Untitled Document

عدد المشاهدات : 1671

حق الكد والسعاية

"حق الكد والسعاية"
        

"حق الكد والسعاية" من القضايا التي أثيرت مؤخرًا بشكل كبير، وقد فهم البعض أن "حق الكد والسعاية" يعنى ان الزوجة لها الحق في نصف مال الزوج في حالة وفاة الزوج أو في حالة الطلاق في جميع الأحوال، أي كما هو الحال في الدول الغربية، وهذا فهم خاطئ تمامًا لحق الكد والسعاية.
        

استند الفقهاء في حق الكد والسعاية الى ما قضى به "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، عندما كان أميرًا للمؤمنين في قضية "عمرو بن الحارث" وزوجته "حبيبة بنت زريق" وكانت حبيبة تعمل في خياطة الثياب، وزوجها "عمرو" تاجرًا، وكونا مالًا، ثم مات "عمرو بن الحارث"  وترك أراضي واموالًا، فجاء الورثة وأخذوا ثلاثة أرباع ثروته وتركوا لها الربع، فرفعت "حبيبة" الأمر الى "عمر بن الخطاب" وقالت أنها شاركت في تكوين هذا المال الذي تركه الزوج، فقضي لها عمر بنصف مال زوجها على اعتبار أن هذا المال الذي تركه الزوج ليس خاصًا بالزوج فقط، ولكن خاص بالزوج وخاص بها في نفس الوقت،  ثم قضي لها بالربع لأن الزوج لم يترك ولدًا.
        

وأخذ الفقهاء والقضاة المغاربة هذه الفتوي وقضوا بها في بعض الحالات للزوجة، وخصوصًا في الريف المغربي، لأنهم وجدوا أن واقع المرأة في الريف المغربي - كما هو الحال في الريف المصري- أنها تشارك زوجها في العمل، سواء في الفلاحة أو تربية الماشية أو غير ذلك.
كتب أحد الفقهاء المغاربة يقول: "
قضيت سنوات أستاذا بجبال سوس بأطلسيه الكبير والصغير، -سوس منطقة في جنوب المغرب- ووقفت على واقع المرأة التي تخرج من بيتها أحيانًا قبيل الفجر للعمل في الحقول حرثا وجنيا ورعيا وسقيا، وذلك بعد أن أعدت للزوج المكرم الذي يبقى أميرًا في بيته فطوره، كما جلت في تلك الجبال وما رأيت قط رجلا يحرث حقلا إنما هو شغل النساء فقط"
اذن الواقع اللي استند عليه الفقهاء والقضاة المغاربة ان المرأة في الريف المغربي تشارك الزوج عمله، وبالتالي لو ترك الزوج أمولًا أو أراضي أو أي ممتلكات، فهي مشاركة للزوج بالكامل في تكوين وتنمية هذه الأموال والممتلكات.

        

اذن حتى نفهم "حق الكد والسعاية" من واقع فتوي "عمر بن الخطاب" ومن واقع فتاوي واقضية الفقهاء والقضاة المغاربة، وهم الذين أطلقوا عليها "حق الكد والسعاية" يعنى الزوجة تعبت وعملت. 
"حق الكد والسعاية" هو حق المرأة في مال زوجها إذا شاركت في تكوين هذا المال، ويكون لها الحق في هذا المال بمقدار مشاركتها في تكوين هذا المال.
اذن الموضوع ليس موضوع ان الزوجة لها الحق في نصف التركة بعد وفاة الزوج أو في حالة الطلاق في كل الأحوال، كما هو الحال في الغرب.

        

لنفرض ان زوجة كان عندها مال، وشاركت مع زوجها في شراء سيارة أجرة "تاكسي" ليعمل عليه، والسيارة لا يجوز انها تكتب باسم شخصين، وتم كتابة السيارة باسم الزوج، ثم مات الزوج، في هذه الحالة لا يكون التاكسي بالكامل للورثة، ولكن يكون للزوجة نصيب في السيارة بقدر مشاركتها: لو كانت قد دفعت النصف فلها النصف، لو كانت قد دفعت الربع فلها الربع، لو كانت دفعت الثلثين فلها لثلثين ، وبعد أن تأخذ نصيبها يكون الباقي للورثة والذي هي منهم، ويكون ما أخذته على اعتبار انه دين على الزوج الى الزوجة، وأول ما يتم توزيعه في التركة قبل الأنصبة هي الديون، وكذلك الحال في حالة الطلاق، تأخذ الزوجة التي طُلقت نصيبها في السيارة. 
        

مثال آخر زوجة عندها مال، وشاركت مع زوجها في شراء عجل، وأصبح العجل الواحد عشرة عجول، ثم مات الزوج، فيكون لها الحق قبل توزيع الأنصبة في هذه العجول بقدر مشاركتها في أول عجل.
        

وهذا هو المعمول به عمليًا في مصر وخصوصًا في المناطق الريفية، وإذا لم تتفق الأطراف، يتم عقد مجلس عرفي، ويقضى المحكم للزوجة بحقها في مال زوجها الذي شاركت فيه قبل توزيع الأنصبة من التركة.
وقد طعن في القصة الخاصة بقضية "عمر بن الخطاب" وقال أن هذه الرواية لا تصح سندًا، نقول حتى لو كانت الرواية غير صحيحة، فان هذه الفتوي تتفق مع مبادئ الشريعة الاسلامية، لأن هذا هو العدل، والعدل من مبادئ الشريعة الاسلامية


        

اذن متى نأخذ بفتوي "حق الكد والسعاية" ؟ عندما تشارك الزوجة مشاركة مباشرة في تكون ثروة الزوج
ولذلك حق الكد والسعاية ليس خاص بالزوجة فقط، فقد يطبق هذا المفهوم على الابن أو الأب أو الأم، أو الأخ، يعنى المثالين الذين ذكرناهما، لو كان المشارك هو الابن أو الأب أو الأم أو الأخ، أو حتى شخص من خارج الأسرة، فله الحق فيما تركه المتوفي بقدر مشاركته فيما تركه، على اعتبار انه دين يجب قضاءه قبل توزيع أنصبة التركة.

        

ولذلك في أغلب الحالات لا نحتاج الى هذه الفتوي، لإن هناك مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية يطلق عليه مبدأ "استقلال الذمة المالية" يعنى الطبيعي والصحيح ان الزوجة ليكون لها ذمتها مالية مستقلة، يعنى الزوجة إذا كانت عاملة أو غير عاملة ولها أموال في البنك مثلًا، تكون أموالها في حاسب خاص بها، والزوج له حساب خاص به، لو اشترت سيارة بأموالها تكون باسمها، لو اشترت شقة تكون باسمها، لو اشترت قطعة أرض تكون باسمها، لو كانوا شركاء في شركة، تكون هناك عقود تحدد حقوق كل طرف.
        

ولكن المثالين الذين ذكرناهما: الزوجة مشاركة في مال الزوج وليس هناك فصل بين مال الزوجة ومال الزوج. 
كيف نثبت هذا الحق ؟ هذا أمر خاص بالقضاء، حيث يثبت اما بالإقرار أو شهادة الشهود أو اليمين

        

"حق الكد والسعاية" لا يعنى ان الزوجة العاملة لها نصف مال الزوج لإنها كانت تعمل وتنفق على المنزل.
"حق الكد والسعاية" لا يعنى ان الزوجة لها نصف مال الزوج لإنها كانت ربة منزل، وجعلت الرجل متفرغًا لعمله.
"حق الكد والسعاية" هو حق الزوجة أو غيرها في مال المتوفي اذا شاركت في تكوين هذا المال، وبقدر مشاركتها في هذا المال.