤمنون في الرهبانية، وأن يظنوا أنه عمل يتقربون به الى الله تعالى، ولذلك جاءت هذه الآية الكريمة حتى تزيل هذا الظن، وتقول أن الرهبانية بمعنى الانعزال عن الحياة، وعدم التمتع بالرزق الحلال ليست من الاسلام، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وقيل في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن الرسول ﷺ قد وعظ الناس فتحدث عن يوم القيامة، وعن النار والحساب، فبكي الصحابة، واجتمع عشرة منهم في بيت "عثمان بن مظعون" رضى الله عنه، واتفقوا فيما بينهم على أن يصوموا الدهر كله، ويقوموا الليل كله، ولا يأكلون اللحم، ولا يتطيبون، ولا يلبسون الا الملابس الخشنة، حتى عزم بعضهم على أن يخصى نفسه، يعنى يقوم بإزالة الخصيتين، وبذلك لا يكون عنده أي ميل للنساء، فلا يكون عنده ما يشغله عن العبادة.
فلما بلغ ذلك الرسول ﷺ أرسل اليهم، وقال لهم: أنتم تقولون كذا وكذا، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال لهم الرسول ﷺ ولكنى وأنا رسول الله آكل اللحم، وأصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن أخذ بسنتى فهو منى، ومن لم يأخذ بسنتى فليس منى"
ونزلت هذه الآية الكريمة، يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)
يعنى لا تحرموا على أنفسكم الطيبات الى أحلها الله لكم.
قال العلماء: في شرعنا تحريم الحلال لا يقل ذنبًا عن تحليل الحرام.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
جاء رجل إلى الحسن البصرى –والحسن البصري هو امام الزاهدين فلي عصره- فقال له: إن لى جارًا لا يأكل الفالوذج فقال له ولم؟ قال: يقول، لا يؤدى شكره. فقال الحسن: أفيشرب الماء ؟ قال: نعم. فقال الحسن: فإن نعمة الله عليه فى الماء أكثر من نعمته عليه فى الفالوذج.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
لَا تَعْتَدُوا يعنى تناولوا هذه الطيبات ولكن لا تسرفوا في تناول الطيبات، فلا تسرفوا في الطعام والشراب والملبس وغير ذلك مما احله الله
يقول تعالى في سورة الأعراف (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)
عن جابر قال: رأى عمر بن الخطاب لحماً بيدي، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال: أو كلما اشتهيتَ اشتريتَ يا جابر ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
يعنى تمتعوا برزق الله لكم، ولكن بشرط أن يكون هذا الرزق (حَلَالًا) يعنى جاء من وجه حلال (طَيِّبًا) ليس خبيثُا
وقوله تعالى (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) فيه حث على التمتع بهذا الرزق، لأنه أضاف هذا الرزق الى الله، كما تحث ضيفك على الطعام، فتقول له خذ هذا من يدي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وفي نفس الوقت لم يقل تعالى (وَكُلُوا ما رَزَقَكُمُ اللَّهُ) ولكن قال تعالى (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) أصلها من ما رَزَقَكُمُ اللَّهُ، (من) تبعيضيه، يعنى لا تأخذوا كل ما رَزَقَكُمُ اللَّهُ لأنفسكم، وانما خذوا البعض، واصرفوا ما تبقي صدقة لغيركم.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
(وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعنى خافوا الله، ولا تتعدوا حدوه فتحلوا ما حرم الله، أو تحرموا ما أحل الله.
(الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
فيه حيثية تقوي الله، وحث على تقوي الله.
يعنى لأنكم مؤمنون بالله فيجب عليكم تقوي الله فيما أمر به ونهي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|