Untitled Document

عدد المشاهدات : 2597

الحلقة (423) من "تَدَبُرَ القُرْآنَ العَظِيم تدبر الآيات (151) و(152) و(153) من سورة "الأَنْعَام" (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...

الحلقة (423)
تدبر الآيات (151) و(152) و(153) 
من سورة "الأَنْعَام" (ص 148)

        

(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) 
        

هذه الآيات الثلاثة من سورة الأنعام لها فضل عظيم جدًا.
يقول ابن عباس أن هذه الآيات الثلاثة هي الآيات التي قال عنها الله تعالى في سورة آل عمران (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) فهذه الآيات الثلاثة هي الآيات المحكمات وهي أُمُّ الْكِتَابِ، يعنى آيات القرآن العظيم كلها تدور حول هذه الآيات الثلاثة.
وهذه الآيات الثلاثة موجودة في التوراة والانجيل والزبور والفرقان، بل وفي جميع الكتب السماوية. 
وقيل إنها الوصايا العشر التي أنزلت على موسي -عليه السلام- 
يقول كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده، هذه الآيات هي مفتتح التوراة (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ: أيكم يبايعني على ثلاث؟" ثم تلا الرسول ﷺ (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.....)

        

ارتباط هذه الآية بالآيات السابقة أن الآيات السابقة تناولت ضلالات المشركين في تحريم بعض الزروع والثمار والأنعام على أنفسهم، ثم يقول تعالى في هذه الآية (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) يعنى قُلْ -يا محمد- لهؤلاء المشركين اللى حللوا وحرموا حسب أهوائهم وحسب مزاجهم، تَعَالَوْا لأخبركم بما حرم ربكم عليكم حقاً. 
        

يقول تعالى (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)
كلمة (تَعَالَوْا) جاية من العلو، يعنى أصلها واحد في مكان مرتفع بيكلم حد في مكان أسفل منه، وبيقوله تعالي، يعنى ارتفع، ثم توسعوا فيها واستعملت في طلب الاقبال بصفة عامة.
ولكن اذا رجعنا الى أصل الكلمة، نجد أنها انسب كلمة في هذا الموضع، لأن الله تعالى يخاطب المشركين، ويأمرهم بأوامر معينة، فقال لهم (تَعَالَوْا) لأنهم بهذه الأوامر سيرتفعوا من حضيض المعصية الى رفعة الطاعة.

        

(أَتْلُ) التلاوة تعنى القراءة
(أَتْلُ عليكم) يعنى أقرا عليكم

(مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) مَا الذي حَرَّمَه رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ بالفعل وليس بالباطل.

        

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) أَلَّا تُشْرِكُوا مع الله أحد في العبادة.
أول وصية من الوصايا العشر هي عدم الشرك بالله تعالى، لأنها أعظم الحرمات، والذنب الوحيد الذي لا يغفره الله أبدًا.
يقول تعالى في سورة النساء (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) 
ويقول تعالى في الحديث القدسي
(يا ابنَ آدمَ، لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تشرك بِيْ شَيْئا؛ لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً)
"بِقُرَابِ الأرضِ" يعنى ما يقارب ملأ الأرض، وهذه كناية عن الكثرة.
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة لا حصر لها، بالمئات، مئات الآيات التى تدعو إلى الإِيمان وتنفر من الشرك.
من دعاء عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
"اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما".


        

(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) يعنى وأن تحسنوا الى الْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا تاما كاملا، والإحسان هي أعلى درجة من درجات العطاء.  
وقرن الله تعالى بين طاعته وبين بر الوالدين، وقد قرن الله تعالى بين طاعته وبين بر الوالدين في أكثر من موضع في القرآن العظيم.
وكان السياق ان تأتي الآية بأسلوب النهي عن عقوق الوالدين، لأن بداية الآية (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) فكان السياق أن يقول (وعقوق الوالدين) ولكن بدلًا من ذلك جاء الأمر بالإحسان، لأنه ليس المطلوب هو ترك العقوق ولكن المطلوب هو الاحسان، وقلنا أن الاحسان هو اعلى درجة من درجات العطاء.

        

يقول الإمام "محمد عبده" في "المنار" وقد بالغ بعض العلماء في الكلام على بر الوالدين حتى جعلوا من مقتضى الوصية بهما أن يكون الولد معهما كالعبد الذليل مع السيد القاسي الظالم، وقد أطمعوا بذلك الآباء الجاهلين المريضي الأخلاق حتى جرءوا ذا الدين منهم على أشد مما يتجرأ عليه ضعفاء الدين من القسوة على الأولاد وإهانتهم وإذلالهم، وهذا مفسدة كبيرة لتربية الأولاد في الصغر، وإلجاء لهم إلى العقوق في الكبر، وإلى ظلم أولادهم كما ظلمهم آباؤهم، وحينئذ يكونون من أظلم الناس للناس، وقد فصلنا القول في ظلم الوالدين للأولاد وتحكمهما في شئونهم ولا سيما تزويجهم بمن يكرهون، في تفسير آية النساء


        

(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)
"الإملاق" هو الفقر، وفي لغة قبائل لخم يعنى الجوع؛ كانت العرب تقول: "أملق الرجل" يعنى افتقر. وأصل "أملق" يعنى لم يبق له الا الملق، والملق هي الحجارة السوداء، كما يقال أترب، يعنى لم يبق له الا التراب، وأرمل يعنى لم يبقي له الا الرمال.
فقوله تعالى
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ) يعنى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ بسبب الفقر، وكان بعض العرب في الجاهلية إذا جاءه طفل وكان فقيرًا فانه يأده يعنى يدفنه حيًا حتى لا ينفق عليه.  
يقول قتادة: كان من جهلهم أن أحدهم يقتل ابنه ويغدو كلبه.

(نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) يعنى إذا كنتم تقتلوهم بسبب الفقر، فنحن نَرْزُقُكُمْ وَنرزق أَوْلَادَكُمْ 
هوه انته الى حترزقه ؟ ولا حتى بترزق نفسك ؟ أنت لا ترزق نفسك، احنا اللى بنرزقك، وزي ما بنرزقك حنرزقه.
يقول المصريون "العيل بيجي برزقه"
يقول تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا)

        

ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قلت: ثم أي ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"
        

في هذه السورة قال تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي سورة الإسراء قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم)
يعنى في هذه السورة قال (مِنْ إِمْلَاقٍ) وفي الاسراء قال (خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ)
وفي الأنعام قال (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي الاسراء قال (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم)
ليه الاختلاف ده؟ أصل كل آية تعالج حالة معينة.
في الأنعام قال تعالى (مِنْ إِمْلَاقٍ) يعنى الفقر حاصل فعلًا، الفقر واقع، يعنى هوه فقير فعلًا، وطالما الفقر واقع فعلًا فالذي يقتل طفله فهو يقتله أنه يخاف على رزقه هو لأنه فقير، 
ولذلك ذيل الآية فقال تعالى (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) يعنى لا تخاف من الفقر، فنحن سنرزقك ونرزق الطفل ايضًا.
أما في سورة الاسراء فيقول تعالى (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ) يعنى ما فيش فقر، بس خايف يفتقر لو جاب أولاد، يعنى فقر متوقع بسبب الأولاد، لذلك ذيل الآية فقال (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) ما تخافش من الفقر لو جالك أولاد، حنرزق الطفل الجاي، حييجي برزقه، وحنرزقك كمان معاه
.

        

قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيرهم: قوله تعالى (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ) أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة الإسراء: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ) يعنى: لا تقتلوهم خوفاً من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) أي: لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فهو على الله، فبدأ برزقهم؛ للاهتمام بهم، وأما في هذه الآية، فلما كان الفقر حاصلاً، قال: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) لأنه الأهم ههنا، والله أعلم.


        

(وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الفواحش. جمع فاحشة وهى ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال، وهي أكثر ما تطلق في القرآن على الزنا، وكانوا في الجاهلية عندهم حوانيت للزنا، يعنى بيوت دعارة، وكانوا يميزون هذه البيوت والخيام بأعلام حمراء، وكان يعمل فيها بالدعارة الاماء، ويطلق عليهن "أصحاب الرايات الحمر" وكان يختلف الى هذه البيوت أراذل الناس، ولا يختلف اليها أبدًا السادة والأشراف، وفي نفس الوقت كان السادة والأشراف يزنون في السر ولا يجدون في ذلك بأسًا، بل كانوا يعتبرون الزنا في السر نوع من انواع النكاح، وكانوا يطلقون عليه "نكاح الخدن" فقال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) يعنى وَلَا تَقْرَبُوا الزنا (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) سواء مَا كان منه علانية أو سرًا.
يقول ابن عباس:
(مَا ظَهَرَ) هو زنا الحوانيت المعلن (وَمَا بَطَنَ) هو متخذات الأخدان، وكانوا يستقبحون المعلن وحده فحرم الله الجميع.

        

ولم يقل تعالى (وَلَا تفعوا الْفَوَاحِشَ) وانما قال (وَلَا تَقْرَبُوا) يعنى أي حاجة ممكن تجرك لهذا الطريق تبتعد عنها: صداقة، نظر الى محرم، خلوة، سفر الى مكان معين.


        

(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)  
(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) يعنى وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها
(إِلَّا بِالْحَقِّ) يعنى إِلَّا التى اباح الله قتلها، بسبب القصاص أو الردة أو الزنا وهو محصن.
(ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) يعنى هذا هو ما وصاكم الله به، ووصية الله واجبة.   
(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
يعنى أنت لو أعملت عقلك لن ترتكب أي من هذه المحرمات، والذي يرتكب أي من هذه المحرمات لا يعد عاقلًا


        

(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) 
قال العلماء أن
(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هو أن ينمي لليتيم ماله ويستثمره، عشان لو بتنفق عليه من أصل المبلغ، عقبال ما يكبر مش حيقاله حاجة، انما لو استثمر له هذا المال، عقبال ما يكبر يبقي له الأصل وزيادة.
وأيضًا
(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) انك لا تأخذ مقابل عشان بتستثمرله هذا المال، واذا كنت محتاج وخدت مقابل تاخد أقل شيء، ما تحفش،  (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) وهو أجر المثل.
وقوله تعالى
(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) الشدة هي القوي، والمعنى حَتَّى يصل الى البلوغ وتأنس منه الرشد فتدفع له ماله.

        

وبرضه قالك (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ) زي ما قال (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) والعلماء قالوا لما تجد في القرآن النهي عن القرب من الشيء مش نهي عن الشيء، أعلم أن هذا الشيء مما تميل اليه النفس، زي موضوع النساء، وزي المال، فبيقولك ما تقربش، حتى لا يأخذك ذلك الميل في النفس الى اقتراف المحرم.
        

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
(الْكَيْلَ) هو معاير لقياس الحجم، وَالْمِوازين معيار لقياس الكثافة يعنى الوزن.
وقوله تعالى
(بِالْقِسْطِ) يعنى بالعدل 
اذن قوله تعالى
(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) أمر من الله تعالى بإقامة العدل في البيع والشراء، وفي الأخذ والعطاء، وفي جميع المعاملات.
وكلمة
(أَوْفُوا) يعنى تعطي الناس حقوقهم وافية كاملة.

        

(لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)
هذه العبارة كما أن فيها تخفيف، فان فيها كذلك تكليف، يعنى طالما أمرك لابد أن هذا الأمر في وسعك، وفي قدرتك، ما ينفعش تقول على امر الاهي ما أقدرش، طالما أمرك يبقي تقدر تعمله، ما ينفعش تقول ما أقدرش أغض بصري مثلًا، ليه ؟ لأنه (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

        

نلاحظ أن هذا الأمر الوحيد في الأوامر العشرة في هذه الآيات التى ذيلت بقوله تعالى (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ليه ؟
لأن العدل التام في الكيل والميزان أمر مستحيل، ولذلك هناك عدة ألات للوزن، فاذا كنا نزل أطنان نستخدم ميزان البيسكول، ودي فيها نسبة خطأ ممكن تصل الى عدة كيلو جرامات، وفيه الميزان العادي ممكن نسبة الخطأ بالجرامات، برضه ما فيش مشكلة أنا بوزن بطاطس وبصل وقوطة، اذا كنت باوزن ذهب أو ماس باستخدم الميزان الحساس، ويكون محطوط في صندوق زجاجي لأن حركة الهواء ممكن تؤثر في الميزان، فاذن العدل الكامل في الوزن مستحيل، والعدل الكامل في التبادل التجارى لا يمكن أن يتحقق ولذلك ذيل الله تعالى أمره بقوله تعالى (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يعنى تبذل ما في استطاعتك في اعطاء الناس حقوقهم في جميع المعاملات
ولما يقول في هذا الأمر بالتحديد (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) يعنى المطلوب منك في بقية الأوامر أن تؤديها كاملة.


        

(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) 
يعنى إذا حكمت فاحكم بالعدل، وإذا شهدت تشهد بالحق، والفتوي تكون بالحق، والوصية بالحق.
(وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) حتى لو كان الذي عليه الحق قريبًا لك أو صديقًا لك.
وهذا هو الاختبار الحقيقي لقول الحق لأنك لو قلت الحق على شخص غريب، فالموضوع انتهي ومش حتشوفه تاني، انما لو كان قريبك أو صديقك أو جارك -زي ما بيقولوا- وشك في وشه، فيكون هذا هو الاختبار الحقيقي لقول الحق.

        

(وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) 
يعنى جميع ما عهد الله اليكم به من العبادات والمعاملات، وجميع أوامره تعالى
(أَوْفُوا) يعنى أدوها وافية كاملة.
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يعنى لَعَلَّكُمْ تَتعظونَ


        

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ)
يعنى سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- 
(وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وهي البدع والضلالات والشبهات والشهوات المحرمة والفرق الضالة.
روي أحمد والنسائي وغيرهما عن "عبد الله بن مسعود" أنه قال: - خطَّ رسولُ اللهِ ﷺ خطًّا بيدِه ثم قال: هذا سبيلُ اللهِ مستقيمًا، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال : هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ.
وهذا الصِّراطُ المُسْتقيمُ قال عنه الرسولُ الله ﷺ في حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو: "ما أنا عليه وأصْحابي" يعنى سنة الرسول وسنة الصحابة الكرام. 

ثم قال (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يعنى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ اتباع هذه السبل.
ونجد أن الله تعالى ختم الوصايا التسع بهذه الآية؛ لأن الصراط المستقيم يشمل الوصايا التسع السابقة ويشمل كل ما لم يذكر هنا. 


        

ونلاحظ أن الخمس الأول ذيلها الحق بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) والأربع التي بعدها ذيلها الحق بقوله: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) والواحدة الجامعة لكل شيء قال تذييلاً لها: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
        

الأشياء الخمسة الأولي: كان العرب يرتكبوها: كانوا يشركون بالله، وكانوا يعقون الوالدين، وخصوصًا الأم، ويقتلون الأبناء بسبب الفقر، ويرتكبون الفواحش، ويقترفون الزنا، ويقتلون النفس، فذيل الله تعالى النهي عن هذه الأمور الخمسة بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يعنى لو أعملت عقولكم سترفضون هذه الأمور الخمسة، لو أعملتم عقولكم سترفضون الشرك وعبادة حجارة لا تنفع ولا تضر، سترفضون عقوق الوالدين اللى همه سبب وجودك في الحياة، سترفض قتل ابنك اللى هوه قطعة منك، سترفض الزنا، سترفض قتل النفس، ولذلك ذيال هذه الأوامر الخمسة بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
        

ثم الأوامر الأربعة التالية لم يكن العرب يفعلونها وكانوا ويستقبحون من يعملها: فكانوا يحافظون على مال اليتيم، ويعدلون في الميزان، ويعدلون في القول، ويوفون بالعهد، ولذلك ختم هذه الأوامر بقوله (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يعنى إياكم أن تغفلوها؛ فإذا كنتم تفعلونها وأنتم على جاهلية؛ فافعلوها من باب أولى وأنتم على الإسلام.
ثم جاء بالوصية الجامعة: (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) ونظراً لأن هذه الوصية تستوعب كل الأحكامفناسبها أن تذيل بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يعنى يجب عليكم أن تتبعوا الصراط المستقيم: لتقوا أنفسكم غضب الله تعالى وعقابه.

❇        

لِمُطَالَعَة بَقِيَةِ حَلَقَات "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم"

لِمُشَاهَدَة حَلَقَاتِ "تَدَبُر القُرْآن العَظِيم" فيديو

❇        


أ