الحلقة (406)
تدبر الآيات (100) و(101) و(102) من سورة "الأَنْعَام" (ص 140)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قلنا من قبل أن المقصد الأساسي لسورة الأنعام هو تثبيت العقيدة الاسلامية، وفي سبيل ذلك فان سورة الأنعام تواجه وتناقش وتهدد المشركين، يقول تعالى في هذه الآية الكريمة:
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ)
هذه نزلت في بعض الطوائف مثل "المجوس" ومثل "الزنادقة" وهذه طائفة كانت موجود قبل الإسلام، كانوا يقولون أن الكون له صانعان: اله الخير، واله الشر.
فاله الخير هو الله، وهو الذي خلق الناس والدواب والنور، واله الشر وهو ابليس خلق الجان والسباع والعقارب والظلمة، فعبدت هذه الطوائف الله –إله الخير- وعبدت الشيطان –إله الشر- حتى يتجنبوا شره.
فقوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) يعنى عبدوا مع الله الشياطين.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهناك معنى آخر أنهم أطاعوا الشيطان، والطاعة عبادة، والشياطين هم كفار الجن، مثل قول ابراهيم لأبيه (يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) أصلها (وَجَعَلُوا الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ)
وهذا التقديم والتأخير من باب تقديم الأهم ثم المهم، كما يقال: أبوك تقوله كده ؟ أو أنا تعمل فيه كده ؟
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَخَلَقَهُمْ) يعنى والعجيب أنهم جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ، وهو تعالى الذي خَلَقَهُمْ جميعًا: خلق الانس والجن، وخلق العابدين أو المعبودين، فكيف يعبدون هؤلاء المخلوقون لله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
الأسلوب اسلوب تعجب، والتعجب من أمرين: أنهم (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ) وهو تعالى (خَلَقَهُمْ) يعنى خلق هؤلاء المعبودون
والعجيبة الثانية أنهم (خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ) وقرأت بالتشديد (وَخَرَّقُوا) للتكثير، والخرق هو الكذب الفاحش والافتراء، كانت العرب تقول: خرق الرجل اذا كذب كذبًا عظيما فاحشُا، وفي لغتنا الدارجة نقول "فلان بيخرم في الكلام"
فقوله تعالى (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ) يعنى قالوا على الله كذبًا وافتراءًا أنه له بَنِينَ وَبَنَاتٍ.
والذين ادعوا أن الله لَهُ بَنِينَ هم اليهود والنصاري، فاليهود قالوا أن نبي الله "عزير" ابن الله، والنصاري قالوا أن المسيح –عليه السلام- ابن الله، والذين ادعوا أن الله لَهُ بَنَاتٍ هم مشركوا العرب كانوا يقولون أن الملائكة بنات الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ورد سؤال يقول أنا أعيش في دولة أجنبية وقال لي رجل يهودي أنتم تقولون في كتابكم أن اليهود يقولون أن عزير ابن الله، ونحن لا نقول أن عزير ابن الله، ولذلك فأنا لا أصدق كتابكم، نقول أن الذي قال أن عزير ابن الله هم طائفة من يهود المدينة وقت نزول القرآن الكريم، كما ان بعض النصارى يقولون أن المسيح ابن الله، وليس كل النصارى، وبدليل أنه ليس هناك أحد من يهود المدينة اعترض على هذه الآيات وقال أنتم تقولون أننا نقول أن عزير ابن الله، ونحن لا نقول أن عزير ابن الله.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول تعالى (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ)
قوله تعالى (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعنى هذه الأكاذيب ليس لها أصل لا من كتاب سماوي ولا وحي إلاهي، كما قال تعالى في سورة الأحقاف (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
(سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) يعنى تقدس –تعالى- وتنزه وتعاظم عما يصف هؤلاء المشركون الله تعالى من أن له بَنِينَ وَبَنَاتٍ وشركاء ونظراء.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)
(بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ)
يقال: أبدع الشيء يعنى خلقه على غير مثال سابق.
نقول فلان مبدع: أتي بشيء جديد لم يقلد فيه أحد.
ومنه البدعة في الدين، يعنى أتي في الدين بشيء جديد ليس من سنة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقوله تعالى (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعنى أن الله تعالى خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وأنشأها بهذا الجمال وهذا الاتقان على غير مثال سابق ودون ان تكون شيئًا قبل ذلك.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ)
يخاطب الله تعالى اليهود الذين قالوا أن "عزير" ابن الله، والنصارى الذين قالوا أن :"المسيح" ابن لله، والمشركون الذين قالوا أن الملائكة بنات الله، فيقول لهم الله تعالى (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ) و(أَنَّى) تأتي للتعجب كما قال تعالى (يا مريم أني لك هذا) فالله تعالى يقول "كيف يكون لله –تعالى- ولد، وليس له تعالى (صَاحِبَةٌ) يعنى ليس له زوجة، وأنتم لم تدعوا أن هناك لله تعالى زوجة، ولا تستطيعون أن تدعوا هذا الأمر، لأن الزوجة تقتضي المجانسة مع الزوج، ولا مجانس ولا مشابه لله تعالى.
فاذا كنا قد اتفقنا أن الله تعالى لم تكن له زوجة، فإذن هذا الذي تدعون انه ابن لله تعالى قد خلق خلقًا، فاذا كان قد خلق خلقًا فهو اذن مخلوق لله تعالى وليس ولدًا له، ولذلك قال تعالى بعدها (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ)
يعنى أن الله تعالى خلق العزير وخلق المسيح وخلق الملائكة، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، والجميع مخلوقون لله تعالى وعبيد لله تعالى.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
يعنى بعد أن خَلَقَ تعالى كُلَّ شَيْءٍ، لا يخفي عليه شيء من خلقه، ولا يخفي عليه شيء من أعمالهم، وهذا فيه تهديد لهؤلاء المشركين، وأيضًا فيها الرد على بعض الفلاسفة، الذين قالوا أن الله خلق الكون ثم تركه، وهو ما يطلق عليه مفهوم "الحياد الإلهي"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ)
(ذَلِكُمُ) تأتي للتعظيم هذا هو الله رَبُّكُمْ الذي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وليس الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المعبودات التي لم تخلق شيئًا ولا تعلم شيئًا.
(لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)
لا مستحق للعبادة الا الله تعالى
(خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) يعنى أن الله تعالى هو الذي خلق كُلِّ شَيْءٍ، وحق على المخلوق أن يفرد خالقه بالعبادة.
(وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ من خلقه رقيب وحفيظ وكفيل برزقه.
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"
لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
|