Untitled Document

عدد المشاهدات : 1235

الحلقة (411) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم" تدبر الآيات من (122) و(123) و(124) من سورة "الأَنْعَام" (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ...

الحلقة (411)
تدبر الآيات (122) و(123) و(124) من سورة "الأَنْعَام" (ص 143)

        

(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ  (124) 


        

(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) 
يقول تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) وقُرِّأَت (أومن كان مَيِّتاً) بالتشديد
يعنى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا بالكفر فَأَحْيَيْنَاهُ بالإيمان والهداية.
وهذا مثل ضربه الله تعالى، جعل فيه الكافر ميتًا، وجعل المؤمن حيًا، وهذا مثل واضح ومفهوم ومستوعب، ومع ذلك تحدث العلماء عن وجه الشبه بين الكافر والميت، وبين المؤمن والحي.

قال العلماء: لأن الكافر لا فائدة منه، فهو لا يستطيع أن ينفع غيره ولا ينفع نفسه، ولا أن يدفع الضر والعذاب عن نفسه يوم القيامة، ولذلك فهو كالميت، لأن الميت لا ينفع نفسه ولا غيره ولا يدفع الضر عن نفسه، أما المؤمن الطائع فهو ينفع نفسه وينفع غيره، ويدفع الضر عن نفسه يوم القيامة، فهو يشبه الحي من هذا الوجه.

        

(وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يعنى وَجَعَلْنَا لَهذا المؤمن نُورًا يهتدي بِهِ وهو في حركة حياته، وهذا النور هو القرآن وسنة الرسول ﷺ.
وقيل أن هذا النور الذي يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، هو دعوة الاسلام التى ينشرها بين النَّاسِ.
 وهو أيضُا النور الذي يكون مع العبد المؤمن يوم القيامة، يقول تعالى ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) والنور الذي يكون مع العبد يوم القيامة سيكون على قدر عمله، فمنهم من يكون نوره مثل الجبل، ومنهم من يكون نوره أعظم من ذلك، ومنهم من يكون نوره على قدر اصبعه.

        

(كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) 
يعنى: هذا كَمَنْ مَثَلُهُ فِي ظُّلُمَاتِ الكفر والمعصية، و كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ التى يكون فيها الكافر يوم القيامة، والتي يكون فيها في جهنم.  
وقوله تعالى
(فِي الظُّلُمَاتِ) كأن الظُّلُمَات محيطة به فلا يستطيع أن يخرج منها.
(لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) يعنى مقيم فيها أبدًا.
(كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي هكذا زَيِّنَ الشيطان لهؤلاء الكفار أعمالهم القبيحة.
اذن العمل القبيح كان منهم أولًا ثم كان التزيين بعد ذلك.


        

وقيل إن هذه الآية نزلت في "عمار بن ياسر"، و"عمرو بن هشام" (أبو جهل)
وقيل إنها نزلت في "حمزة بن عبد المطلب" و"عمرو بن هشام"
وقيل إنها نزلت في "عمر بن الخطاب" و"عمرو بن هشام"
وقيل نزلت في كل المسلمين الذين كانوا كفارًا ثم هداهم الله الى الاسلام.


        

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)
كلمة (كَذَلِكَ) تستخدم للتمثيل، يعنى هذا مثل هذا، فالله تعالى يواسي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول له اذا كان هناك مجرمون في قومك من أهل مكة، فهذا أمر تكرر مع كل الأنبياء
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) أي فِي كُلِّ بلدة.
(أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) يعنى: جَعَلْنَا مُجْرِمِيهَا من   رؤسائها وأشرافها وأغنيائها لِيَمْكُرُون بالرسل وبالمؤمنين.
كلمة
(مُجْرِمِيهَا) مادة الجيم والراء والميم تأني بمعنى القطع، فسمي المجرم مجرمًا، لأنه يرتكب أفعالًا يقطع به نفسه عن المجتمع.
والمكر هو التدبير بخفاء.
وهو مأخوذ من التفاف الأغصان بعضها على بعض، بحيث اذا نظرت الى أي ورقة لا تستطيع أن تعرف هي من اي فرع، فكان العرب تقول "مكرت الشجرة" اذا التفت أغصانها، وتقول على شجرة اللبلاب أنها شجرة مكيرة، لأن أغصانها تلتف، فسمي الماكر ماكرًا لأنه بصل الى هدفه بطرق ملتوية.
اذن قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) يعنى كما أن هناك –يا محمد- مجرمون في قومك من أهل مكة فهذا أمر قدره الله تعالى على كل أنبيائه ورسله، فجعل –تعالى- المجرمون الذين يمكرون بالرسل وبالمؤمنين في كل بلدة، هم أكابر هذه البلدة وأشرافها وأغنيائها.    

        

(وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) يعنى وهم في الواقع لا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ، ولا يضرون إِلَّا أَنْفُسِهِمْ.
لأن المكر –كما قلنا- هو التدبير بخفاء، وهؤلاء يدبرون بخفاء يقصدون بذلك إيذاء المؤمنين، ولكنهم عندما دبروا بخفاء وقع الضرر عليهم هم فكأنهم –في واقع الأمر- قد مكروا بأنفسهم.
ولذلك قال تعالى
(وَمَا يَشْعُرُونَ)


        

(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)
(وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ) يعنى: وَإِذَا جَاءَتْ هؤلاء المجرمون (آَيَةٌ) يعنى معجزة أو حجة تدل على صدق نبوة الرسول الذي أرسل اليهم.
 (قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ)
يعنى قال هؤلاء المجرمون لَنْ نُؤْمِنَ بالله ولم نؤمن بما جاء به هذا الرسول 
(حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) يعنى حَتَّى ينزل علينا الوحي كما ينزل الوحي على رُسُلُ اللَّهِ، ونعطي معجزات مثل المعجزات التى أعطيت الى رسل الله.
نريد عصا مثل التى أعطيت الى موسي، ونريد أن نحي الموتى ونبرئ الأكمه والأبرص مثل عيسي، ونريد ان ينزل علينا قرآنًا مثل محمد.

وقيل أن هذه الآية نزلت في "الوليد بن المغيرة" وكان سيد قريش وأغني رجالها فلقي الرسول ﷺ وقال له: والله يا محمد لو كانت النبوة حقاً لكنت أنا أحق بها منك فأنا أكثر منه مالًا وأعظم جاهًا وأكبر سنًا.

        

فيقول تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) 
وقرأت (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتَهُ) 
يعنى الله -تعالى- هو أعلم بمن هو أهل لرسالته، وهم تعالى أعلم بمن يصلح لهذه المهمة.
عن عبد الله بن مسعود قال "إنَّ اللهَ نظرَ في قلوبِ العبادِ فوجدَ قلبَ محمدٍ ﷺ خيرَ قلوبِ العبادِ فاصطفاهُ لنفسِهِ فابتعثهُ برسالتِهِ"

        

(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) 
الصغار هو الذلة الشديدة والمهانة الشديدة.
كما تقول لأحدهم: أنت صغرتني، يعنى وضعتني في وقف شعرت فيه بالذلة والمهانة.
فيقول تعالى
(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ) 
لأن هؤلاء المجرمون تكبروا وتعاظموا فيكون الجزاء من جنس العمل، أن يعذبوا عذابًا فيه ذلة ومهانة.
و
(عِنْدَ اللَّهِ) يعنى من عِنْدَ اللَّهِ تعالى.
والمعنى سيصيب هؤلاء المجرمون ذلة شديدة وهوان شديد، كما ورد في الصحيح أن المتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يعنى بنفس صورتهم ولكن حجمهم كحجم النمل الصغير، فيطؤهم الناس بأقدامهم، ويسحقون تحت أقدام الناس. 
كما قل تعالى في سورة ق (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
ثم يقول تعالى
(بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ) 
الباء باء السببية، يعنى بسبب تكبرهم وكفرهم ومكرهم بالمؤمنين 

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇