Untitled Document

عدد المشاهدات : 1463

الحلقة (384) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات من (22) الى (26) من سورة "الأَنْعَام" قول الله -تَعَالي- (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا...

تَدَبُر القُرْآن العَظِيم
الحلقة (384)
تدبر الآيات من (22) الى (26) من سورة "الأَنْعَام" (ص 130)

        

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
        

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
قلنا أن المقصد الأساسي لسورة "الأنْعَام" هو تركيز العقيدة الاسلامية، وفي سبيل ذلك فان سورة "الأنعام" تناقش وتحاج وتواجه وتهدد المشركين، فيقول تعالى في هذه الآية الكريمة:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) وقرأت (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) 
يعنى واذكر يا محمد للمشركين حتى يعتبروا ويتعظوا (يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) وهو يوم القيامة.
ومن أسماء يوم القيامة "يوم الحشر" اشارة الى شدة زحام هذا اليوم، و اشارة الى اجتماع جميع الخلائق في مكان واحد.
وقوله تعالى (جَمِيعًا) يعنى نحشر جميع الناس، لا يفلت أحد من هذا الحشر، أو نحشرهم ونحشر معهم أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى.

        

يقول تعالى (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)
أي ثم يقول الله تعالى للمشركين بعد أن يحشرهم جَمِيعًا: (أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)
يعنى أين الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي تدعون أنهم شركاء لله تعالى ؟ وكُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنهم آلهة، وكُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنهم سيشفعون لكم عند الله تعالى، وأين هم حتى يشفعوا لكم ويدافعوا عنكم في هذا اليوم العصيب ؟

واستخدام حرف العطف (ثُمَّ) والذي يفيد التراخي، لأن الكافر ينتظر وقت طويل جدًا بين الحشر وبين بدء الحساب، قال الرسول ﷺ "خمسين ألف سنة" قال الصحابة: ما أطول هذا اليوم ؟ فقال النبي ﷺ: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة"


        

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)
الفتنة  في اللغة: هو الاختبار 
كانت العرب تقول: فتنت الذهب في النار يعنى أدخلته في النار لأختبره وأعلم جودته. 
فقوله تعالى
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) يعنى ثُمَّ لَمْ يكُنْ جوابهُمْ على الاختبار الذي تعرضوا له.
وهذا الاختبار هو سؤال الله لهم (أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)
وعبر عن الجواب بالفتنة لبيان شدة الموقف الذي هم فيه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) 
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) يعنى لم يكن جوابهم (إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) 
عندما رأوا أن الله تعالى يغفر الذنوب جميعًا، ولا يغفر للمشركين (يقول تعالى في سورة النساء: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ)
فلم يكن أمامهم الا أن يقولوا وأن يقسموا أنهم لم يكونوا مُشْرِكِينَ.


        

(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)
(انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ)
ما معنى الكذب على النفس ؟
الذي يكذب على نفسه ، هو شخص يشعر في قرارة نفسه أنه يكذب، ولكنه لا يستطيع مواجهة نفسه بالحقيقة، ولذلك فهو  حاول أن يوهم نفسه أنه لا يكذب.
وهذا هو حال المشركين يوم القيامة.
فالله تعالى يسألهم هذا السؤال: (أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)
فلا يستطيعون أن يواجهوا أنفسهم بهذه الحقيقة المرة، وهي أنهم ضيعوا على أنفسهم دخول الجنة، وأنهم سيدخلون النار، وأنهم سيخلدون في النار، فيكذبون عَلَى أَنْفُسِهِمْ ويقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) 

        

وهذا رد على ما يبدو أن هناك تعارض بين قوله تعالى (قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (ولا يكتمون الله حديثا) 
نقول: هل قال تعالى أنهم كذبوا على الله ؟ لم يقل تعالى أنهم كذبوا على الله، ولا يُتَصَور أن يكذب أحد على الله في هذا الموقف، ولكنهم -كما قال تعالى- يكذبون عَلَى أَنْفُسِهِمْ، يعنى يقولون هذا الكلام، وهم يوهمون أنفسهم أنهم صادقين، لأنهم لا يستطيعون مواجهة أنفسهم بهذه بحقيقة العذاب الذي ينتظرهم.

        

يقول تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) 
أي ذهب عنهم وغاب عنهم ولم يجدوه
كما قال تعالى (وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يعنى اذا أصبحنا عظامًا وغِبنا في الأرض.

(مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) يعنى الأصنام التي كانوا يعبدونها.
فهذه الأصنام التى كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لم يعد لها وجود في ذلك اليوم

        

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) 
(وَمِنْهُمْ) أي ومن المشركين مَنْ يَسْتَمِعُ الى آيات القرآن العظيم.
ولكنهم لا ينتفعون بهذا السماع، يقول تعالى:

(وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)
(أَكِنَّةً) جمع (كنان) وهو الغطاء والستر، ومؤنثه (كنانة) كما يقال: مصر كنانة الله في أرضه، والكنانة هي الجعبة التى يوضع فيه السهام، فسميت بالكنانة لأنها تحفظ السهام.
وقوله تعالى
(أَنْ يَفْقَهُوهُ)
الفقه هو الفهم، كما قال تعالى في سورة الأنعام (انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) يعنى لَعَلَّهُمْ يَفْهَمونَ.
والمعنى: من المشركين مَنْ يَسْتَمِعُ الى آيات القرآن الكريم، ولكنهم بسبب كفرهم عاقبهم الله تعالى بأن جعل عَلَى قُلُوبِهِمْ أغطية فلا يتأثرون بالقرآن

(وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا) أي وجعنا فِي آَذَانِهِمْ (وَقْرًا) أي صممًا، كأنهم يسمعون أن كلام تقوله، كما قال تعالى في سورة البقرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)
        

(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا) 
مهما جئت لهم بالآيات يعنى بالأدلة والبراهين والحجج فهم لا يؤمنون بها.
حتى عندما جاء لهم الرسول ﷺ بمعجزة انشقاق القمر ، قالوا هذا (سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) يقول تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2)

        

(حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) 
كان "النضر بن الحارث" من أشد أعداء الرسول ﷺ وكان كثير الأسفار، وكان يعود من أسفاره فيقص على قريش من سمعه من قصص في بلاد فارس وغيرها، مثل قصص رُسْتُم واسفنديار، فلما سألت قريش النضر بن الحارث عن القرآن الكريم، قال لهم ما يقول لكم محمد الا أقاصيص وأَسَاطِيرُ مثل التى أحدثكم بها.
والأساطير جمع أسطورة، وأصلها من سطرت، أي: كَتبتُ.

(حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعنى اذا جاءك هؤلاء الكفار ليناظرونك ويجادولنك، فانهم يقولون أن هذا القرآن الذي جئت به ما هو الا  قصص وخرافات الأمم السابقة.
        

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
هذه الآية فيها عدة أقوال: 
الأول: قوله تعالى (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) يعنى كفار قريش يَنْهَوْنَ الناس عن اتباع الرسول ﷺ (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) ويبتعدون عن الرسول ﷺ فهم قد جمعوا بين الفعلين القبيحين، لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع

        

أو يَنْهَوْنَ الناس عن الاستماع الى القرآن العظيم، حتى لا يتأثرون به، ويبتعدون هم أنفسهم عن الاستماع الى القرآن حتى لا يتأثرون هم بالقرآن.
كما قال تعالى في سورة فصلت (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)
وهذا نجده في زماننا فربما تجد غير المسلم لا يحب أن يستمع الى آيات الاعجاز العلمي في القرآن مثلًا لأنه لا يريد أن يترك الدين الذي ألفه طوال عمره. 


        

وقيل أنها نزلت في "أبو طالب" عم الرسول ﷺ وقيل أنها نزلت في جميع عمومة الرسول ﷺ يقول تعالى (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) يعنى كانوا ينهون قريش عن ايذاء الرسول ﷺ وكانوا أشد المدافعين عن النبي ﷺ (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) يعنى ولكنه مع ذلك لا يؤمنون بالرسول ﷺ
روي أن ﷺ وقف يصلى عند الكعبة، فقال أبو جهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته، فقام رجل من قريش اسمه "عبد الله بن الزبعرى" فأخذ فرثا ودما ولطخ به وجه النبي ﷺ فلما انصرف النبي ﷺ من صلاته أتى عمه أبا طالب وقال : يا عم ألا ترى إلى ما فعل بي ؟ فقال أبو طالب : من فعل هذا بك ؟ فقال النبي ﷺ: عبد الله بن الزبعرى ; فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى قريش في مجلسهم; فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون; فقال أبو طالب: والله لئن قام رجل جللته بسيفي فقعدوا ثم قال للرسول ﷺ: يا بني من الفاعل بك هذا ؟ فقال : عبد الله بن الزبعرى ; فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول ثم انصرف، ونزل قول الله تعالى ; فنزلت هذه الآية (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) يعنى بابتعادهم عن الرسول ﷺ يهلكون أنفسهم، فذهب الرسول ﷺ الى عمه أبو طالب وقال له:  يا عم نزلت فيك آية قال : وما هي ؟ قال (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) قال الرسول ﷺ: تمنع قريشا أن تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي فقال أبو طالب :


والله لن يصلوا إليك بجمعهم 
حتى أوسد في التراب دفينا. 
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر بذاك وقر منك عيونا. 
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
فلقد صدقت وكنت قبل أمينا.
وعرضت دينا قد عرفت بأنه
من خير أديان البرية دينا.
 لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحًا بذاك يقينا.

 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇