الحلقة (396)
تدبر الآية (74) من سورة "الأَنْعَام" (ص 137)
الجزء الأول
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قلنا من قبل أن المقصد الأساسي ومحور سورة الأنعام هو تثبيت العقيدة الاسلامية، وفي سبيل ذلك فان سورة الأنعام تناقش وتواجه وتحاج وتجادل المشركين.
ولذلك تورد سورة الأنعام في هذه الآيات الكريمة قصة محاجة أو جدال ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأبيه ولقومه، لأن مناقشة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه هي مناقشة لكفار قريش، لأن رسالة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ-هي رسالة الرسول ﷺ ودين قوم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- هو دين كفار قريش.
واختيار مناقشة ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- لقومه وليس غيره من الرسل لأن العرب كانت تحترم إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وتحترم رسالته وتحترم نبوته، وهي تعلم أن الكعبة المشرفة والتي هي سبب سيادة قريش العرب، هي من بناء إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وبعض مناسك قريش هي من بقايا ديانة إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- مثل الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والأضحية وغير ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) يعنى واذكر يا محمد إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ.
(لِأَبِيهِ آَزَرَ) الآية واضحة في أن هذه المناقشة كانت بين ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- وبين أبيه وأن اسم أبيه هو (آَزَرَ)
ومع ذلك ذهب كثير من العلماء الى أن (آَزَرَ) ليس هو أبو ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- ولكنه عمه.
ما الذي جعل كثير من العلماء يتركون ظاهر القرآن، ويحالون اثبات ان (آَزَرَ) ليس هو أبو ابراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- ولكنه عمه؟ نقول إن ذلك له ثلاثة أسباب:
أولًا لأن الرسول ﷺ قال "لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ" وما دام الرسول من نسل إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فانه لا يجوز أن يكون أبو ابراهيم كافر، فهم يريدون توفيق القرآن مع هذا الحديث.
الثاني لأن علماء الأنساب أجمعوا على أن أبو إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- اسمه "تارح" أو "تارخ" فهم لا يريدون أن يخالف القرآن ما أجمع عليه علماء الأنساب.
الثالث: حتى يردوا على الملاحدة والمستشرقين الذين قالوا إن اسم (آَزَرَ) من أفدحِ أخطاء القرآن في اقتباسه من التوراة.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
واحتج هؤلاء العلماء الأفاضل على ذلك بأن العرب تطلق اسم الأب على المساوي للأب مثل العم، وهذا مثل قول الله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فأطلق القرآن لقب الأب على إِسْمَاعِيلَ بالرغم من أن إِسْمَاعِيلَ هو عم يَعْقُوبَ وليس أبيه.
وقالوا نحن الآن –في لغتنا الدارجة- عندما نريد الأب الحقيقي نقول له أب ولا نأتي باسمه، ولكن إذا أردنا المساوي للأب فإننا نحدد اسمه، فاذا قال أحدهم لآخر: أين ابوك ولم ينطق اسم الوالد فهو يقصد أبوه الصلبي، أما إذا قال: أين ابوك سعيد ؟ مثلًا، فهو لا يقصد الأب الحقيقي، وانما يقصد العم او ما هو مساوي للأب.
فلو قالت الآية الكريمة (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ) وسكتت لكان المقصود أبوه الصلبي الحقيقي، ولكن الآية الكريمة قالت (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ) لتدل على أن (آَزَرَ) ليس أبوه الحقيقي.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وسنرد أولًا على هذه الحجج، ونثبت أن (آَزَرَ) هو أبو إِبْرَاهِيمُ الحقيقي، ونذكر ما أهمية أن نثبت أن (آَزَرَ) هو أبو إِبْرَاهِيمُ الحقيقي، وأن هذا دليل على أن القرآن العظيم لم يأت به الرسول ﷺ من عند نفسه وانما هو من عند الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أولًا: حديث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ" ليس حديثًا صحيحًا، وإنما هو حديث موضوع، والحديث الموضوع –كما يقول علماء الأحاديث- هو شر الأحاديث الضعيفة، وعلى فرض صحته –لأن علماء الشيعة يصححون هذا الحديث- نقول على فرض صحته، فهو يعنى أن الرسول ﷺ ولد من زواج صحيح ولم يولد من سفاح، وعليه فلا يصح الاحتجاج به في هذه القضية.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما اجماع علماء الأنساب على ان اسم أبو ابراهيم "تارح" أو "تارخ" نقول إن علماء الأنساب قد أخذوا هذا الاسم من التوراة، لأن اسم أبو ابراهيم في التوارة "تَارَحْ" أو "تِيرَحْ" ثم قلد بعضهم بعضا في هذا الأمر، حتى صار اجماعًا، والتوراة ليست حجة على القرآن، وانما القرآن العظيم هو الذي حجة على التوراة، لأن القرآن العظيم محفوظ من الله تعالى ولم يحرف والتوراة قد نالها التحريف.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أما الدليل على أن (آَزَرَ) هو اسم أبو ابراهيم، فهو أن هذا هو ظاهر الآية، وليس هناك أي داع الى صرف ظاهر الآية الى غيرها، الا محاولات التوفيق بين الآية وبين هذا الحديث الغير صحيح، أو بين الآية وبين التوراة وقد رددنا على هذه النقاط.
دليل آخر على أن (آَزَرَ) هو اسم أبو ابراهيم، أن هذا هو ما ورد في حديث صحيح الذي رواه البخاري يقول الرسول ﷺ "يَلْقَى إبْراهِيمُ أباهُ آزَرَ يَومَ القِيامَةِ... " الى آخر الحديث
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وأخيرًا: كيف أن ذكر القرآن أن اسم أبو ابراهيم هو (آَزَرَ) دليل على أن هذا القرآن العظيم لم يأت به الرسول ﷺ من عند نفسه وانما هو من عند الله تعالى.
نقول كان يمكن أن يكتفي القرآن العظيم بأن يقول (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ) ؟ دون أن يذكر اسم أبو ابراهيم، ولكن القرآن العظيم ذكر اسم أبو ابراهيم، وقال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ) حتى يصحح التحريف الذي وقع في التوراة، لأن التوراة وضعت اسما ليس صحيحًا فقالت ان اسمه "تَارَحْ" أو "تِيرَحْ" فجاء القرآن العظيم وقال ان اسمه ليس "تارح" ولكن اسمه (آَزَرَ)
وحتى يكون ذلك دليلًا على أن القرآن العظيم لم يأت به الرسول ﷺ من عند نفسه، وانما هو وحي من عند الله تعالى، فلو كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد نقل قصص القرآن العظيم من الكتب السابقة كما ادعي عليه أعدائه (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ولا يزال هذا الادعاء قائمًا من الملاحدة وغيرهم، نقول لو كان الرسول ﷺ قد نقل قصص القرآن العظيم من الكتب السابقة، لقال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ تارح)
ولو كان قد أخطأ لكان قد صوب له بعض علماء اليهود الذين أسلموا، مثل "عبد الله بن سلام" أو "مخيرق" أو غيرهما، ولاستدرك الرسول ﷺ الخطأ الذي وقع فيه.
بل ان الملفت أن القرآن العظيم لم ينسب أي نبي الى أبيه الا ابراهيم، وهذا النسب كان مرة واحدة في سورة "الأنعام" فلم يقل القرآن مثلًا "موسي بن عمران" أو "هود" بن كذا، أو "نوح" بن كذا، باستثناء "عيسى بن مريم" نسبه القرآن لأمه، للإشارة الى أنه ولد من غير أب.
اذن هناك تعمد واضح وملفت للنظر من القرآن في ذكر نسب ابراهيم الى أبيه (آَزَرَ) وهذا التعمد سببه –كما ذكرنا- حتى يصحح التحريف الذي في التوراة، وحتى يدل على أن الرسول ﷺ لم ينقل قصص الأمم السابقة من التوراة أو أي من الكتب وانما هو وحي من عند الله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|